على مدار الساعة

للإصلاح كلمة تساهم في إنهاء التطرف الديني إذا عومل بنصوص الإسلام

6 يوليو, 2018 - 02:31
بقلم الأستاذ / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح كما هو بدهي لكل أحد ترى أن التطرف الديني كان من الواجب أن يطلق على كل انحراف عن العمل بالنصوص الدينية بمعنى الانحراف عن العمل بنصوص الكتاب والسنة فنصوص الكتاب والسنة هي الميزان بين الله وعباده سواء كانوا حاكمين أو محكومين يقول تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة} ويقول تعالى: {وإن كل لما جميع لدينا محضرون}، وكل المسلمين يعلمون أن الله تبارك وتعالى بعد خلقه لهذا الإنسان وتفصيله لمآله من السعادة والشقاوة أوضح أن هذا المآل سببه سلوك طريقين، فمآل السعادة سببه سلوك حفظ الله للإنسان الذي اختاره لذلك ووفقه للعمل بكتابه: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} ومن مظاهر الاصطفاء أن الله خاطب الشيطان قائلا له عن هذا الاصطفاء: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}، أما المآل الآخر "الشقاوة" فسببه إتباع خطوات الشيطان الذي ترك الله بينه وبين بعض من عباده قائلا له {اجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا}.

 

هذه المعادلة الموجودة في الكتاب والسنة بهذا الطرح لا يمكن تغييرها أو الحد منها، ومن المعلوم أن الإنسانية التي توجه إليها خطاب الإسلام في جميع أنحاء المعمورة تنقسم إلي بيئتين: بيئة لم يدخل فيها الإسلام إلا هجرة واعتنقته بسبب ذلك أقليه في تلك البيئة، وبيئة انتشر فيها الإسلام تمددا من بداية انطلاقه من مكة المكرمة أو أقول امتدادا من الجزيرة العربية وبما أن الإٍسلام هو آخر رسالة وهو للجميع إلا أن طلب النصوص الإسلامية إيصال هذا الإسلام إلى غير بيئته التي انطلق منها تختلف درجات هذا الطلب في نوعها لأن من مبادئ الإسلام أن لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فالبداية كان جهادا في بداية الدعوة ومحيطها لمعان خاصة معروفة لدى الجميع، وأخيرا بعد دخول الناس فيه أفواجا أصبحت بالحكمة والموعظة الحسنة، أما البيئة التي ابتدأ منها الإسلام وتمدد منها إلى القارات التي تجاورها فإن خطاب النصوص الإسلامية لأهلها هو دوام المحافظة على هذا الدين فوقها والاستمرار عليه كما أنزله الله أمرا ونهيا.

 

ويتضح من هذا التحليل أعلاه أن الشيطان الذي التزم لربه بعد تيقنه أن رفضه لأوامر الله وهو يخاطبه مباشرة: {يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين} فأجاب هذا اللعين مباشرة: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين}، وعندما أوضح الله له مصيره الأخروي وهو لعنته هو ومن تبعه إلي يوم الدين لم يأل جهدا في إضلال هذه الإنسانية الذي التزم أمام ربه بأنه سيضلها جميعا إلا القليل جدا منها الذي أدخله الله في حصنه من غوايته، وبسبب إظهار إرادة الله في هذا كله كما جاء في النصوص شبرا بشبر وباعا بباع فإن الشيطان ركز في تضليله على البيئة التي انطلق منها الإسلام ليضل أهلها بأي وسيلة، فالإضلال بوسيلة فعل ما حرم الله أو نهى عنه بسيط لأن زخرف الدنيا ومتاعها يساعد على ذلك ولكن بعض الإنسانية ولا سيما من تربي وهو يستمع إلى النصوص القرآنية المحكمة ويسمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصادرة من فمه وأثبت المحدثون صحتها بما يزيل الشك فيها تماما ولم يجعل الله في قلبه الميول إلى متاع الدنيا الحرام، فإن الشيطان علم من مخالطته لخلجات قلب الإنسان التي أذن الله له في أن يصل إلى مكان الوسوسة فيها، أن هذا الشخص لا يمكن إتيانه ولا تضليله من جهة فعل المحرمات الظاهرة فيتحول بوسوسته إلى النصوص الدينية القرآنية والسنية فيبدأ أولا بما دون المتشابه لينفخ في ألفاظه بتناول المعاني اللغوية التي تارة تكون محتملة التأويل على كل الاتجاهات، وهنا يطمس الشيطان على قلب هذا المسلم عن التفكير أن أي لغة ولا سيما اللغة العربية التي تشمل في معناها اللفظي أنواع الدلالات مع ظرفية الزمان والمكان والمقصد وتزيد هنا في ا لإسلام طبيعته المميزة التي أوضحتها نصوصه العامة: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} {فلعلك باخع نفس على آثارهم إن لم يومنوا بهذا الحديث أسفا}، فمن لم يربطها بالزمان والمكان والمقصد يذهب به ذلك إلى ما لا يحمد عقباه، ومن هنا يأخذ الشيطان بتلابيب هذا المسلم ويرميه في حظيرته لقصور فهم هذا المسلم للإسلام من نصوصه الظاهرة دون استعمال جميع دلالات اللفظ ليطبقها على المقاصد العامة للإسلام، وبعد ذلك يذهب الشيطان إلى المتشابه وهنا يصف القرآن نفسه زيغ هؤلاء: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} وهذه الفتنة المبتغاة من طرف الغلاة أو المتطرفين أو سمهم بما شئت يجد الشيطان كثيرا من المستجيبين لها تارة بسبب سلوك حكام المسلمين وتارة من عدم وجود أي توجيه من العلماء الخارج علمهم عن توجيه السلاطين إلى آخر ما نشاهد من الأسباب الشيطانية التي تصدر من السلطات الإسلامية فتتعاون في الدنيا مع العالم غير المسلم، أما في الآخرة يقال لكل: {إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين}.

