على مدار الساعة

موريتانيا 2022: تشخيص للوضعية(2)

2 أبريل, 2022 - 13:43
محمد مختار ولد محمد عبد الله، باحث في العلوم السياسية.

الصيد

 

لا تعود الفوضى التي يعرفها قطاع الصيد البحري الحيوي لاقتصاد البلاد رغم ذلك، إلى اليوم. فهي تشمل خسائر فادحة للبيئة وتدميرا لا رجعة فيه للنظام البيئي الشاطئي. دون أن ننسى، أن صحة وهناء سكان مدينة نواذيبو وضواحيها يتضرران من ذلك. كما يتباين إحباط بعض المستثمرين في القطاع من الضرائب التي يرونها مجحفة مع المعاملة التفضيلية التي يحظى بها فاعلون آخرون، اعتمادا على تواطئ لا يخضع لأي منطق، ويظهر ذلك جليا في منح الصفقات العمومية. كما أن الأجانب الذين يصطادون في مياهنا يظهرون باستمرار غياب ضمائرهم، ويدل على ذلك الاستخدام المفرط للشباك الدقيقة، ونهب أماكن ممنوعة وانتهاك فترات الراحة البيولوجية.

وإذا كان نهب الثروات البحرية في الماضي يتم مع محاولات خجولة للتستر، فهناك اليوم من لا تحرجه مثل تلك الاعتبارات. كما يضرب التواطؤ الذي يحظون به في الإدارة مصداقية السياسة الحكومية في محاربة الفساد والمحسوبية، ويلحق ضررا بالغا باستمرار ثروتنا السمكية.

 

البنى التحتية:

 

إن الوضعية المزرية التي تعرفها البنى التحتية الوطنية تشكل عقبة كأداء أمام تنمية البلاد وتنافسيتها. وخير مثال على ذلك هو حالة طريق الأمل. وتدفع ثمن ذلك الشاحنات المغربية والمالية إضافة إلى شاحناتنا. ويرجع تهالك المحورين الطرقيين الاستراتيجيين للبلاد إلى الإهمال وغياب التخطيط. وفي هذه الحالة أيضا، فإن هذه الأوضاع المزرية عائدة أساسا إلى انتشار الفساد الذي ينخر البلاد منذ عقود. هذا مع العلم أن رداءة الطرق مكلفة اقتصاديا وبشريا. فهي تسبب تأخرا كبيرا في توصيل البضائع وتسرع بذلك في إنهاك سيارات النقل. بل وأسوأ من ذلك، فإن انعدام الأمن على الطرق، الناجم عن حوادث السير، يخلف خسائر فادحة في صفوف السكان، ولا تسلم منه قطعان الماشية المتتبعة للكلأ.

ويظل الإفلات من العقاب هو القاعدة في هذه الحالة، مثل الحالات المذكورة سابقا تماما. فتزايد الأخطاء الطبية في مصحاتنا ومستشفياتنا يعكس جانبا غير معلوم من الفوضى، ذات النتائج المأساوية المنتشرة على جميع الأصعدة. ولا يخفف من تأثيراتها إلا الإيمان بالقضاء والقدر. فليس أمام المواطن التائه، العاجز عن الانتظام من أجل الحصول على حقوقه، والذي يتعرض للظلم في هذا العالم، من ملجإ سوى حتمية القدر. هذه إذن عقلية البلاد، تتخلى عن واجب المسؤولية الجماعية، وتشجع استقالة الدولة.

 

الزراعة:

 

إذا كان هناك قطاع استراتيجي يستحق اهتمام الدولة فهو قطاع الزراعة. فيجب أن يعتبر مسؤولونا جائحة كوفيد 19، وما نتج عنها من شح في المواد، نذر خطر. فلا يمكن اليوم إرساء قواعد تنمية مستدامة ولا استقلال سياسي دون ضمان الحصول على أمن غذائي. ولكن الزراعة، مثل قطاعات اقتصادية أخرى، قد ابتلعت مليارات من الاستثمارات خلال العقود الأخيرة دون إنجازات ملموسة. ويبقى الثراء غير المشروع لبعض الناهبين، نتيجة التواطؤ في منح القروض الزراعية، الحدث الوحيد البارز لهذا النهب الممنهج.

ولإدراك حجم الأضرار يكفي إلقاء نظرة على ضفتي نهر السنغال على خرائط غوغل. فالأراضي الخضراء، المستغلة فعليا في الجانب السنغالي، تقابلها ضفة قاحلة في الجانب الموريتاني، حيث لا يعطي قرب المياه، فيما يبدو، أية فوائد. ويوضح هذا التفاوت بجلاء تأخر موريتانيا في هذا المجال، رغم الإصلاح العقاري الذي رأى النور سنة 1983. ولكن كما يحصل في أغلب الأحيان، فإن إقرار القوانين شيء وتطبيقها شيء آخر.

 

خاتمة:

ولختم هذا الحديث بجرعة أمل، فإننا نود تذكير قادتنا بأهمية استخلاص الدروس من التجارب الناجحة في القارة الإفريقية، مثل تجربة غانا وتجربة رواندا التي كان رئيسها في زيارة لنا مؤخرا. فلديهم في تلك البلاد هيئة لتصور المشاريع ودراستها، ويعهد إليها أيضا بتنفيذ  ومتابعة مشاريع التنمية. ويشجع وجود مثل هذه المؤسسة على تشكل أرضية خصبة لتكوين الخبرات لصالح الدولة. ولكن مع ذلك لا يمكن بنيان مؤسسات مثل هذه إذا واصلت إدارتنا اعتماد المحسوبية أساسا للاكتتاب عوضا عن التميز والاستحقاق. وسيظل جيش العاجزين ومزوري الشهادات، الذين يشكلون عمود الإدارة، عقبة في طريق مستقبل مشرق.