على مدار الساعة

الطينطان: كارثة عايشت ثلاثة رؤساء موريتانيين دون حل

10 يونيو, 2010 - 09:57

الأخبار (الطينطان) - الثامن أغسطس 2007 يوم حفر في ذاكرة أهل الطينطان، ففيه استيقظ ساكنتها على ضيف مختلف، فاجأهم بدخول المنازل دون استئذان، وأخذ البضائع دون عوض، وقد أخذ السوق كله، واستحوذ على القطع الأرضية الأفضل وسط المدينة.

استغاث السكان بالسلطات وتدخلت السلطات الموريتانية بالفعل، كما حصلت المدينة على معونات متعددة من دول أجنبية عربية وغربية، وعلى مساعدات وتدخلات من منظمات خيرية، قررت الحكومة ترحيل المدينة إلى مكان آخر أكثر أمنا، معتبرة أن المكان القديم غير مناسب للسكن نظرا للتهديد المتكرر له مع تجدد موسم الأمطار كل عام.

ظن أهل الطينطان –كما قال غير واحد منهم للأخبار- أن الأمر لن يتطلب سوى أشهر وتكون المدينة –الفاضلة – الجديدة قد أخذت موقعها ضمن المدن الأكثر جمالا في موريتانيا، فالتمويلات تضمن ذلك.

لكن ما لم يتصوره ساكنة الطينطان أن الذكرى الثالثة لحلول الضيف "الثقيل" بهم ستحل دون جديد يذكر، ستحل والحديث عن الموضوع ما زال على كل لسان، لكن واقع ساكنة المدينة لا يبشر بأن القضية تشهد تقدما.

ذهب نظام سيد محمد ولد الشيخ عبد الله يومين قبل الذكرى الأولى للكارثة، وجاء نظام الجنرال محمد ولد عبد العزيز، الذي زار المدينة ووعد ساكنتها بتغيير أوضاعهم وحل مشاكلهم، ثم ذهب نظامه –الأول- باستقالته من الرئاسة وإسنادها إلى رئيس مجلس الشيوخ با امبارى، لكن يبدو أن الرئيس بالإنابة لم يكن من أولوياته "إغاثة ساكنة المدينة ربما لأن أمورا أخرى كانت تشغله" كما علق أحدهم وسط مدينة الطينطان.

 

وعود كثيرة.. وشكاوى أكثر

 

عشرات الوعود تلقاها سكان الطينطان ومن جميع مستويات المسؤولية في الدولة الموريتانية، وعود رئاسية وأخرى وزارية، وثالثة إدراية... لكن كل تلك الوعود ظلت كما هي ولم تنفذ على أرض الواقع –كما يقول العشرات من سكان الطينطان، والذين التقتهم بعثة الأخبار أثناء تجمهرهم أمام مبنى مؤسسة إعمار مدينة الطينطان وسط المدينة.

المسن لمرابط ولد جدو يشتكي نقص المساحة الممنوحة له عن المساحة التي خسرها بسبب الكارثة قبل ثلاث سنوات، فقد خسر حوانيت كانت مساحتها 5-6 أمتار، أما الحوانيت الممنوحة له فلا تتجاوز 4 أمتار، كما استعرض ولد جدو مخططا منح له من اللجنة المشرفة على التقسيم للتدليل على ما قال، مطالبا بالعدالة وإحقاق الحق.

المسنة مريم بنت بلال اتهمت المشرفين على العملية بالفساد، قائلة إنهم ملؤوا للبعض محفظاته بأوراق القطع الأرضية، وضنوا على الفقراء المستحقين بما يملكون، وشددت بنت بلال على أن الأوضاع لم تكن أحسن في زمن الرئيس الموريتاني الحالي، قائلة "عانينا من الظلم في زمن ولد الشيخ عبد الله، واستمر ذلك وزاد في زمن ولد عبد العزيز".

ووصفت مريم بنت بلال عملية التقسيم التي قامت بها اللجنة المشرفة على العملية "بالكارثة الثانية، حيث حملت معها من الظلم للضعفاء وأهل الحق ما لا يتصور".

محمد الأمين ولد عاشور اتهم مؤسسة الإعمار بمصادرة قطعة أرضية كان يمكلها دون وجه حق، مؤكدا أن العملية تمت بشكل كامل، حتى دون إشعاره بالموضوع، مطالبا "بالإنصاف والعدل، وإعادة الحق، واستعادة قطعته أو تعويضه عنها".

ولديدي ولد اعلي تمهة أخرى في حق السلطات، فهو يتهمها بالامتناع عن إحصائه مع أنه متضرر في الكارثة وخسر قطعا أرضية غمرتها المياه بما فيها"، فهم يماطلونه ويطلبون منه "العودة إليهم المرة بعد المرة لكن دون جدوى".

سيدي ولد الشيخ ولد عبد الجليل اتهم السلطات بمصادرة أرضه وأرض والده، وإفساد مشروعهم الزراعي الذي كلفهم الكثير من الأموال وصلت إلى أكثر من ثمانية ملايين، مشيرا إلى أن ترخيص المشروع الزراعي موقع منذ فترة، حيث وقعه الوزير كوريرا إسحاق وزير التنمية الريفية في حكومة ولد الشيخ عبد الله، مؤكدا أنه "لا يمنع غيره من الاستفادة، لكنه لا يريد أن تكون استفادة الآخرين على حساب أصحاب الحق الحقيقي".

