على مدار الساعة

المعين في اختيار المرشح الأمين

8 أكتوبر, 2022 - 14:35
سيد الأمين ولد باب

بلادنا مقبلة في الأشهر القادمة على استحقاقات بلدية ونيابية وجهوية أرجوا من الله العلي القدير أن تتم بخير و بأمن وأمان وأتمني أن يحصل الخيرون الطيبون المعتدلون من المرشحين على ثقة الشعب ، ويسرني في هذا المضمارأن أشارك كل المواطنين الكرام ، في مختلف مناطق البلاد ، بعض ما خلصت إليه من تقييم قمت به للبعد التطبيقي للديمقراطية في بلادنا ، سعيا مني لتوضيح بعض العوائق التي تمنع حصول الفائدة العامة المرجوة من العملية الانتخابية ، وكذا لإنارة الطريق لكل تائه حائر يملك حق التصويت لكنه يفضل عدم ممارسة ذلك الحق لخيبة أمله المتكررة في كل منتخب :عمدة كان أو نائبا ، حيث لا يوجد لأدائهم في أغلب الأحيان أي أثر يربطهم بالمواطنين الذين انتخبوهم .

 

كل مرة يجرب المواطن المسكين شخصا لم يُنتخب من قبل لعله يكون أحسن من السابقين، ويتعب هذا المسكين من أجل أن يصوت له لكن يَخيبُ أمله في ما بعد، لما يُصبحُ ذلك المرشح عمدة أو نائبا، وأحيانا يُعيد المواطن انتخاب عمدة سابق قد خَيبَ أمله من قبل، لعله يكون قد تغير لِما يَسمعُ من حسن خطابه هذه المرة، ومن كثير وعوده المغرية، لكنه عندما ينجح يبدأ في إكمال ما أنجزه لنفسه سالفا غير آبه بحقوق المواطنين الضعفاء وسكان المدينة عموما، فيخيب أمل المواطن مُجددا.

 

 تكررت هذه الحالة مرات عديدة ـ في مختلف أنحاء البلد ـ مع مجرب سابق وآخر لم يجرب من قبل، وكلهم لا يهتم بأمر المواطن الضعيف ، ولا يراه إلا قبيل انتخابات أخرى ،حيث يأتي إلى المواطن يرفل في الحرير ويركب الفاخر من السيارات ويَلْبَسُ مَسْحَةً أخلاقية جديدة ويَخفِضُ الجناح ويبذل المال من أجل أن يَغْتَرً به المواطن من جديد !!.

 

وفي هذه الأيام التي كثر فيها التنسيق تحضيرا للانتخابات ، أضع بين يدي المواطن الكريم في كل مكان من الوطن العزيز إن هذا التقييم الذي قمت به في مجال ممارسة العمل الديمقراطي في بلادنا ، وأرجو أن يكون قد تَضَمًنَ الإجابة الشافية على كل تلك الإشكالات التي يطرحها المواطن في سعيه لاختيار المرشح الأمثل ، وأن يكشف للمواطن الكريم كل العيوب المتعلقة بالانتخابات ليتفاداها في الاستحقاقات القادمة ، وأتمني أن يكون هذا التقييم قد شَكًلَ مستندا لكل مواطن حائر خاب أمله في ممارسة حقه في التصويت ، وأرشده إلى ما هو أفضل من الامتناع عن التصويت، ووضع له ميزانا يقيس به كل المرشحين لمعرفة أيهم أكثر قابلية لأن يكون ممثلا حقيقيا للشعب ، يحمل هم المواطن ويسعي إلي إنصافه ، وفي ما يلي سنقدم لكم أهم الملاحظات التي نعتبرها حائلا دون استفادة المواطن الكريم من حقه في التصويت لاختيار المرشح الأمثل ، وذلك تحت عنوان : "المعين في اختيار المرشح الأمين " :

أـ من جهة المرشح

إن معوقات اختيار المرشح الأفضل منها ما يتعلق بالمرشح نفسه أو الجهة المسؤولة عن ترشيحه وسنجمل أهمها في ما يلي:

1ـ بعد تتبع شبه دقيق لحال المرشحين للمناصب الانتخابية ـ في أغلب مناطق البلد ـ من حيث الأبعاد :  الاجتماعية، والمالية ،والأخلاقية ، والعمل السياسي الميداني السابق ،  توصلت إلى أن المرشح عندما يكون من أسرة ذات مكانة تقليدية : سلطة زمنية أو دينية فإنه سيكون غير مهتم في الغالب بالمواطنين بنسبة 90% أي أنه سيكون نائبا أو عمدة لنفسه ولمن يعول من أهله ، والدليل على ذلك هو تكرار هذه الظاهرة في أغلب مقاطعات البلد منذ سنة  1987حتي الآن ، وتفسير ذلك حسب مقتضيات الأحوال المختلفة : أن هؤلاء تربوا على يدي أسلافهم الذين يتمتعون بقيمة كبيرة داخل المجتمع من حيث هم أصحاب السلطة الدينية أو الزمنية وهم خيرة المجتمع الذين يشهد لهم الجميع بالفضل والتفوق ، وهم أهل لذلك فعلا ، بحسن فعالهم وجميل معاشرتهم للناس وبهمتهم العالية التي تتجاوز المصالح الشخصية  ، لذلك كانوا هم الأسياد وغيرهم من المجتمع لا يجد بأسا في التبعية لهم.

 

ورث الأبناء مجدا جميلا لكنهم في أغلب الأحيان ، وبدل أن يحافظوا على استمراريته ، تسابقوا إلى نهب الموروث كل يريد أن يكون أكثر استفادة منه ، ولم يعلم هؤلاء أن هذا الموروث ليس ثروة متجددة . بل إنه كالشجرة ذات الثمار الطيبة ، فإن تعهدها الخلف بالسقاية والرعاية ، أينعت وأثمرت وأعطت أكلها كما كان طيبا ، وإن لم يتعهدها بالرعاية ذبلت وفقدت خضرتها وجمالها وفقد الجميع ظلالها الوارفة وثمارها الطيبة، وهذا هو ما حصل في أغلب الأحيان حيث  يعتبر الخلف أنهم الأولى بالسيادة مهما كان أداؤهم ضعيفا ودون المستوى ، وأنه لا يمكن لغيرهم أن يسود في المحيط الذي يعيشون فيه إلا بمباركتهم له ، ولذلك فهم ليسوا بحاجة إلى القيام بعمل جيد يقربهم من الناس ، فيعمل الواحد منهم حسب هواه غير مهتم بتنمية مقاطعته ولا بحقوق القاطنين فيها ، إذ لا يخشي تقلب الناس وإدبارهم عنه، وإن خشي ذلك فإنهم لن يجدوا بدا من انتخاب أحد أقاربه ولا بأس بذلك عنده لأنه يصب في مصلحة الأسرة ، أما الآخرون فلا مكان لهم ولا دور، وكل الأمور تسير رغما عنهم .  ويصدق في هؤلاء قول عالم الاجتماع العربي المشهور "ابن خُلدون" في كتابه المقدمة حول تطور أحوال العمران البشري ومسيرته من النشأة إلى الخراب ومروره بأربعة أجيال هي : الباني ويليه المباشر ثم المقلد ثم الهادم وهو الذي يرى أن الناس تبع له وليس لهم عليه حق .

 

2ـ أصحاب الأموال:

إن المرشح الذي يملك المال ويستخدمه في السياسة ، لن تقل نسبة فشله في تسيير البلدية أو التمثيل في البرلمان عن 95% لأنه في حقيقة الأمر هو في أغلب الأحيان مجرد تاجر يريد الربح المعنوي : السيادة وفي الغالب يرافقها التغول أو المادي : زيادة المال، لكن من خلال ما تتيحه المناصب الانتخابية من فرص ومكتسبات ، فمثلا إن كان مرشحا لنيابيات فإنه في الغالب يهدف إلى الحصول على حصانة دبلوماسية تمكنه من حرية التنقل الآمن في كل بقاع العالم للاطلاع على البضائع وتوقيع الصفقات التجارية وتسويق بضاعته في الخارج ، وجلب ما أمكن من البضاعة دون رسوم جمركية ، فهو لذلك سيكون كريما مع المواطنين في الانتخابات وقُبيْلَها، لكنه سيكون كريما ـ أيضا ـ مع النظام الحاكم ومع رئيس البرلمان بإعفائهم من أي مداخلة تُحرجهم ، وتكشف حجم معانات السكان في مقاطعته ، وكأنه نائبا عن الدولة والنظام ، وليس نائبا عن الشعب وسكان المقاطعة الذين انتخبوه بحماس .

