على مدار الساعة

الكونغو.. والانتخابات و"وحلة" مول الزيت؟

14 يناير, 2019 - 16:33
محمد السالك ولد إبراهيم - باحث وخبير استشاري - medsaleck@gmail.com

ربما تصور كثير من أبناء جمهورية الكونغو الديمقراطية بأنهم سينعمون- في نهاية مطاف معقد من التأزم والارتباك السياسي - بتناوب سلس على السلطة بعد 18 سنة من حكم الرئيس جوزيف كابيلا الذي تولى الحكم بعد اغتيال والده لوران كابيلا سنة 2001. لكن رياح الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت الأسبوع الماضي، في هذا البلد الإفريقي العظيم، قد جاءت بما لا تشتهي بعض القوى الدولية المتنفذة في القارة. ليقف الكونغو من جديد على شفا أزمة تهدد بعودة القلاقل وانعدام الاستقرار، وما قد ينجر عن ذلك من متاهات ومآس وويلات على الشعب الكونغولي، الذي يقدر عدده بأكثر من 90 مليون نسمة..

 

وبذلك يدخل الكونغو الديمقراطي في مأزق شبيه بـ"وحلة" مول الزيت، كما تحكيها الأسطورة الشهيرة عندنا..

 

الكونغو نهر إفريقي عظيم يمتد بطول 4700 كلم.. في الماضي، منح هذا النهر اسمه لبلاد شاسعة وغنية بالمصادر الطبيعية.. قبل أن تجر عليها ثرواتها الهائلة لعنة الاستعمار والاحتلال والتقسيم، والتبعية والنهب الممنهج.. تقدر مساحة الكونغو بأكثر من ثلاثة ملايين كلم مربع، غنية بكل أنواع الخيرات: الكوبالت، الذهب، النفط، الألماس، الفضة، الزنك، اليورانيوم، المنغنيز، القصدير، الجرمانيوم، الراديوم، البوكسيت، خام الحديد، الفحم، الطاقة الكهرومائية، الخشب، إلخ.

 

بدأت مأساة الكونغو مع التوقيع على اتفاقية برلين في سنة 1885 حول تقاسم القارة الإفريقية بين القوى الاستعمارية الغربية. ثم قسم الكونغو بدوره إلى دولتين يفصل بينهما نهر الكونغو نفسه، وهما: الكونغو ليبولدفيل، الذي تقدر مساحته بمليونين ونصف كلم مربع والذي منح لملك بلجيكا ليوبولد الثاني، وأطلق اسمه على عاصمة البلد كينشاسا حاليا. والكونغو برازفيل بمساحة نصف مليون كلم مربع، منح لفرنسا، وأطلق عليه اسم المستكشف الإيطالي - الفرنسي بيير سافورنيان دي برازا..

 

بعد ذلك تغير اسم الكونغو البلجيكي ليصبح "زائير"، ثم ليتغير ثانية بعد الإطاحة بالدكتاتور موبوتو، ليصبح جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي ليس لها حظ من الديمقراطية سوى الاسم فحسب. بينما بقي الشطر الآخر من الكونغو يتميز باسم عاصمته برازافيل التي تحمل اسم المستكشف دي برازا..

 

دخل الكونغو عصر الديمقراطية متأخرا في سنة 2005، بعد سلسلة طويلة من الصراعات، والقلاقل والحروب الأهلية والنزاعات العرقية والقبلية، والتمردات والانقلابات العسكرية.. والانقلابات المضادة.. لكن سفينة الكونغو لم تستطع حتى الآن أن ترسو بسلام في مرافئ الديمقراطية، رغم تنظيم العديد من الانتخابات في هذا البلد المتعثر..

 

وحسب نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية المتزامنة، التي جرت الأسبوع الماضي في الكونغو، جاء السيد شاداري مرشح ائتلاف الرئيس كابيلا المنتهية ولايته، في ذيل المتنافسين على الرئاسة، لكنه حصد عددا معتبرا من النواب في الانتخابات البرلمانية، بينما فاز بالرئاسة السيد كيسيكيدي، وهو أحد أبرز مرشحي المعارضة، لكنه لم يحصل سوى على عدد قليل من النواب، حسب النتائج المعلنة من طرف اللجنة المستقلة للانتخابات، والتي طعن في صحتها المرشح الآخر للمعارضة السيد فالولو، الذي جاء في المرتبة الثانية بعد السيد كيسيكيدي. لكن السيد فالولو يعتبر نفسه فائزا بالرئاسة لأن النتائج المعلنة قد تم تزويرها حسب زعمه، مستظهرا بمحاضر مكاتب التصويت التي يدعي بأن مؤيديه يحتفظون بها.

 

الشارع في الكونغو يغلي منذ إعلان نتائج الانتخابات.. وبعض الولايات لم تسمح فيها الظروف الأمنية بإجراء التصويت أصلا..

 

النتائج المعلنة لا ترضي اتحاد الكنائس الكاثوليكية في الكونغو، وهو مؤسسة مدنية قوية تحظى بنفوذ كبير على المستويين المحلي والدولي. وكانت ترعى الحوار بين السلطة والمعارضة من أجل الخروج من أزمة تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كادت أن تعصف بالبلاد في السنوات القليلة الماضية.. كما أشرف خبراؤها على مراقبة الانتخابات الأخيرة..

 

دوليا، شككت فرنسا في نتائج الانتخابات في الكونغو، وعبأت مجلس الأمن الدولي حول خطورة الوضع المتوتر في البلاد.

 

رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات طالب الجميع بالحسم في اتجاه أحد خيارين. فإما القبول بنتائج التصويت كما أعلنت، والتحلي بضبط النفس، أو الإجماع على رفضها، وبالتالي المضي نحو إعلان إلغاء الانتخابات.. وتنظيم أخرى بديلة..

 

المشكلة أنه في كلتا الحالتين، سيواجه الكونغو قدره المجهول وهو يرزح مرة أخرى، في دوامة عبثية.. فلا هو قادر على الركون إلى نتائج انتخابات يثار حولها الكثير من اللغط محليا، وغير مرغوب فيها دوليا.. ولا هو قادر على إلغاء نتائجها كليا، والمجازفة بدفع الشارع نحو أتون المجهول.. في انتظار ترتيب انتخابات جديدة..

 

فهل أوقعت الانتخابات جمهورية الكونغو في "وحلة" مول الزيت؟

 

أعاذنا الله وإياكم.. وبلادنا.. من "وحلة" مول الزيت ومن غيرها من "الوحلات"..

 

نواكشوط، 14 يناير 2019