الأخبار (نواكشوط) - "منذ سنوات لم نزرع سدنا، مع أنه يمكن أن يحقق لنا اكتفاء ذاتيا لفترة طويلة، لكن الحيوان لا يتركه لنا، ومن غير المعقول أن نستمر في الزراعة في هذه الظروف، لقد قدمنا عشرات الشكاوى للسلطات بكل أنواعها، كما قدمنها لملاك الحيوان، ورجونا منهم إمساكه عنا لكن كل ذلك كان دون جدوى، ولذلك قررنا التوقف دون أمل في حل قريب...".
إنه تلخيص موسى ولد مسعود لمشكل حيه "احسي لعبيد"، حرصا منه على صيانة جهودهم فنتيجتها –في حال زرعوا- ستذهب لصالح آخرين، يصر موسى في حديثه العام على أن "الحل سيأتي لا محالة فالوضع لا يمكن أن يستمر على ما هو عليه"، لكنه لا يتصور "هذا الحل" الذي يؤكد "قربه".
وبنفس النبرة الرافضة لممارسة الزراعة في ظل الأوضاع الحالية يتابع حديث سكان الحي المدقع فقرا، فالعيد ولد دلبح يرى أن "الزراعة في الظرف الحالي عبث وخدمة لآخرين لا يستفيد منها ساكنة الحي"، أما البكاي ولد محمد فيصف الوضع بـ"الحكم على ساكنة الحي دون حياة"، متسائلا –في مرارة- "لماذا لا يمنحونا سياجا، أو يقبلوا منا شكاية ضد ملاك الحيوانات، إنه وضع لا يتصور".
عطلة مفروضة
سكان الحي يصفون موقفهم من زراعة "اغليك لعبيد واكنيو" بالمفروضة، فلو هيئت ظروف حماية مزارعنا ومحاصلينا لما ترددنا لحظة، ولما كانت أوضاعنا كما ترى، بل إن زراعتنا لأراضينا ستغير أوضاع المنطقة ككل، وستغنيها عن الكثير من الحاجات التي تطالب بها دون أن تجدها".
المسنة "الويلة" (تصغير لالة) رأت في الأمر "سعيا لتهجيرهم من الموقع الذي سكنوه منذ فترة"، قائلة "لن نترك هذا المكان تحت أي ظرف ليضغطوا كما شاوؤا وليمنعوا ظروف الحياة، لكننا لن نغادر هذا المكان الذي ولدنا فيه".
وتضيف في حسرة "لقد عطلونا عن عمل أحببناه وعشنا عليه عقودا من الزمن، لقد كان "لغليك" يمنح خيراته دون كلل، وكنا نعطيه جهودنا دون ادخار، لكن تدخل أطراف في المنطقة أفسد هذه العلاقة الوطيدة".
ترفض "الولية" الحديث عن الرئيس الموريتاني قائلة "ما ذا سأقول له لقد انتظرنا كل هذه الفترة دون جدوى، لكم ذهبت بنا الأحلام بعيدا، لا أريد حديثا أنا أريد أفعالا".
موسى أو "أميست أهل أبات"، كما يلقب في الحي، رأى أن السلطات تتحمل كامل المسؤولية في ما وصل إليه وضعهم، فهي "لا تتعامل بجد مع شكاواهم المتعددة من الحيوانات، ولم تستجب لمطالبهم المشروعة في الحصول على سياج لحماية المزارع، ومع ذلك منعت عليهم قطع الأشجار التي كانت تشكل الحماية الوحيدة للمزارع...".
يصمت اميس هنيهة قبل أن يضيف "قبل سبع سنوات تمكنا من زراعة السد، لكم كان ذلك رائعا، لقد تحسنت أوضاعنا، لو وفرت لنا الظروف المناسبة للاستمرار في الزراعة، لكانت حاجة الناس إلينا أكثر من حاجتنا إليهم".
جولة في "اغليك لعبيد" مكان الزراعة السابق، مع رئيس الحي موسى ولد مسعود، والمسن لغظف ولد بلعيد، كانت كافية لإثارة شجون سنوات من الانقطاع عن الزراعة في عاطفة الشيخين، في كل ركن قصة، ولكل شجرة حكاية، ومع كل نظرة زفرة، كان موسى يكرر ما بدأ به حديثه، "أنا متيقن أن القضية ستجد حلا... ستجد حلا لا محالة... لا يمكن للوضع أن يستمر على ما هو عليه".
دولة في "مكتب تصويت"
الدولة بالنسبة لساكنة احسي لعبيد لا تعني أكثر من "مكتب تصويت"... يؤتي لأخذ أصواتهم "للرئيس أو حزبه"، نحن "لم نصوت للمعارضة في تاريخنا" –يقول موسى-، "كل أصواتنا تذهب في اتجاه واحد، كنا نصوت لولد الطائع، ثم ذهبت أصواتنا كلها لولد الشيخ عبد الله، وفي آخر انتخابات صوتنا للرئيس محمد ولد عبد العزيز، لكن كل ذلك لم ينفعنا، وبقيت أوضاعنا كما هي".
العيد ولد دلبح (الرجل الثاني في الحي) يرى أن "الدولة لا وجود لها في الحي"، متسائلا "أين هي؟ نحن لا يوجد عندنا مستشفى، ولا مدرسة رسمية، ولا حنفية ماء ولا حتى سياج لحماية الزراعة، أين هي الدولة، على العكس من ذلك تقف الدولة أحيانا ضد حصولنا على المساعدات من أطرف دولية".
يستعيد ولد دلبح ذكريات سحب مساعدة حصل عليها حي لعبيد من هيئة ألمانية، لكن الجهات الإدراية في الولاية اشترطت لتسلمها أن يلتزموا بدفع ثلث دخلهم للأحياء المجاورة لهم، "طبعا رفضنا، وكانت النتيجة"هي الأمر "بسحب المساعدات إلى تجمع آخر".
ولد دلبح وصف وضعهم "بالثانوي في البلدية، مع أننا أول من أنشأ تجمعا في هذه المنطقة، عندما يقع اجتماع لتحديد مرشحي البلدية يكون حظنا السلخ والطبخ والخدمة، وعندما نرغب في حضور الاجتماعات نطرد منها، وقد يحصل ذلك بأوامر رسمية، وبأيدي العسكر من حراس الإدارة أحيانا".
اتسيلم بنت العيد (40 سنة تقريبا) عندما سألناها ما ذا تعني لك الدولة، أجابت بسرعة كبيرة "مجموعة من البيظان، إنهم هم الدولة"، مضيفة "نحن لم نجد طعما لها لقد استغنى منها الآخرون، أما نحن فلم نستفد منها شيئا".
العشرات من سكان احسي لعبيد كانت رؤيتهم للدولة -كما قالوا- "أنها حملات سياسية، ووعود كاذبة، ومكتب تصويت".