 

هذا عن التطرف الذي تسميه الدول الآن جميعا بالإرهاب، أما تطرف السلطات الحاكمة في الدول الإسلامية وهو أكبر وأعظم سبب في التطرف الإرهابي فإن هذه السطور الآتية تبين خطورته علي الإسلام وإظهار خروج الإرهاب من رحم تطرف السلطات في الدول الإسلامية، فمن المعلوم أن الإسلام جاء ليبقى إلى آخر هذه الدنيا وهذا البقاء لم يجعله الإسلام فوضويا بمعني أنه فصل ماذا يكون عليه الحاكم وماذا تكون عليه الرعية إذا قام الحاكم بما أمر به في قيادة المسلمين الذين مكنه الله في السلطة عليهم، فالمعروف من أوامر نصوص الإسلام وسلوك الخلفاء والأمراء في القرون المزكاة أن السلطة في الإسلام تكليف لا تشريف كما عبر عن ذلك عمر بن الخطاب الذي يتلجلج قلبه في صدره خوفا من أن يعذبه الله على تعثر بغلة في اليمن لماذا لم يسو له الطريق، والإسلام لم يعط مال الدولة للحاكم ليتصرف فيه كيف شاء، {وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يات بما غل يوم القيامة} {يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين..} وروح القوامة هكذا مأمور به الرئيس والملك ومأمورين كذلك بإجبار كل من ولوه أمر المسلمين بالقيام به، ونظرا لأن هذا مقالا وليس كتابا فإني أقتصر هنا لنقول إن المتطرفين من سلطات الدولة هم أخطر وأعظم مسؤولية في تطرفهم في الآخرة من الإرهابيين فهؤلاء الآخرين إرهابيون في الدنيا وأما أكثر سلطات الدول الإسلامية فهم إرهابيون في الدنيا وإرهابيون في الآخرة بمعنى هم مفعول تخويف الله وإرهابه بالنصوص الإسلامية لأهل الآخرة وهم ما زالوا في الدنيا يقول تعالى: {وتري المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد..} {هذا بلاغ للناس ولينذروا به} فالإسلام يبين لقادة المسلمين الطرق التي يتعاملون بها مع المنحرفين سواء كان انحرافا تمرديا أو عقائديا أو عصيان جوارح حتى ولو كان عصيانا لم تكن الدولة طرفا فيه ولكن بين طوائف المسلمين: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا..} الخ الآية، ويقول تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهموأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم} الخ الآية، وأنواع الفساد هنا التي يحاربها الإسلام يعرفها العلماء لأن محاربة الله ورسوله الآن هي محاربة الدولة الإسلامية في جميع حياتها الإسلامية مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" فنصيحة الله ورسوله معروف أنها الإخلاص لكتاب الله وما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أمرت به، ولكن ما هي الصورة الكاشفة في نظر الإسلام والمسلمين والمعمول بها الآن؟ ألا وهي وضع حكام المسلمين أنفسهم وأرواح جيوشهم الإسلامية تحت تصرف أعداء الإسلام لقتل المتطرفين من المسلمين، فأي غلو أو تطرف في الإسلام فوق هذا؟ فالفرق بين هؤلاء الإرهابيين في الدنيا والإرهابيين في الآخرة أن إرهابيي الدنيا يسمون موتاهم شهداء نظرا لتفسيرهم الخاطئ للإسلام مع صحة وجود اعتقادهم في قلوبهم أن هذا في سبيل الله، وأما إرهابيو الآخرة فيسمون موتاهم مع أعداء الله جنبا إلى جنب في الطائرة أو الدبابة أو المشاة شهداء مع عدم أي مرجعية ترد ذلك الموت إلى موت الاستشهاد في سبيل الله بل لا يفكرون إلا في الحماسة والتجهيز للموت إلى جنب أعداء الله لقتل غلاة المسلمين فوق أرض الإسلام.

