تُعد موريتانيا اليوم واحدة من أكثر الدول الإفريقية التي تمتلك مقومات حقيقية للنهوض بالصناعات الغذائية، بفضل موقعها الجغرافي المتميز ومواردها الطبيعية وطاقاتها البشرية الشابة. فرغم التحديات، يبقى هذا القطاع من أكثر القطاعات الواعدة والقادرة على خلق قيمة مضافة وفرص عمل، وتعزيز الاكتفاء الذاتي ودعم الاقتصاد الوطني.
موريتانيا… دولة شابة وأرض خصبة للاستثمار
يمثل الشباب النسبة الأكبر من السكان، ما يجعل موريتانيا بلدًا ديناميكيًا في جميع المجالات. ومع توجه الدولة نحو تشجيع الاستثمار وتقديم التحفيزات للمستثمرين، يظهر المجال الصناعي - وخاصة الصناعات الغذائية - بوصفه واحدًا من أهم القطاعات ذات المستقبل الواعد.
كما يتمتع البلد بموقع استراتيجي بالغ الأهمية، إذ يُعد بوابة طبيعية لإفريقيا الغربية ذات السوق الضخم والمتنوع، مما يمنح المنتجات الموريتانية فرصة الوصول إلى ملايين المستهلكين.
موارد طبيعية مشجعة للمصنّعين
تملك موريتانيا موارد أولية مهمة تساعد على إنشاء مشاريع غذائية تنافسية:
- أراضٍ زراعية خصبة،
- موارد مائية متاحة في عدة مناطق،
- بيئة اجتماعية آمنة وهادئة.
هذه العوامل تجعل البلاد وجهة جاذبة للمستثمرين الباحثين عن فرص صناعية واعدة في مجال إنتاج الأغذية.
تحديات القطاع الصناعي: البنى التحتية أولاً
رغم المؤهلات الكبيرة، يصطدم المستثمرون بجملة من التحديات يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1. الطاقة: أكبر عقبة أمام المصانع
تعاني المناطق الصناعية بنواكشوط من انقطاعات كهربائية متكررة شبه يومية، وهو ما يشكل خطراً على المعدات الحساسة عالية التكلفة داخل المصانع، ويتسبب في:
- أعطال باهظة الثمن
- توقف الإنتاج لساعات طويلة
- ارتفاع تكاليف التشغيل
إن قطاعًا يعتمد على الدقة والاستمرارية يحتاج إلى شبكة كهرباء مستقرة وذات موثوقية عالية.
2. الماء: غياب غير مفهوم لخدمة أساسية
من غير المقبول أن تجد منطقة صناعية غير مزودة بالماء بشكل مباشر مثل المنطقة الصناعية بتوجنين. إذ تضطر المصانع إلى استخدام الصهاريج، وهذا يرفع التكاليف ويؤثر على سلامة العمليات الصناعية وخاصة الغذائية التي تتطلب كميات كبيرة من المياه وبتدفق منتظم.
3. شبكة الصرف ومعالجة النفايات
تفتقر المنطقة الصناعية الجديدة إلى شبكة صرف صحي وإلى محطات لمعالجة النفايات السائلة والصناعية، ما يخلق مشكلات بيئية حقيقية ويحد من قدرة المصانع على العمل وفق معايير الجودة الدولية.
4. الاتصالات: الإنترنت بطيء وغير مستقر
رغم توفر الألياف البصرية في البلاد، فإن الشركات الصناعية ما زالت تواجه ضعفًا في جودة الإنترنت، وهو أمر غير منطقي في عصر الصناعة الذكية 4.0 حيث تحتاج المصانع إلى:
- التواصل في حالات لحظيًا مع الشركات المصنعة للمعدات،
- خدمات الصيانة عن بُعد،
- تشغيل أنظمة التحكم الرقمي،
- دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي
أي ضعف في الإنترنت يعني خسائر مباشرة وخللاً في الأداء.
5. الموارد البشرية: نقص حاد في المهندسين والفنيين
يعاني القطاع الصناعي من نقص واضح في الكفاءات المحلية المتخصصة مثل المهندسين والفنيين السامين، مما يضطر المصانع إلى استقدام العمالة الأجنبية التي تكون:
- أعلى تكلفة،
- أقل استقرارًا على المدى البعيد،
- غير مألوفة أحيانًا لطبيعة السوق المحلية
تنمية الموارد البشرية المتخصصة ضرورة لا يمكن تأجيلها.
6. نقص سوق المعدات وقطع الغيار
لا يوجد في موريتانيا سوق صناعي متكامل للمعدات وقطع الغيار، مما يضطر المصانع إلى استيراد كل شيء تقريبًا. وفي كثير من الأحيان يتوقف مصنع كامل لأيام بسبب انتظار قطعة صغيرة مستوردة، وهو ما يرفع بشكل كبير تكلفة الإنتاج.
خلاصة: تحديات قابلة للحل وإمكانيات كبيرة
إن أبرز معوقات الصناعة في موريتانيا - ورغم ثقلها - ليست مستحيلة الحل، بل يمكن تجاوزها إذا توفرت الإرادة والرؤية الواضحة لإنشاء بنية تحتية صناعية حقيقية تجذب المستثمرين وتدعم المصانع المحلية.
إن بناء مناطق صناعية بمعايير دولية سيخلق:
- فرص عمل واسعة للشباب،
- قيمة مضافة محلية،
- اقتصادًا قويًا قائمًا على الإنتاج،
- صناعة وطنية قادرة على المنافسة داخل وخارج الحدود.
موريتانيا تمتلك كل المقومات… وما ينقصها فقط هو تهيئة البيئة المناسبة لنجاح الصناعات الغذائية وغيرها من الصناعات التحويلية.

.gif)
.gif)













.png)