على مدار الساعة

قراءة سريعة في رواية موناليزا من كيدال

10 ديسمبر, 2023 - 23:07
محمد الأمين سيدي بوبكر

رحم الله الشيخ الحسن البمباري، لقد كان حاضرا بعد وفاته كما كان فاعلا في حياته.. ومن آخر أعماله التي رأت النور بعده، رواية "موناليزا من كيدال"، وهي مناسبة لشكر الإخوة زيدان ولد الحضرامي وداوود أحمد التجاني ومحمد الأمين الراجل، ومركزي مبدأ وترانيم، على جهودهم الجبارة في إخراج هذا العمل الرائع.

 

الذي خرج إلينا في سبعة فصول حمل الأخيران منهما نفس الترقيم "الفصل السادس" وهم على الترتيب "لقاء في مهب الريح" و "في انتظار غودو" و "دافنشي باحثا عن لوحته" و"قهوة بلا سكر" و "ليس للمنفِيِّ إلا الريح" و"الطريق إلى جهنم المفروش بالنوايا الحسنة" أو النيات بالأحرى و "طوال وليل العاشقين طويل" وكل العناوين تحمل شحنة أدبية ودلالية، ليست غريبة من كاتب بارع، ومفكر حاذق، مثل الشيخ الحسن البمباري، عليه رحمة الله.

 

حقيقة لست من ذوي الباع الطويل في الأدب، ولا من أحسن قراء الروايات، لكن رواية موناليزا من كيدال للراحل الشيخ الحسن البمباري كانت رحلة عبر الزمن يأخذك فيها الكاتب بعد بحثه الشاق عن أميرته الضائعة في أزقة وتقاطعات نواكشوط إلى كيدال في الشمال المالي، مرورا بمخيم أمبرة للاجئين الأزواديين في مقاطعة باسكنو، في طريق الذهاب، وانتهاءً بنواكشوط مرورا بكرمسين في طريق الإياب.

 

ويجعلك بأسلوبه الجميل، وخياله الواسع، ولغته الجزلة، تعيش معه كل فصول معاناة ترحال الغرباء في ربوع الصحراء العصية على الاستقرار، والوقوع في شباك عصابات التهريب، والاستغلال الأمني.

 

الرواية وإن حوت طبعتها الأولى جملة من الأخطاء المطبعية استأثر فصلها الأول منها بنصيب الأسد - نرجوا الانتباه لها في الطبعات القادمة - مع ضعف في صياغة بعض الفقرات التي لو أتيحت للبمباري - رحمه الله - قراءة ثانية لها لأعاد صياغتها دون شك، حُظيت بحبكة درامية جميلة تؤهلها لأن تكون عملا دراميا تلفزيونيا هادفاً.

 

وتستحق بجدارة أن تكون بداية تحقيق أمني جاد، أو استقصاء صحفي على الأقل، للإجابة عن كل التساؤلات التي أثار البمباري، حول العلاقة الواقعية أو التخيلية بين الإرهاب والاتجار بالمخدرات واستغلال الأطفال، عَلَّه يستطيع كشف ما ورائيات التسول الذي أصبح سمة بارزة من سمات العاصمة نواكشوط، كما استطاع البمباري بمخيلته الواسعة أن يتصور علاقة تبدو منطقية بين التسول والإرهاب والاتجار بالمخدرات والبشر.

 

رواية "موناليزا من كيدال" بسبكها الجميل، وأحداثها المكثفة، تجعلك تسابق الزمن لإكمال قراءتها… فمن نظرة عابرة، لفتاة يافعة، مع أسرتها المتسكعة في إحدى ضواحي نواكشوط، يأخذك البمباري رفقة بطل قصته "عبد الرحمن" في رحلة بحثه المستميت عن ساندريلاه "موناليز" غير آبه بمشقة مطاردة جيوش المتسولين في نواكشوط، ولا إثارة الشكوك الأمنية، وحفيظة أصحاب الأيادي الخفية التي تحرك المتسولين، ولا عناء السفر إلى الشمال المالي المضطرب، مرورا بمخيم امبرة ومعاشرة اللاجئين، ومخاطر الوقوع في قبضة العصابات والجماعات المتشددة، والاصطدام بعادات وتقاليد المجتمعات المنغلقة.

 

لتستكشف معه خبايا السوق السوداء للتسول؛ بدءاً بتقاسم المحاصيل مقابل التغاضي الأمني، مرورا بالاتجار بالمواقع وحتى المخدرات واستغلال القُصَّر للتسول وتسويق المخدرات ونقلها والتمويه عن المهربين، وصولا إلى تخلي بعض المواطنين عن هوياتهم الوطنية وانتحال صفات أجانب لكسب التعاطف والتحرر من سلطان المجتمع.

 

لينتهي به المطاف إلى ضحية استغلال أمني أدى لتفكيك عصابات إجرامية بعد أن كاد يودي بحياته؛ فهل من مُدَّكر.