لم يكن مصادفة وجود العديد من القوى العالمية المتصارعة على النفوذ في موريتانيا إن كان من خلال وجودها بشكل مباشر أو من خلال وكلاء لها في المنطقة عموما. العديد من الأسباب المباشرة وغير المباشرة كانت وراء تلك الأحداث المتلاحقة في المشهد السياسي في موريتانيا، منها ما هو جغرافي، ومنها ما هو توزيع نفوذ، ولكن السبب القوي هو استكشاف الشركات العالمية في مجال النفط والغاز والتي من بينها "بريتش بتروليوم" البريطانية، وشركتا "كوسموس إنيرجي" و"إكسون موبيل" الأميركيتان، و"توتال" (Total) الفرنسية وشل (shell) البريطانية - الهولندية الكميات الكبيرة من الغاز في الشواطئ الموريتانية، وما خرج به مركز فيريل الألماني المختص بالدراسات، والذي أكد أن موريتانيا تحتل المركز الثالث عالميا بمخزون الغاز غير المستخرج، من حيث كمية الاحتياطات.
حروب الغاز ليست معارك عسكرية وصواريخ وأساطيل، بل هي أكثر تعقيدا.
بدأ الصراع على منابع الغاز وطرق الإمدادات واشتعلت حروب من وسط آسيا إلى سورية وأوكرانيا وإفريقيا وتخللتها مواجهات قانونية وعقوبات ومقاطعة بين دول وشركات. وقد استطاعت الدول العربية وإيران، لمدة 100 عام امتلاك معظم احتياط النفط (60%) في العالم، وهو السلعة الأساسية لتحريك عجلة الاقتصاد العالمي، لكنها لم تستفد منه لخدمة مصالحها العليا. في حين استعملت أمريكا كل مواردها حتى القمح - كأسلحة استراتيجية -وتستغل روسيا غازها الطبيعي لتعود دولة عظمى. فالكلام عن الغاز لا يقتصر على الاقتصاد، بل هو حاضر في الجيوبوليتيك بعدما أصبح سباق الهيمنة على العالم صراعا على الغاز الذي غدا اليوم كما النفط في الأمس مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى الأمم كافة.
نحن اليوم كل ما نحذر منه هو أن نتحول إلى موزمبيق: الدولة التي أصابتها لعنة الغاز والياقوت والجهاديين وفشلت قواتها في الحفاظ على وحدتها الترابية وأمنھا الداخلي بسبب "لعنة الموارد"، كما كتب جوزيف هانلون محلل شؤون ذلك البلد.
نحن اليوم نمتلك احتياطات تصل إلى أكثر من 100 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وأكثر من 500 مليون برميل من النفط، وقد انضممنا رسميا لمنتدى الدول المصدرة للغاز من خلال الاجتماع الوزاري الاستثنائي للدول الأعضاء في الجزائر، في الوقت الذي بدأنا فيه تصدير أول شحنة غاز من حقل الغاز المشترك مع السنغال.
نحن اليوم بدأنا عصرا جديدا تحفه مخاطر الأطماع الأجنبية، وصراعات القوى العظمي بعد اقترابنا من تصدير كميات كبيرة من الغاز الطبيعي من حقل "احميم"، مما سيجعلنا نرتقي إلى مصاف الدول المصدرة للغاز المسال مما جعلنا عرضة للكثير من الأطماع الإقليمية وتنافس القوى الدولية الكبرى من أجل السيطرة على طريق الذهب الجديدة (الغاز)... وصراع النفوذ: لتنافس القوى الدولية الكبرى من أجل السيطرة على العالم بمختلف موارده.
نحن اليوم نحتاج إلى سياسة تجعلنا نستفيد من مواردنا وتكون علينا نعمة لا نغمة، وأن ندرك أن بناء الأوطان وقيامها وازدهارها وتبوأها مكانة بين البلدان ليس بأمر هين، ولا هو شيء يقوم بين عشية وضحاها، وإنما جهود تبذل، وأموال تنفق، وعلم وتخطيط، مع سلامة قصد وصدق نية، وعلو همة.. كما أن بناء الأوطان لا يكون إلا بالتخطيط المحكم والبناء الفعال، واتخاذ جميع الوسائل والأسباب لقيامها.
ولكن هناك مقومات وأسس عامة لا يقوم أي مجتمع إلا بها، ولا ترتفع أي أمة إلا بوجودها ومن أهم هذه المقومات: هي النقاط الخمسة المؤسس للمجتمع عقلا وفكرا.
أولا: العلم:
هو السلاح الأول في بناء المجتمعات بل والحضارات.. وليس للمجتمع حاجة إلى شيء أقوى من حاجته للعلم والتعلم والتعليم {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}، المجادلة: 11.
ثانيا: العدل:
و"العدل أساس الملك".. وبه قامت السموات والأرض.. هذه قاعدة مطردة استقرت عند الساسة والعامة، وثبتت بالواقع والتاريخ، وسنة كونية ربانية لا فرق فيها بين دولة مسلمة أو دولة غير مسلمة.
قال تعالى: {وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان} الرحمن: 9، وقال سبحانه: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} النحل: 90، وقال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) رواه مسلم.
ثالثا: الأمن:
انتشار الأمن مطلب من أهم مطالب الحياة، وضرورة من أهم ضروريات البشر، لا تتحقق مصالح العباد والبلاد إلا بوجوده، ولا تتحقق أهداف المجتمعات وتطلعاتها إلا بانتشاره، ولا تسعد نفوس الناس ولا يهنأ عيشهم إلا بازدهاره. فإذا ما رفع رفعت معه سعادة العباد، ورخاء ونماء البلاد، وحل مكانه الخوف والجوع، وفشا الخراب والدمار.
فالأمن مطلب كل مخلص لبلده محب لوطنه؛ كما قال إبراهيم عليه السلام: {رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات} البقرة: 126.
وهو نعمة يمتن الله بها على من وهبهم إياها كما في قوله تعالى: {فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} قريش: 3، 4، {أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ۚ أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون} العنكبوت: 67.
رابعا: الاجتماع ووحدة الصف:
قال تعالى {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ۚ واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} آل عمران: 103.
خامسا: بناء الإنسان:
لأنه محور كل تقدم حقيقي وسبب حفظه واستمراره، فبناء البشر قبل بناء الحجر، إذ لا قيمة لأي بنيان إذا هدم الإنسان.. ولا قيمة لعمارة المباني والمنشآت إذا ساكنها وعامرها خراب..
فلا بد من بناء المواطن بناء شاملا متكاملا: عقديا، وعلميا، وخلقيا، وبدنيا، وثقافيا واجتماعيا ليتمكن من منفعة نفسه ووطنه.
في تلك النقاط الخمسة تكمن سنة تغيير الفكر والعقول والفهم التنظيمي الجاثم الغير فاعل وتكمن تغيير العقليات وتصحيح المسار.

.gif)
.gif)













.png)