ترجمة وكالة الأخبار المستقلة
عمدت مجموعات مسلحة من مقاتلي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، إلى قطع الطرق الرئيسية التي تسلكها شاحنات الوقود، ما أدى إلى تعطيل خطوط الإمداد إلى العاصمة باماكو ومناطق أخرى في مالي.
وتتقدم هذه الجماعة المرتبطة بتنظيم القاعدة، تدريجيا نحو عاصمة مالي باماكو، مع تزايد الهجمات في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك على قوافل مدعومة من الجيش.
وإذا سقطت المدينة، فستكون الدولة الواقعة بغرب إفريقيا في طريقها لتصبح جمهورية إسلامية تطبق تفسيرات صارمة للشريعة الإسلامية.
وسيكون ذلك بمثابة تحقيق تفويض جهادي يسير على خطى أفغانستان التي تحكمها حركة طالبان، أو سوريا حيث أصبح المتمرد السابق أحمد الشرع، المعروف سابقا باسمه الحركي أبو محمد الجولاني، رئيسا للدولة.
وفي المناطق الخاضعة لسيطرتها، تفرض جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بالفعل قواعد للباس، وعقوبات من خلال محاكم لا تلتزم بمعايير المحاكمة العادلة، بحسب ما ذكرت هيومن رايتس ووتش في تقرير لها عام 2024.
وأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية يوم الثلاثاء ثاني تحذير لها خلال أسبوع لمواطنيها في مالي، دعت فيه جميع الأميركيين إلى "المغادرة فورا باستخدام الطيران التجاري"، مشيرة إلى مشاكل في البنية التحتية و"عدم إمكانية التنبؤ بالوضع الأمني في باماكو".
وفي يوم الأربعاء، حثت أستراليا وألمانيا وإيطاليا أيضا مواطنيها على المغادرة في أسرع وقت ممكن.
ويقول مراقبون داخل مالي وخارجها إن الأمور قد تتدهور بسرعة، وإن تحذيرات الولايات المتحدة تُعد أحدث مؤشر على أن البلاد على وشك الانهيار، أو ربما تتجه نحو انقلاب ثالث ناجح خلال 5 سنوات، وسادس منذ الاستقلال عن فرنسا في سبتمبر 1960.
وقال وزير مالي سابق يعيش حاليا في المنفى لصحيفة الغارديان دون الكشف عن اسمه: "لا أريد أن أبدو دراميا أكثر من اللازم، لكن البلاد تنهار أمام أعيننا. لن أتفاجأ إذا حدث انقلاب آخر خلال الأيام القليلة المقبلة".
وأضاف المسؤول السابق: "قبل 31 دجمبر، سيحدث انقلاب في منطقة الساحل. ستكون مالي أولا، ثم سنشهد نفس تأثير الدومينو الذي رأيناه بين عامي 2020 و2023، حيث تسقط هذه الدول واحدة تلو الأخرى".
تواجه مالي نقصا في الوقود منذ أسبوعين بسبب الحصار الذي يستهدف الشاحنات القادمة من دول الجوار مثل ساحل العاج وموريتانيا والسنغال، من قبل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.
وقد تم اختطاف أو قتل السائقين والجنود، وفي بعض الحالات يحصل الأمران معا.
وتعتمد مالي، التي لا منفذ بحري لديها، بمستوى كبير على الواردات للحفاظ على اقتصادها المتعثر. وفي غياب شاحنات الوقود، توقفت الحياة في معظم أنحاء باماكو. وأصبحت الطوابير الطويلة أمام محطات الوقود مشهدا مألوفا الآن، وفي أجزاء كثيرة من المدينة، لا توجد كهرباء.
كما أغلقت المتاجر والأسواق، فيما يلتزم كثير من الناس منازلهم لعدم توفر وسائل النقل وارتفاع أسعار المواد الغذائية. كما أغلقت المدارس مؤقتا حتى 9 نوفمبر.
ويقول محللون مثل أولف لاسينغ، رئيس برنامج الساحل في مؤسسة كونراد أديناور الألمانية ومقره باماكو، إن الأسبوع المقبل قد يكون حاسما في عمر المجلس العسكري الحالي.
ويضيف: "أعتقد أن الأسبوع المقبل سيكون صعبا جدا، لأنه حينها ستنفد المخزونات الموجودة حاليا والتي يعتمد عليها الجميع. من الصعب إيجاد مخرج من هذا الوضع. من الصعب. تخيل ببساطة كيف يمكنهم إعادة إمداد العاصمة بكميات كافية".
ورفض عدة محللين تحدثت إليهم صحيفة الغارديان التعليق على الموضوع، مشيرين إلى حساسية النظام تجاه التعليقات التي تُعتبر غير مؤيدة له.
