على مدار الساعة

رحم الله صديق الصحفيين وعنوان صيحة المظلومين

7 أكتوبر, 2020 - 16:30
الهيبة الشيخ سيداتي

لا يمكن لمثلي أن يقدم شهادة في حق رمز قارع الظلم والطغيان والاستبداد قبل مولدي، وظل على ذلك حتى توفي رحمه الله لم يغير ولم يبدل..

 

كان العميد بدر من أول من تعرفت عليهم من السياسيين في مسيرتي الإعلامية قبل أزيد من 12 سنةً في بدايات عملي في هذه المهنة بالبلاد.

 

كان في كل محطات علاقتي به من أكثر السياسيين تفهما للعمل الإعلامي، فلن يتهمك بالتحامل إن انتقدته، ولن يغضب إن نشرت عنه ما لا يرضيه، بل سيتصل مصححا، ومصوبا بأريحية، وأخلاق عالمية، وبأدب جم، وأحيانا بتلطف.

 

كان بدر أنموذجًا عندنا معشر الإعلاميين لحسن التعاطي معنا ، فان اتصلت به تتلمس خيطا لخبر ما زال خفيا، فستعود من عنده راضيا، وسيكسبك بسهولة إلى جانبه.

 

أستعيد الآن بعض إجاباته الحصيفة:

- هذا ظاهر لي اعلن خالگ منو ش يغير ان ما ننفعك فيه مجحد اعليه.

- هذا سول عنه فلان فهو صاحب الصلاحية في التصريح به.

- هذا حگ، لكني أرجو منك تأخير نشره لحين نضجه، وأعدك بأن تحقق السبق الذي تريد

 

قد يكون بدر الدين السياسي الوحيد الذي أعطاني في حياته تفويضًا في التصريح باسمه (أدبا منه يقول إنه ثقة منه في نقل الأخبار لآرائه بالشكل الذي يريد)، قال لي مرة حين يتأكد لك فسادًا في صفقة ما، أو ظلما لمواطن، فيمكنك أن تنسب لي إدانة قوية له دون العودة لي، أو انتظار الاتصال بي.

 

وقد عاتبني مرات - ممازحا - رحمه الله تعالى على التقصير في العمل بهذا تفويض المفتوح.

 

بدر لم يمت في صمت بل شيبته صرخاته في وجه الظلمة والمفسدين، ومعايشته لأنات المستضعفين، ومنحه حياته لإحياء الآخرين..

 

فقد تحدث في كل الملفات، وانتقد كل الشبهات، ووقف مع كل المظلومين في جميع الظروف، وظل ممسكا بلوائه عاضا عليه بالنواجذ، حتى مات على ما عاش عليه ومن أجله.. لم يقبل لجذوة النضال أن تخبوا، ولا لـ"صيحة المظلوم" أن تبح، ولا للمظلومين أن يقفوا وحدهم دون ظهير، ولا للظالمين أن ينعموا بالسكينة مرفهين.

 

كان حياة بدر مدرسة في الصمود، وطول النفس، ووضوح المنهج، والصرامة والحساسية من الاستبداد، والظلم، والفساد، وهو أنموذج كانت الساحة السياسية والنضالية بشكل عام بحاجة ماسة إليه لإبقاء جانب مضيء من الصورة بعد أن غزتها العتمة من كل جانب، انخناسا لمناضلين، وانسحابا في آخر شوط، وبيعا بصفقة خاسرة، ويأسا قبل آخر محطة..

 

لقد فقدنا وفقدت البلاد بشكل عام نبراسا مضيئا، ومعلما بارزا على طريق استكمال استقلال البلاد، وبناء ديمقراطيتها، وصيانة حقوق شعبها، سيذكره الجميع، وستظل بصته عصية التي بصم بها المشهد العام في البلاد عصية على النسيان أو الطمس..

 

فلينم قرير العين

 

رحمه الله ورفع درجته في عليين.