يذكّرنا المثل الحسّاني الشهير: «أيد وحدة ما تصفّق»، بأنه لا يمكن لأي طموح كبير أن يتحقق دون تعاون. وفي السياق الإقليمي والدولي المتدهور الذي نعيشه، والذي تغذّيه نزعات الانكفاء السياسي والاقتصادي، تقدّم لنا العلاقة بين موريتانيا وفرنسا اليوم نموذجًا مضادًا لشراكة منفتحة وتحترم مصالحنا المتبادلة.
يسعدني إذًا، بمناسبة زيارتي التي تدوم يومين إلى موريتانيا، أن أعمل على تعزيز هذا التعاون الكثيف والمعبر أصلًا، وأن أساهم مع شركائنا وأصدقائنا الموريتانيين في رسم ملامح تعميقه.
تقوم العلاقة بين فرنسا وموريتانيا على روابط تاريخية وإنسانية عميقة، وتعاون أمني عالي الجودة، ودعم متواصل في مجال المساعدة على التنمية. وقد شكلت هذه الأسس خيطًا ناظمًا لصداقة لم تتراجع منذ الاستقلال. ولا تزال هذه الركائز بارزة اليوم، وما زلنا نستثمر فيها، لا سيما من خلال الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) التي تضاعفت محفظة مشاريعها في موريتانيا خلال عامين لتبلغ مستوى التزام يتجاوز 400 مليون يورو.
ومن دون التراجع عن هذه الجهود، فأنا مقتنع، بروح أجندة تحول العلاقات بين فرنسا والقارة الإفريقية التي يحملها الرئيس ماكرون منذ 2017، بأن علاقة موريتانيا–فرنسا في المستقبل ستُبنى على شراكة اقتصادية قوية. شراكة تُفسح المجال للمبادرات والاستثمارات التي يقودها القطاع الخاص في بلدينا. وقد ذكّر الرئيس الغزواني بهذه الحقيقة في أبريل الماضي بقوله: «القطاع الخاص هو محرّك النمو الاقتصادي والتشغيل. «
ولتحقيق ذلك، يمكننا الاعتماد على أسس متينة قائمة بالفعل. فهناك ما يقرب من أربعين شركة فرنسية موجودة حاليًا في موريتانيا. وهي تسهم في توفير أكثر من 2000 وظيفة مباشرة، وتشارك في تكوين مئات الشباب الموريتانيين. كما تستثمر هذه الشركات منذ سنوات في قطاعات واعدة للنمو، مثل شركة «مريديام» التي استثمرت 155 مليون يورو في إنشاء رصيف الحاويات بميناء نواكشوط. وقد بلغ حجم التبادلات التجارية بين بلدينا نحو 340 مليون يورو سنة 2024.
ومع ذلك، يمكننا ويجب علينا تحقيق المزيد. فموريتانيا تتمتع بمزايا لا يمكن إنكارها: استقرار ملحوظ، مؤشرات اقتصادية كلية واعدة، موقع جغرافي متميز، بالإضافة إلى موارد بشرية وطبيعية غنية. وفرنسا مستعدة، مع الاحترام الكامل لسيادة موريتانيا ومصالحها، لمواكبتها في جعل هذه المزايا روافع لنموها المستقبلي.
وهذا هو المعنى الكامل للاتفاق الذي سأوقّعه اليوم مع وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية السيد عبد الله ولد سليمان ولد الشيخ سيديّا، لتمويل مشروع يناهز 39 مليون يورو من أجل تحويل عشر محطات حرارية إلى محطات هجينة، مساهمةً في مسار موريتانيا نحو تنمية أكثر استدامة واحترامًا للبيئة. وفي السياق نفسه، منحت الخزينة الفرنسية مؤخرًا تمويلاً بقيمة 43 مليون يورو لمشروع آفطوط الساحلي لتجديد نظام تزويد مدينة نواكشوط بالمياه الصالحة للشرب. وتنفذه شركة «رازل بيك»، وسيوسّع هذا المشروع الولوج إلى المياه ويؤمّنه في العاصمة بأكملها.
لكن، إلى جانب الاتفاقات الموقعة، آمل أيضًا أن تتيح لنا هذه الزيارة استكشاف فرص الشراكة في الأعمال التي ستصنع علاقة الغد الاقتصادية، لا سيما في المجالات الواعدة التي نواجه فيها تحديات مشتركة: التحول الطاقي والبيئي، الصحة، البنى التحتية، التنمية الزراعية، وفي التخطيط الحضري. وستوفر هذه الروابط أيضًا لشباب بلدينا آفاقًا مهنية محفّزة تخدم ازدهارنا المشترك. إن الديناميكية واعدة، ولا تعتمد إلا علينا وعلي حسن استغلال كل الإمكانات المتوفرة.
لذلك، أتطلع بشقق خلال هذين اليومين في نواكشوط إلى لقاء النساء والرجال الذين يصنعون الحياة الاقتصادية في البلاد؛ فالاقتصاد هو أولًا وقبل كل شيء مسألة روابط إنسانية، وهذه الروابط هي ما يصنع ثراء صداقتنا، وهي ما سيسمح لنا غدًا، بلا شك، بأن نصفّق جيدًا بكلتا يدينا لنجاحاتنا المشتركة.

.gif)
.gif)













.png)