 

سيبقي الناخبون والفقراء منهم على وجه الخصوص بعد الانتخابات في جحورهم البائسة بدون أبسط وسائل العيش الكريم : يَئِنونَ تحت وطأة الجوع ،والعطش ، والظلام ،والحرمان من المشاريع المهمة لأن معاناتهم لم تجد من يوصلها إلى النظام الحاكم ، وحتي إن جادت بها الدولة دون طلب فإن ظاهرة الزبونية لدى مثل هؤلاء المنتخبين  ستقف حجر عثرة دون استفادة الفقراء منها . ستفتقر مشاكل المدينة كلها قلقوة الطرح المحرجة في قبة البرلمان ، لأن النائب المعني بالمقاطعة ذهب إلى الخارج لإنجاح تجارته وتنمية أمواله من خلال اكتشاف أسواق وبضائع جديدة ، فلهذا أنفقَ ماله في السياسة ، وليس مدينا لأي مواطن بأي خدمة ، فأصواتهم أشتراها بماله وإن ترشح مرة ثانية يُعيد الكرة ، وهو لذلك ليس بحاجة إلى عمل ما يقربه من المواطنين خصوصا المساكين منهم لأنهم في الأصل بحاجة إلى المال ويكفيهم القليل، وأصواتهم لذلك رهن إشارته أو توجيهه في أي وقت .

 

وإذا كان صاحب المال مرشحا للبلدية، فإنه كذلك ليس مدينا لأي مواطن بعمل أي خير تجاهه ـ حسب رأيه ـ لأنه قد اشترى أصوات الناس، ويلزم عليه استرداد تلك الأموال، بل وزيادتها، لأن ذلك هو الهدف أصلا، لذلك لن يقدم للبلدية أي خدمة، ولن يفيد ضعفاءها بأي شيء، إلا من كان له خادما مستميتا في خدمته وخدمة أجندته التجارية التي ينهب بها المال العام وكل ما يصل البلدية من معونات للضعفاء حيث يتم بيعه خلسة للتجار.

 

3ـ أصحاب الجاه والأحلاف السياسية الحديثة:

إن نسبة فشل أصحاب الجاه من الذين يتصدرون المشهد السياسي: مترشحين أو داعمين لمرشح تبلغ 85% ، لذلك فإن مرشح الأحلاف السياسية الكبيرة في أي مقاطعة لن يتوقع منه خير ولا إصلاح إلا بنسبة تقدر ب 15% غالبا ، لأن تحالفات قبلية كبيرة هي التي قذفت بالمرشح إلى منصب العمدة مثلا، ولن يجد هذا العمدة نفسه ملزما باحترام ولا بتقدير أي شخص (ناخب) بعد نجاحه لأنه ليس مَمْنُونا إلا لأصحاب الجاه الذين يقودون الحلف الذي رشحه ، أما عامة الناس فقد صوتوا له بالاستغلال السيئ جدا للعاطفة القبلية ، والشرائية ، وبإنفاق المال . فبتآمر قادة المجموعات القبلية ...ينجح المرشح للبلدية ، وليس عليه بناء على ذلك ـ حسب ما يرى في الغالب ـ أن يراعي إلا مصلحة من أوصلوه إلى المنصب ، أما عامة الناس وضعفاءهم بالأخص فليس لهم بعد نجاحه إلا الحسرة ، والألم ، وخيبة الأمل ، وكل ذلك لا يهم مرشحَ كبار المتآمرين على المواطن الضعيف (الحلف السياسي) الناشئ من القمة ( الوجهاء) ـ لأن هناك حلفا آخر قد ينشأ عن القاعدة وقادته تفرزها القاعدة حسب الحماس والإخلاص والخدمة الطيبة ـ وإذا ليس مرجوا من عمد هذه الأحلاف إصلاحا إلا بنسبة 15% لأنهم إن عادوا إلى الترشح مرة أخري فالحلف كفيل بإنجاحهم ، رغما عن المواطن الذي لا يريد أن يرى ذلك المرشح أحرى أن ينتخبه ، لذلك فهو ليس ملزما بتحسين صورته ولا تحسين أدائه للمواطنين بتقديم الخدمة الطيبة أو بنشر العدل في كل ما يتعلق به ، أو بالبحث لمعرفة أحوال الضعفاء ومساعدتهم ، والرقابة على كل ما يوزع عليهم ليصلهم بالعدل .

 

 كل ذلك لا يهمه لأنه مناقض لمصلحة من رشحوه. فمصلحة الوجهاء وكل المفسدين تكمن في تقليص أصوات الناخبين ، وبما أن التصويت حق لكل مواطن بالغ يملك بطاقة تعريف وطنية ، فإن تقليص الأصوات لن يتم إلا بسياسة تخييب الآمال المتكررة، مما ينجم عنه اختيار المواطن نفسُه عدم ممارسته لحق التصويت ، ولن يفعل المواطن ذلك ـ كما هو الأمر الآن ــ إلا بعد أن تتجذر في نفسه خيبة الأمل في كل مرشح وفي العملية الانتخابية عموما ، لذلك يجتهد المفسدون في تقديم أنفسهم ومرشحيهم ، على أنهم خير من يمشي على الأرض ، ليكون وقع تسيير مرشحهم الناجح للبلدية بالخصوص كصاعقة على رؤوس الناس الذين سمعوا تزكيته من المفسدين المتنفذين وسمعوا خطابه الإنساني المتميز ، لأن التناقض شديدٌ بين القول والعمل، وبتكرار مثل هذه الصاعقة تتجذر ـ كما أسلفت ـ خيبة الأمل لدي المواطنين في التصويت ، وينتشر العزوف عنه في صفوف الكثير من المواطنين ، وبذلك يكون المفسدون قد قلصوا من نسبة المشاركة ليضمنوا التنافس بينهم على البقية القليلة من الناخبين والتي يمكن السيطرة عليها بقليل من المال ، وبتدخل يسير بالجاه ، وبخدمة بسيطة للمتكلمين باسم هذه المجموعة القليلة أو تلك ، ويبقى أغلب سكان البلدية في سموم وحميم وظل من يحموم ، لا بارد ولا كريم .

 

4 ـ مرشحي الأحزاب القوية:

أن مرشحي الأحزاب القوية لا يُعطون اهتماما كبيرا للناخبين بعد نجاحهم ، ولا يَزيدُ احتمال خدمتهم للمقاطعة ولسكانها على نسبة 20% ، ذلك أنهم لا يحسبون للناخب أي فضل في نجاحهم ، فالفضل في نجاحهم يعود إلى جهود الحزب وكوادره وسياساته بغض النظر عن الكيفية التي جلب بها الحزب أصوات الناخبين ، لذلك فإن هذا المرشح إذا نجح سيكرس سياسة تخييب الآمال ، خصوصا أنه ليس مدينا للمواطنين بأي خدمة تخصه كشخص ، وبناء على ذلك فإنه سوف  يسعى إلي تقوية نفسه بكل ما لدى البلدية من مقدرات وما تحصلت عليه من فرص تنموية ومعونات سخية ، معتبرا أن فرصة الترشح ثانية قد لا تتكرر نظرا لسياسة التناوب على المناصب ، أما المواطن البسيط فإنه لن يكون في مخيلة العمدة منذ لحظة تنصيبه إلى لحظة نهاية مأموريته .

 

5 ـ الأحلاف التقليدية والعلاقات القديمة:

توجد في المجتمع تحالفات وعلاقات تقليدية قديمة ، ورثها الخلف عن السلف ، وبدون الخوض في الأسس التي قامت عليها تلك العلاقات ، فإنها توفر مصالح متبادلة بين الأطراف ، وهي في الواقع علاقات متجددة بالفعل ويجب أن تستمر في كل زمن بما يناسبه ،لذلك فالحاجة إلي مثل هذه العلاقات اليوم تعتبر أكثر إلحاحا من ذي قبل لذلك لا يجوز التفريط فيها، لكن ليس معني ذلك أنها تُستَغلٌ استغلالا سلبيا في العملية الديمقراطية،  فقد تُؤثر أحيانا هذه العلاقات وبشكل سلبي على العملية الانتخابية ، حينما يٌرشح أحد أطراف العلاقة القديمة هذه أحد أبنائه لمنصب العمدة  ـ مثلا ـ فسواء عُلِمَ بالتجربة أنه شخص غير مناسب لقيادة البلدية ، فإن طرف العلاقة الآخر يَلتزم بالتصويت له انسجاما مع روح ومقتضيات تلك العلاقة التقليدية ، والأصوب حقيقة هو أن يعتذرَ هذا الطرف عن دعم ذلك الشخص ، لأنه غير مناسب ، وأن يَتَفهم طرف المرشح ذلك الاعتذار وتظل العلاقة قائمة دون أن تتضرر ، و دون أن يتضرر عامة الناس من تولية شخص غير مناسب.

 

فمِثْلُ المجتمع مثلُ رُكابِ السفينة إن أراد أحدٌ خَرقها يجب أن يمنعه الآخرون، فإذا أراد الرٌبانُ ـ مثلا ـ خرقها لأنه يملك سترة للسباحة وسينجو بنفسه مَنَعه الآخرون، وإن وزع على مقربين منه سترات للسباحة وأراد خرق السفينة، يجب أن يمنعه من ذلك المقربون أنفسهم، لأن في بقية القوم أهل ، وأقارب ، وأصحاب ، وأحباب ، وجيرة ، وهناك قبل كل ذلك حق المؤمن على أخيه المؤمن ، كل ذلك يجعلهم يمنعونه من الإقدام على خرقها حتى دون علْمِ البقية . فإذا كان المرشح مثلا معروفا بضعف الأداء أو بالفساد ونهب أموال البلدية، وعدم الاهتمام بضعاف الناس ....، فعلى أصحاب العلاقات القديمة مع أهله وذويه أن لا يُجاروه ولا يدعموه ولا يساندوه ، حتى لا يقترفو آثاما كثيرة لن تمحوها تلك العلاقات القديمة ، وحتى لا يشوهوا الديمقراطية ويفقدوها مصداقيتها وقيمتها الانتخابية كأحسن نموذج للحكم وتسيير الشأن العام.

ملاحظة: قد تشترك في المرشح أكثر هذه الأوصاف، فتكون الكارثة أكبر

ب ـ من جهة (الناخب)

إن معوقات اختيار المرشح الأفضل يتعلق بعضها بالناخب نفسه، وسنوجز أهمها في ما يلى:

 

1ـ عدم فهم اللعبة السياسية:

من الملاحظ أن سياسة تخييب الآمال التي ينتهجها المفسدون لتقليل نسبة المصوتين في الدائرة الانتخابية حتى تكون ألياتهم لكسب المعركة غير مكلفة جدا ، لم يفهمها المواطن جيدا ولذلك نراه غالبا يساعد في تكريسها بعدم تصويته ، والأحسن من ذلك هو أن يدلي كل مواطن بصوته في الانتخابات ، حتى ولو كان بالحياد ، فالحياد هنا يعتبر أحسن خيار إذا لم يكن بين المرشحين من يمكن أن يكون بديلا عن المفسدين ، ذلك أنه إذا جاءت نسبة الحياد أكبر من نسبة الفائز في الانتخابات يطرح ذلك إشكالية قانونية تحتاج إلى الحل ، بالإضافة إلى إنه يعتبر رفضا واضحا للمرشح الناجح ويتعين النظر في ذلك التعبير واعتباره .