دولة إسلامية
لا أحد حتى الآن يتظاهر ضد الحكومة، لأن الناس يعتقدون أنه إذا سقطت هذه الحكومة، فستكون التي تليها حكومة إسلامية، لذا قد يعزز ذلك تصميم النظام بعض الشيء، قال لاسينغ.
في يونيو 2020 شكلت منظمات المجتمع المدني، والجماعات الدينية، والأحزاب السياسية ائتلافا احتجاجيا يعرف بحركة 5 يونيو أو تكتل القوى الوطنية (M5-RFP)، وقد قاد احتجاجات واسعة النطاق ضد الرئيس المنتخب ديمقراطيا إبراهيم بوبكر كيتا، بتهم تتعلق بالفساد وتدهور الأوضاع الأمنية.
وكان من أكثر وجوه هذه الحركة ظهورا، محمود ديكو وهو إمام مؤثر ومثير للجدل برز أول مرة على الساحة الوطنية من خلال دوره في انقلاب 1991 على الرئيس آنذاك موسى تراوري.
لقد لعب إشهار هذا الرجل ورقة الدين، دورا محوريا في إجبار حكومة كيتا على الانهيار.
خلال اجتماع وساطة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) بين الدولة و(M5-RFP)، جاء تصريح مفاجئ من كيتا.
قال الوزير السابق: "كنت حاضرا في الاجتماع عندما أخبر (كيتا) قادة إيكواس أن الإمام ديكو يريد أن تصبح مالي دولة إسلامية تطبق الشريعة"، وعندما قال ذلك "اندلع الغضب".
خلال شهرين، استولى جنود بقيادة العقيد الشاب عاصيمي غويتا على الحكومة، واستبدلوا البرلمان بمجلس وطني انتقالي. وأدى انقلاب ثان خلال عام إلى أداء غويتا اليمين رئيسا للدولة.
لكن وعود المجلس العسكري لم تتحقق إلى حد كبير. فقد حدد المجلس الوطني الانتقالي، برئاسة العقيد مالك دياو، انتخابات في شهر فبراير 2022 لكن المجلس أرجأها مرارا.
في غضون ذلك، ارتفع عدد قتلى التمرد بشكل حاد، حيث تجاوز العدد الإجمالي منذ 2012 حاجز 17700 قتيل، مع وقوع أكثر من ثلثي هذا العدد بعد عام 2020، وفقا لبيانات مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية.
وتُوسع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عملياتها لتشمل بنين ونيجيريا على الساحل الغربي لإفريقيا، كما عززت مواردها المالية بفعل فديات بارزة دفعت لها مقابل إطلاق سراح أسرى مختطفين لديها، بمن فيهم مواطنون إماراتيون.
كما اتهمت منظمات حقوقية، جيش مالي، بالتعاون مع مرتزقة فاغنر، والميليشيات الموالية للمجلس العسكري، والتي تضم ميليشيات صيادين، بارتكاب انتهاكات واسعة.
نهاية الطريق؟
يبدو أن عزلة المجلس العسكري شبه مكتملة. لقد وقع اتفاقية مساعدة عسكرية مع أنظمة بوركينا فاسو والنيجر، لكنها ما تزال قيد الانتظار.
وبعد قطع العلاقات مع (إيكواس) باتت مالي غير قادرة أيضا على الاستفادة من مواردها العسكرية.
في السنوات الأخيرة خفّضت بعض البعثات الدبلوماسية الأجنبية وجودها في البلاد تزامنا مع طرد المجلس العسكري موظفين من بعثات أخرى في ظل تدهور العلاقات مع الغرب.
وبناء على ذلك، صدرت تقارير تفيد بتزايد الإحباط داخل صفوف الجيش، ما يوحي بوجود توترات داخلية بين الضباط الخمسة الذين نفذوا الانقلاب الأول. ويطرح اسمان من هؤلاء وهما مالك دياو، ووزير الدفاع ساديو كامارا، كخلفين محتملين قد يحلان محل غويتا.
ومن المتوقع عودة ديكو، الذي يعيش بالمنفى في الجزائر منذ 2023 بعد خلافه مع الحكومة وفقدانه جوازه الدبلوماسي.
ويقول مصدر مطلع إن "بعض عناصر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، يطلبون عودة ديكو لكي يتفاوضوا معه بدلا من الحكومة المالية"، مضيفا أن "هدفهم النهائي هو تحويل مالي إلى دولة إسلامية، وهم قريبون جدا من تحقيق ذلك".


.gif)
.gif)













.png)