 

إذن ما هي وجهة النظر الصحيحة بإذن الله تعالي في المعاملة مع هؤلاء المتطرفين الذين يسعون في الأرض فسادا؟

 

أنا أظن أن هناك جوابا عاما وهو أن أي معاملة مع هؤلاء يجب أن تكون داخل الإسلام ليكون الجندي الميت من المسلمين حقا شهيدا فالله لم يأذن في قتال إلا وكان ميته شهيدا إذا التزمت الضوابط الإسلامية في ذلك وهي معروفة عند المسلمين.

 

أما الجواب الخاص فلا بد من إحضار العلماء العاملين وليسو علماء السلاطين الذين يفتون على رغباتهم وهم كثر أعوذ بالله وهؤلاء العلماء العاملين يحددون في أجوبتهم المراحل التي تتخذها الدولة الإسلامية في التدرج لإرجاع هؤلاء إلى التوبة من قبل أن تقدر الدولة على إخضاعهم بالقوة، وقبل ذلك كله يجب أن يعرف ما سبب هذا التمرد فإن كان على باطل الدولة وكان توجيه الحكام بالنصح والموعظة الحسنة متاحا لكل أحد فهذا التمرد يعد عصيانا غير شرعي إلى آخر ما يفهم من ذلك، وإذا كان قادة الأمة الإسلامية مصرين على التعاون مع طغاة العالم ضد المسلمين فأظن أن للعلماء هنا جواب واضح للسلطات.

 

ونحن برجوعنا إلى ما يسمي الآن بالإرهاب فنعيد سببه إلى هذه الأنواع:

1 – نوع بدأت به القاعدة ويتزعمه بن لادن وكان موجها لإسرائيل فقط وقتلها جهارا نهارا وظلما وعدوانا للفلسطينيين وكان من قدر الله أنهم ظنوا أن ضرب الاقتصاد الأمريكي يثني أمريكا عن معونتها لإسرائيل فكانت غزوة 11 سبتمبر كما سمتها القاعدة فعند ذاك انتفض الفهد الخبيث ووجه سهامه إلى الإسلام ككل دولا وثقافة إلى آخره ووجد الجبناء قادة المسلمين على الخط ينتظرون أوامره في كل شيء يسيء إلى الإسلام ويمحيه من الخريطة.

 

2 – جيش الجبهة الإسلامية في الجزائر حيث اختار ضباط الجزائر رفض سنوات حكم الجبهة الناجحة عن إعادة هدوء الجزائر ففعلوا الأفاعيل بشعبهم حتى تولد عن عملهم هذا إرهابيي المغرب الإسلامي كما سمتهم الدول.

 

3 – الدولة الإسلامية التي انبثقت عن أكبر إهانة للإسلام والمسلمين أنتجها بوش في ذبحه لصدام حسين في دولته واحتلاله لها دون أن يتمتعر وجه أي قائد إسلامي لذلك.

 

4 – احتلال أمريكا لأفغانستان من طالبان بعد 11 سبتمبر، وما زالت تقتل قيادتهم وقيادة القاعدة ظلما وعدوانا دون أن يتكلم أي قائد مسلم بأن هذا هو الإرهاب بعينه.

 

هذه الأسباب كلها في الدول الإسلامية وبدلا من أن تعالجها الدول مجتمعة أو كل واحدة تعالج ما فيها من الإرهاب على ضوء الشريعة الإسلامية فقد قام القادة المسلمون بوضع أراضيهم تحت تصرف أعداء الإسلام لقتل أبناء المسلمين فوق أرضهم لترى جميع الشعوب الإسلامية إهانة قادة المسلمين لشعوبهم المسلمة وعليه فإن أكبر مساهمة في إنهاء هذا التطرف هو أن تطلب الدول الإسلامية من الدول الأخرى رفع أيديها عن قتل أبناءها فوق أرض المسلمين مقابل ضمان أن أي دولة غير مسلمة سوف لا يصلها أي أذى من مسلم متطرف.

 

وبعد ذلك يجتمع قادة الدول الإسلامية وتستدعي علماءها المخلصين لله وتطلب منهم تحديد المعاملة الإسلامية مع المتطرفين ولا شك أنهم سيبدؤون بالإرشاد والنصح وتفسير النصوص الإسلامية تفسيرا عقلانيا وعاما وصريحا في الإسلام ولا يعني ذلك التفسير المنطقي الفلسفي للنصوص حيث أنه يمكن لأي أحد لم يستوعب دلالة الموضوع أن يقف ضد ذلك التفسير بل يكون تفسيرا واضحا يتماشى مع روح التشريع، فإن قبلوه فنعما هي وكفى الله المومنين القتال، وإن امتنعوا فيعلن العلماء إباحة الجهاد فيهم ومعاملتهم كما قال الله تعالى في ما يفعل بالمتمردين من المسلمين وفي آخر ذلك الإجراء قوله تعالى: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم}