على مدار الساعة

قضية التعريب تشغل كل الساحات

15 أبريل, 2010 - 09:57

الأخبار (نواكشوط) - "نحن مستعمرة فرنسية سابقة... هذا واقع أحببنا أم كرهنا... وقد ارتبطنا ثقافيا بفرنسا.. ولا يمكن أن ننفصل عنها هكذا... وخصوصا أن الموضوع يحمل في طياته الكثير من الإقصاء لمن تكونوا بهذه اللغة... ثم إن اللغة الفرنسية وسيلة انفتاح على العالم... ولا يمكن للغة العربية أن تقوم بنفس الدور..."

هي مشاركة منفعلة جاءت في حلقة نقاشية قرب سوق العاصمة نواكشوط، وفي تجمع بأحد أكشاك بيع الصحف، وواصل قائلها –السترة ولد محمدو- حديثه "أنا لست ضد العربية... ونحن دولة عربية... لكن الواقع يقول إن الفرنسية أحسن لنا، وأفضل في تعاملاتنا الإدارية والواقعية مع العالم من حولنا".

وتأتي الردود على حديث السترة من أكثر من جانب "نحن لسنا ضد أي لغة لكن الفرنسية يدافع عنها أهلها ونحن لسنا أهلها... أرح نفسك فالمهة سيقوم بها ساركازوي"، هكذا بدأ المصطفى ولد عبد العزيز حديثه في الحلقة النقاشية العفوية، وأضاف: "أطالب بتعريب الإدارة الموريتانية بشكل كامل.. فنحن دولة عربية.. وإسلامية.. والعربية لغة الإسلام ولغة القرآن...".

وعزز قوله زميل له قائلا: "هذه الجمهورية الإسلامية الموريتانية تتكون ساكنتها من صنهاجة وحسان والسود، وكل هذه المكونات عربية، أنا أتساءل لماذا يحب الزنوج اللغة الفرنسية؟؟" ويعلق عليه مشارك من جانب الحلقة "ليس الزنوج هم وحدهم من يحب الفرنسية بل من العرب من هو أكثر دفاعا عنها، كما أن من بين الزنوج من يدافع عن اللغة العربية".

ويفرض محمد ولد محمدو على الجميع الإنصات إليه قائلا: "نحن مع تعريب الإدارة... فاللغة العربية هي لغة أجدادنا وآبائنا... هي لغة تقليدية يحتم الوفاء علينا الإبقاء عليها وإحياءها... ثم هي فوق ذلك لغة ديننا... لكننا –يقول ولد محمدو- لا نكره أي لغة أخرى فهي لغات انفتاح وتقتضي المصلحة معرفتها... "، ويقاطعه عبيد قائلا: لماذا تقول إن العربية لغة الدين الإسلامي... هل ستخرج الأتراك والهنود من الإسلام لأنهم لا يتحدثون اللغة العربية... ثم إن من بين العرب من ليس مسلما... وتشيع فيهم المسيحية واللادينية في عدد من مناطقهم...

ومع عدم جدوى الحجج في إقناع أي طرف، تكون النتيجة المنطقية الاتهامات وارتفاع الصوت وتتوتر الأوضاع... يصيح أحد أطراف الحلقة أنت مأجور من القذافي للمطالبة بالتعريب ولذا لن أسميك إلا القذافي... ويرد الآخر وأنت مأجور من فرنسا للدفاع عن لغتها ضد مصالح بلادك... فأنت تشبه آمادو توماني توري ولذا سأسميك "توري"... ومع التوتر يقل الإقبال على حلقتهم وتنفض لتبدأ نقاشات أكثر هدوء وحول نفس الموضوع في جانب آخر... لا تلبث أن يرتفع صوت أصحابها لتنفض... وتبدأ أخرى... في دورة تبدأ مع أولى ساعات الصباح... ضيوف حلقاتها صغار الباعة... ومشاهدوها المارة والبطالون... ومسرحها أكشاك الصحف قرب سوق العاصمة...

 

الجامعة: منطلق الشرارة...

 

جامعة نواكشوط كانت منطلق الشرارة، حيث عرفت المظاهرات والاحتجاجات منذ بداية مارس الماضي، في احتجاجات نظمها الطلبة الزنوج ضد تصريحات الوزير الأول حول ترسيم اللغة العربية... جوبهت بتدخل ترك مصابين ومعتقلين تم الإفراج عنهم لاحقا... استمرت الاحتجاجات أكثر من شهر قبل أن تنتهي باعتذار من وزير التعليم والثانوي.. أشعل فتيلا آخر من الاحتجاجات... وفي نفس الموقع "جامعة نواكشوط"، حيث نظم قوميون عرب مظاهرات منددة بتصريحات وزير التعليم العالي ومطالبة بتعريب الإدارة الموريتانية، وقد جوبهت بتدخل قوي من الشرطة الموريتانية، أتى بنفس النتيجة جرحى ومعتقلين يتم الإفراج عنهم لاحقا... وما زالت الاحتجاجات متواصلة لحد اليوم في ساحات جامعة نواكشوط.. مؤيدة للتعريب أو مطالبة بالاعتذار عن العزم عليه... هي ساحة انشغلت واشتعلت أولا... ومنها انطلقت "النار" في بقية السوح...

 

الإعلام... والسياسة...

 

وسائل الإعلام غصت بمقالات تنصر هذا الموقف أو ذاك تطالب بالاعتذار... أوتطالب باعتذار عن الاعتذار... وتبادل للاتهامات بالعمالة للأجنبي... أو بالسعي إلى الإقصاء من المسؤوليات العامة... ونظمت برامج وندوات ومؤتمرات صحفية حيث الموضوع... ما شغل الساحة... وجعل همها يتركز حول الموقف من اللغة العربية... هجوم على الوزير الأول ووزيرة ثقافته... وهجوم آخر على وزير التعليم العالي ومطالبات بإقالته واتهامه بخرق الدستور من خلال تصريحه في الجامعة، وتأكيده "أن موريتانيا اليوم هي موريتانيا قبل الأول مارس تاريخ تصريح الوزير الأول الموريتاني في اليوم الوطني للغة العربية، وأن وزير الثقافة كانت تقصد باللهجات تلك الوافدة من بلدان خارج موريتانيا".

بيانات منددة وأخرى مرحبة.. بيانات مطالبة بإقالة هذا الوزير واعتذاره... وأخرى مطالبة بتحقيق ما صرح به وجعله واقعا ملموسا...