 

2 ـ ضعف الإرادة

يستخدم المفسدون في العادة وبمبالغة شديدة آليات : المال ،والجاه ،والتخويف والترغيب ،والعاطفة القبلية ،والشرائحية للفت الانتباه إليهم خصوصا عندما يكون من ضمن المرشحين من يصلح لأن يكون منافسا حقيقيا ،لأنه لا يتبني سياسة الفساد ولا يسعى إلي تخييب الآمال ، حيث يثيرون له القبلية والشرائحية ، ويدفعون المال بسخاء ، ويقدمون الوعود المغرية ، لتأخذ كل قبيلة وكل شريحة من الأصوات المفترضة نصيبا ، ولا يبقي معه إلا القليل ، فيتم وأْدُ فرصة التغيير في مهدها ، لأن إرادة المواطنين (الناخبين) ضعيفة .وعلي العكس من ذلك  عندما تكون إرادة المواطن الكريم قوية ، فإنه سيختار بكل ثقة وأمان موقفه من المرشحين دون تأثيرات أليات :المال ،ولا الجاه ،ولا الخوف والطمع ،ولا العاطفة القبلية ،ولا الشرائحية ، ولن يدعم المرشحين الموصوفين سابقا لأن الأيام والتجارب بينت عدم مصداقيتهم، وإذا كان هناك من يصلح لتسيير البلدية غيرهم انتخبوه حتى ولو كان فقيرا وغير معروف لدى الجميع ،ولن تثنيهم عن انتخابه سياسة التفرقة القبلية والإثنية ، وإذا لم يكن هناك بديل فالحياد هو خير بديل ، فقد افْتَضَحَ المرشح الناجح إذا كانت نسبة الحياد أكبر من النسبة التي نجح بها . أما العزوف عن التصويت والخلود إلى الراحة في ذلك اليوم يعتبر إسهاما كبيرا في تكريس سياسة المفسدين وتركا لمصالح الضعفاء والمواطنين جميعا تعبث بها أيادي هؤلاء المفسدين دون أبسط مواجهة ولا استنكار.

 

3 ـ فكرة الانحياز للمرشح القوي وترك المرشح المسكين الضعيف

بعض المواطنين يتأثرون أكثر من اللازم بمظاهر القوة التي يتمتع بها المفسدون ، ويختار بعضهم أن يكون إلى جانب ذلك المرشح القوي رغم قناعتهم بأنه فاسد مفسد ، ولن يخدم المواطن العادي ولن يهتم به ، فالمواطن في هذه الحالة لديه إحساس فاسد بنشوة نَصْرٍ مَوْهُوم ، وما هو حقيقة إلا خسارة مدوية له ولضعفاء بلدته ، هذا الإحساس يمنعه أحيانا من التصويت لصالح مرشح قادر على التغيير إن هو نال ثقة المواطن الكريم ، لأن المرشح البديل لن يكون حتما ملفتا لانتباه الكثيرين ، لأنه فقير لا مال له ، وليس من أسرة معروفة ذات سيادة ، وليس هو ذاك الذي يقع عليه اختيار وجهاء الحلف الكبير ، ولن يكون أبدا مرشحا للحزب القوي ، لذلك فهو غير معروف لدى الجميع ، فيظن بعض المواطنين كٌلٌ على حدة أن صوته لن ينفع هذا المرشح المسكين ، ولذلك لا يصوتون له رغم قناعتهم بأنه قد يكون أفضل من المرشحين الآخرين ، وينسى المواطن الكريم أن صوتا واحدا في الانتخابات لا يقدر بثمن ، وأنه إذا صوت لهذا المسكين وفعلها كل مواطن خاب أمله في العملية الانتخابية وأصبح يرجح عدم التصويت  لفاز هذا المرشح المسكين ولكان ذلك خيرا له وللبلدية عموما ، ذلك أنه سيظل يدين لكل مواطن بفضل توصيله إلى منصب العمدة الذي  يعلم في قرارة نفسه أنه لم يصل إليه بقبيلته ولا بشريحته ولا بماله ، ولا بجاهه ، ولا بجاه أسرته ، بل بفضل الله سبحانه تعالى وبحث المواطنين الأحرار عن من يصلح لتسيير أمورهم ، حينها لن يتوانى في خدمة هذا الناخب الكريم ولن يدًخر أي جهد لتأكيد مصداقيته لدي المواطنين عموما ، لأن ذلك في أقل الأحوال هو خير ضامن لنجاح مسيرته السياسية في قابل الأيام .

