على مدار الساعة

للإصلاح كلمة توضح للمسؤول المسلم كيف يعامل الإرهاب في الإسلام

5 يوليو, 2020 - 02:44
بقلم الأستاذ / محمد بن البار

كلمة الإصلاح قرأت هذه الأيام – بمناسبة المؤتمر المنعقد في نواكشوط لدول الساحل + الرئيس الفرنسي – كثيرا من الآراء تصب جميعها في التعاون على مكافحة الإرهاب كما يقولون.

 

ولا شك أن المعني بالإرهاب هو تلك الجماعات التي تدعي أنها تقوم في نظرها بتأدية واجب الجهاد في سبيل الله وتقول للمقتول منها أثناء المعركة "شهيد"، ومع أن شهيد المعركة في الإسلام لا يغسل ولا يصلي عليه فنرجو الله أن يهدي هؤلاء إلى تغسيل الميت منهم والصلاة عليه، فهو لتنفيذ إغراءات الشيطان بالجهاد من غير شروطه أولى من أن يكون شهيد معركة جهاد إسلامي.

 

وقبل إثارة الموضوع كتابة فإني أقول للمسؤولين الإسلاميين أن اجتماعهم مع غير المسلمين لمكافحة عصاة المسلمين يتصادم مع قول الله عز وجل مخاطبا من ماتوا متبعين لأهوائهم دون كتاب الله: {ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون هل ينظرون إلا تأويله} والتأويل هنا يوم تطبيق الوعيد على مستحقه، {يوم يأتي تأويله يقول الذي نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق} إلى آخر الآية.

 

فالمؤتمرون منهم من يرجو لقاء الله بعد موته ومنهم من لا يرجو لقاء الله بعد الموت، فإذا كان أي أحد لا يفصله عن لقاء الله إلا الموت، فالله يقول له: {من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم}، فهؤلاء قطعا لا يتحد هدفهم ولا نواياهم.

 

فلا الزمان ولا المكان ولا الوظيفة أيا كانت تغير شيئا من هذه المسطرة التي يجري بها الليل والنهار على ابن آدم – أياما معدودات يتساوى فيها الجميع - وبعد ذلك:

- {فأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين}

- {وأما الذين كفروا أفلم تكن ءاياتي تتلي عليكم فاستكبرتم} إلى آخر الآية.

 

والنتيجة من تذكير المسؤولين المسلمين هنا واضحة لمن يرجو مستقبل لقاء الله معه غير ناكس لرأسه قائلا: {ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا} ولا رجوع، وهو أن ينظر هؤلاء المسؤولين المسلمين هل الإسلام افترض أن يكون من أتباعه من يحارب الله ورسوله ويسعى في الأرض فسادا، وهل وضع لهؤلاء عقابا، ومن أمره أن ينفذ هذا العقاب على مستحقه، وهل وضع الإسلام علاجا لهؤلاء أوجب على المسؤول القيام به في شأنهم قبل عقابهم: كل ذلك مسطر ومفصل في هذا الكتاب المتلو الآن في كل مسجد من مساجد العاصمة ليسمع الجميع قوله تعالى: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون}، ومن الحق الذي ينطق به هذا الكتاب أنه يقول لأولئك العصاة القاتلين للمسلمين ولغير المسلمين في غير جهاد شرعي "ويقولون إنهم مصلحون" فالكتاب يقول لهم: {ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}.

 

فأكبر فساد نبه عليه الإسلام هو سفك الدماء في غير حق شرعي، وقد أوضح الإسلام ذلك الحق الشرعي وحدده تحديدا في القرآن والسنة حتى صار مما علم من الدين بالضرورة، وهو قطعا بعيد من اسم هذا الجهاد في المسلمين، فسفك الدماء هو أكبر جائزة يركز الشيطان على المسلم للوعد عليها بالجنة يوم القيامة ليقول له عندئذ: {ووعدتكم فأخلفتكم} إلى قوله تعالى: {فلا تلوموني ولوموا أنفسكم}.

 

فأي جهاد يقول برمي القنابل والمتفجرات في المساجد والأسواق وكل مكان يظن فيه أن القنبلة ستقتل كثيرا من الأبرياء، وفيهم من أمر النبي صلي الله عليه وسلم بعدم قتله ولو في الجهاد المستوفي الشروط بأمر القيادة العامة للمسلمين، والموضحة لها تلك الأوامر في الإسلام، وهو إيصال الدعوة للقاعدة الشعبية أو لرد الكفار عن فتنة المسلمين عن دينهم.

 

فأين الأجواء التي فرض فيها الجهاد آنذاك وأين القيادة الصالحة لذلك الآن، وما هي الأجواء التي نحن فيها الآن من يسر إيصال الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن (وهو وضع المقدمات الصحيحة واستخراج النتيجة المفهومة لكل عاقل).

 

فمن قرأ القرآن وما فيه من تحذير من سفك أي دم بريء ولا سيما إذا كان دم مسلم فأولى له أن يتمنى أن تتخطفه الطير في الدنيا أو تهوي به الريح في مكان سحيق قبل لقاء الله، فالنبي صلي الله عليه وسلم قال: "لا يزال المسلم بخير ما دام لم يسفك دما حراما فإذا سفك دما حراما دلح" (أي حبط عمله)، ولا شك أن الشيطان يحب إزالة كل الخير عن المسلم ويحبط عمله، فالله صرح في القرآن للنبي صلي الله عليه وسلم أنه – أي الله – هو الذي كف أيدي الكفار عن المؤمنين وكف أيدي المؤمنين عن الكفار لئلا تكون معركة داخل مكة وفيها مؤمنين غير معروفين سوف يقتلهم المسلمون لعدم معرفتهم فتصيبهم منهم معرة بذلك، فكم قدر المعرة التي تصيب الآن هؤلاء الذين أعطاهم الشيطان اسم الجهاد ليقتلوا به الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء إلى آخره.

 

هذه أفكار متقدمة كما أراني الله في تكييف إرهاب ما سماهم " بوش " الابن - أهلكه الله - وأشباهه من قادة المسلمين وغير المسلمين بـ"الإرهابيين" كما سموا هم أنفسهم بتزيين من الشيطان بـ"الجهاديين"، ومع ذلك فالناس تبعث على نياتها كما في الحديث، ولا علم لأي أحد بمصائر الناس غدا.

 

ومن هنا نصل إلي تكييف المعاملة مع هؤلاء:

أولا: ما قالته النصوص الإسلامية في شأنهم

ثانيا: ما يفعل المسؤولون عن الشعوب الإسلامية

فالنصوص الإسلامية المتعلقة بالفساد في الأرض فيها من الآيات المحكمات التي إذا رمي بها من يخاف الله إنسانا آخر أًصابت مقتل الشيطان من قلبه يقول تعالى: {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع} ويقول تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا}.

 

 أولا: إسماع هذا الوعظ وإتاحة فرصة التفكير، فكم من آية أرجعت الصحابة أنفسهم عن الأفكار الخاطئة فعمر بن الخطاب رضي الله عنه كاد أن يهلك كما قال عن نفسه بالاعتراض على النبي صلي الله عليه وسلم في صلح الحديبية طلبا لقتال الكفار والرسول صلي الله عليه وسلم يريد الصلح معهم، وتلاوة أبو بكر عند وفاة النبي صلي الله عليه وسلم لقوله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} إلى آخر الآية ردت كثيرا من الصحابة عن الأفكار الخاطئة، فإن يئس المسؤول عن إرجاع أهل الفساد يقول له تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض} إلى آخر الآية لكنه قال بعد ذلك: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم}، ولكن عقابهم لا يكون بالكفار ولا مع الكفار، بمعنى أنه في القرآن والحديث وموجود من العلماء من يحملون آيات الذكر الحكيم ما يحطم ألاعيب الشيطان الآتية للمسلم من جهة الإسلام، كما قال النبي صلي الله عليه وسلم للثلاثة الذين تقالوا طاعته لربه فأرادوا أن يعملوا أكثر منه، فـأوحي إليهم الشيطان بأن النبي صلي الله عليه وسلم سبب قلة عمله أنه غفر له من ذنبه ما تقدم وما تأخر فقال لهم النبي صلي الله عليه وسلم: (والله إني لأتقاكم لله) إلى آخر الحديث.

 

وملخص ذلك أن قتال هؤلاء من طرف المسلمين وغير المسلمين هو "الكي" الذي هو آخر الدواء ولا يكون بغير المسلمين، فعلى قادة المسلمين أن يستعملوا قبل هذا "الكي" دواء الآيات القرآنية بالذكر والموعظة الحسنة من العلماء، وما دام يقبل هذا الجانب من المباحثات فلا يجوز القتال، وإن أكبر جريمة يفعلها قادة المسلمين بأنفسهم هو قتال هؤلاء بالاشتراك مع من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، وهذا هو ما يتوجب علي القادة الإسلاميين الآن ملاحظته في حقهم، فإنه من المؤسف والمؤثر في قلب المسلم أن ينظر إلى قيادي مسلم يعلم أن الله قال: {يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام} ويسمع المولى عز وجل يقول: {يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا} ومع ذلك يبطش عن يمينه وعن شماله وهو يرى بعينه التاريخ، فالأولون قبله ذهبوا إلى ما عملوا وهم الآن رهائن عملهم، والقادة القادمون لا بد سيأتون بعده، ويلتحق هو بالأولين، فوصول القادة للسلطة بمجرد الفوز في الانتخابات لا يعني شيئا بعد الموت، وكذلك مراسيم التعيين، فرئيس الدنيا المنتخب سنواته معدودة، والملك في الدنيا عنده ولي عهده ينتظر موته لا محالة، فعلى القادة المسلمين أن يتعاملوا مع هؤلاء المسلمين أصحاب الأفكار الحائدة عن الطريق المستقيم بما أمرهم به الإسلام، وهو قبل كل شيء الموعظة الحسنة وقبل ذلك كله النداء في كل أنحاء المعمورة بهذا الدواء، فعلى كل دولة مسلمة أن تستدعي قادة هؤلاء فيها وتدعوا إليهم المرشدين ليقنعوهم بالآيات والذكر الحكيم عن قتل الأبرياء، وعلى قادة المسلمين أيضا أن يطلبوا من الدول غير المسلمة بأن يرفعوا أيديهم عن قتل المسلمين فوق أرض المسلمين مثل ما تفعل أمريكا وفرنسا وغيرهما، وتتركهم لدولهم تعاملهم معاملة الإسلام.

 

وقبل ذلك كله فعلينا نحن هنا في موريتانيا أن نبدأ هذا الصلح بما عندنا من السلفيين المعتقلين، فاعتقال هؤلاء بعد توبتهم ولا سيما من لم يرتكب منهم جريمة فإنه ظلم، فمن يتحمل مسؤوليته في الدنيا فسوف يندم عليها في الآخرة، فإطلاق سراح هؤلاء هو أكبر إعانة علي إرشاد أولئك الذين ما زال الشيطان يعدهم ويمنيهم، فمن قرأ قضية أصحاب الأخدود وبشاعة حرقهم للمؤمنين أحياء، وقد زكى الله عقيدة المقتولين بأنها مجرد الإخلاص لله، وقرأ أن توبتهم بعد ذلك مقبولة عند الله، فعليه أن يقبل توبة هؤلاء السلفيين، ويطلق سراحهم، فكانوا هم أولي بمناسبة عيد الفطر بإطلاق سراحهم من كل أولئك المجرمين، فاستثناؤهم أظن أنه لم يشاور فيه مع العلماء، إلا إذا كانوا علماء الفتوى بما يريده المسؤول، فالله قد أمر بالعفو وقبول التوبة عن من رمي المحصنات، وذلك يعد من الموبقات يقول تعالى: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا}، فوجود أولئك التائبين الآن في السجون بمجرد أفكار كانت في خلدهم ولم تصدر عنهم أي جريمة، وتابوا من تلك الأفكار، فإن التحكم بمجرد القدرة على ذلك والله قال حتى عن توبة الكفار: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم}.

 

إن أعظم مكافحة سلمية لأصحاب الأفكار هي إطلاق سراح كل من أعطاه الله الهداية ورد إلى قلبه خير الإسلام ورحمته بالجميع يقول تعالى: {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا}.