الصوت النشاز داخل المتجمهرين أمام مؤسسة إعمار الطينطان كان للخليل ولد الزبير، الذي تخاصم مع كل من أبدى سخطا من تصرف إدارة المؤسسة، وقال "إدارة مؤسسة إعمار مدينة الطينطان قامت بواجبها، وأدت حقوق أهل الطينطان بنسبة 85% وعلى العموم فعملهم عمل بشري لا بد فيه من أخطاء ونواقص، لا شك أن بعض السكان ظلم وبعضهم أخطأت الإدارة في حقه، لكنها في النهاية أخطاء بشرية وقد فتح الباب لتصحيحها من خلال استقبال التظلمات".

واتهم ولد الزبير المحتجين بأنهم "استخدموا أسلوبا تعودوا عليه من فترة الأنظمة الفاسدة التي كانت تحكم البلاد، لكن ذلك الأسلوب لم يعد مجديا في عصر رئيس الفقراء".

 

وللرسميين حججهم...

 

محمد المختار ولد الحسن مستشار وزير الإسكان، "مكلف بالإشراف ومواكبة ملف إعمار الطينطان" قال للأخبار إن السلطات الموريتانية، ومع بداية العهد الجديد، وبعيد زيارة الرئيس للطينكان أصدر أوامره بشطف المياه الموجودة في المدينة، وهو ما تم في وقت وجيز.

وقال ولد الحسن إن السلطات تعاملت مع الموضوع بجدية، وعملت على "إقامة مدينة جديدة عصرية، تستجيب للمواصفات المطلوبة في المدن العصرية، وتحتوي متطلباتها".

وأشار المستشار إلى أنه كانت توجد تمويلات خارجية للمشروع، لكن السلطات العليا قررت البدء في موضوع إعمار الطينطان اعتمادا على إمكانياتها الخاصة، وفي زيارة وزير الإسكان إلى المدينة قال أمام السكان في مهرجان شعبي إن الدولة ستقوم ببرنامج إعمار الطينطان، وعلى حساب الدولة.

وأكد المستشار في حديثه للأخبار أن الدولة عملت على مخطط يشمل سوقا عصرية، ومنازل ومخازن تجارية، مشيرا إلى أنه وزعت حتى الآن:
- 1585 حانوت مساحتها حوالي ثلاثين مترا.
- 348 قطعة أرضية كبيرة كمخازن تجارية تتراوح ما بين 30 و 600 متر.
- 312 قطعة أرضية لإقامة المنازل السكنية.
- 126 قطعة أرضية قرب المحطة الطرقية.

وقال محمد المختار إن عملية التوزيع كانت تتم عن طريق قرعة تشمل المسجلين، لكن ساكنة الطينطان طالبوا يوم 24 إبريل بأن تتم عملية التوزيع عبر آلية ألكترونية تضمن لهم بقاء الجوار الذي كان في المحلات المتضررة، بحيث يقوم الجهاز بالاختيار معتمدا على الترقيم الأصلي.

وقال المستشار إنه واكب الموضوع مواكبة شاملة من أجل الحفاظ على شفافيته، وقد قام بتشكيل لجنة محلية توقع كلها على ورقة امتلاك القطعة، وهي مشكلة من حاكم المقاطعة وعمدة المدينة، ومدير مؤسسة إعمار الطينطان، كما أن عملية القرعة أو السحب تتم بحضور الصحافة وهيئات المجتمع المدني.

وأكد المستشار أن الدولة عملت على إيصال الخدمات الأساسية إلى المناطق الجديدة التي سيقام فيها السوق، وتمنح للمتضررين من الكارثة، فقد بدأت شركة المياه في مد المنطقة بأنابيب، وقد وصل بعضها فعلا، كما أن شركة الكهرباء أحضرت معداتها، وهي في انتظار انتهاء شق الطرق، أما الطرق فقد تم التعاقد مع شركة ATTM لإقامة 13 كلم من الطرق المعبدة، و2 كلم بأرضية مدعمة.

وأضاف ولد الحسن أن المؤسسة "استجابة لاشتراط سكان الطينطان وجود سوق للحيوانات قرب سوق المدينة فقد قامت المؤسسة بعقد صفقة لإقامته قرب السوق، وعقد صفقة لحفر بئرين لشرب الماشية قربه، وقد تم كل ذلك عبر مناقصة، وأعلن فوز الفائز بها من طرف لجنة الصفقات، لكنه كان يشترط في المشارك فيها أن يكون من أهل الطينطان.

واعترف مستشار الوزير بوجود أخطاء، لكنه أكد أنهم فتحوا مكتبا خاصا للتظلمات لفترة طويلة، ولم يغلق إلا الخميس الماضي، وقد استقبل حوالي 300 تظلم، وقد سويت منها حتى الآن أكثر من 60%.

وقدر المستشار المبلغ المصروف على المشروع حتى الآن بما يزيد على مليار من الأوقية، مؤكدا أن كل المبلغ من خزينة الدولة الموريتانية"، قائلا "وهذا ليس بالأمر السهل".

وشدد المستشار على رغبتهم في ضمان حقوق المواطنين قائلا إن اللجنة اتخذت توصية بأن أي مواطن وجد في قطعة أرضية يسكنها، فإنها ستعمل ما أمكن لإبقائه فيها، رغم أن المنطقة التي يرحل إلى المتضررون أعلنت كملكية ذات نفع عام".

وقال ولد الحسن إنه مع نهاية هذا الأسبوع سيتوقف توزيع القطع الأرضية، ويبدأ جزء آخر من العمل، "فعملنا – يضيف ولد الحسن- له شقان شق مكتبي وشق ميداني، فنحن نعمل في المكاتب ما بين 15-20 يوما، ثم نعود لنوزع ما عملنا عليه من القطع الأرضية".