 

4 ـ عدم تقدير وفهم حقيقة المرشح المسكين وقوته النفسية وإرادته النظيفة

لا يفهم الكثير من الناس مدى قوة وصلابة ذلك المرشح الفقير البسيط ، ولذلك لا يهتمون به كثيرا ولا يعطونه أي قيمة، فلا يدعمونه رغم خيبة أملهم في المرشحين الآخرين ، ولو أن المواطن الكريم عَلِمَ أن ترشح هذا المسكين بين الأثرياء وأصحاب الجاه والسيادة يحتاج في حد ذاته إلى جرأة كبيرة وثقة بالنفس ليواجه الصدمات النفسية التي سيتعرض لها جراء سخرية بعض الناس منه ومن حملته المتواضعة وحاله البسيط ، لفهموا جيدا مدى قوته وقدرته على إحداث التغيير المنشود وبكل بساطة ـ إن أتيحت له فرصة لذلك ـ ولفهموا أن ذلك هو ما دفعه إلي الترشح . إن هدفا أسمى يناجيه به الضمير، وهو مستعد لأن يتحمل في سبيله كل أذية، فحبذا لو علم المواطنون بأن ما دفعه إلى تحمل تأثيرات تلك النظرة الدونية التي سينظر بها، إنما هو إحساسه بضرورة التغيير الجاد والسريع وخدمة المواطن طالما أنه يحس بأن لديه المقدرة على القيام بذلك.

 

إن أصحاب سياسة تخييب الآمال الذين أشرت إليهم سابقا هم الذين يُريدون ، أن تكون فئة قليلة من المجتمع أغنياء والغالبية العظمي فقيرة ، ولا يريدون أن تتحقق مصالحهم وتتحقق معها مصالح عامة الناس ، لأن ذلك يفقدهم نشوة التميز بمظاهر الغني والترائي بها أمام التعساء ، وعندما لا يكون بين الفقراء تعساء بسبب تحقق المصالح العامة ،فإن ذلك يفقدهم نشوة التميز عنهم فمثلا : لا يريد صاحب هذه السياسة أن يكون أمام منزله نَظيفٌ ، ويكون الشارع أمام منزل الفقير نظيفا ،بل لابد أن تكون الشوارع المحيطة بمنزل الفقير وسخة جدا حتى يجد الأول متعة التميز بنظافة شوارع منزله وبسعة التفاوت بينه وبين الفقير ، وقس على هذا المثال كل جوانب الحياة الأخرى !!!!. إن السياسيين الحاليين في كل مناطق البلاد ـ كما تعلمون ـ يستطيعون إنجاز الإصلاحات المرجوة وأكثر، لكن أغلبهم لا يريد ذلك.

إخوتي الكرام إن التغيير الذي يعتبره البعض بعيد المنال...، لا يحتاج  في ظل هذه النسبية إلا إلى قفزة واحدة خارجة عن السياقات المألوفة ، أو هبة كريمة لا تقيدها القبلية ولا الشرائحية لا إحراج فيها ولا لوم ، لا حسرة فيها ولا ندامة يكون بعدها : شاء من شاء ، وكره من كره أمام مرحلة إصلاحٍ تقطع دابر المفسدين ويتحين أهل المدينة ظلالها الوارفة ويستمتع المصلحون بعدها بسهولة تبادل الأدوار ، فينتشر العدل ويشيع الانصاف ويستبشر الضعيف ويرتاح الغني .

 

صوتك أيها المواطن الكريم أمانة في عنقك ، سيصلك من تسيير صاحبه الذي اخترت نصيبك من الأجر أو الإثم ، فاجتهد وابحث بكل جدية عن الاختيار الذي ينجيك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .واحذر ان تغتر بالرٌتيِنْ ، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.

أقول لمن يعرفون أنفسهم جيدا : حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم