على مدار الساعة

تضامنا مع القانون ومع السيناتور ولد غدة

14 ديسمبر, 2025 - 20:20
محمد ولد عبدي - محامي متدرب

يجب على الدولة فرض القانون وفرض احترامه وتطبيق مقتضياته بالحرف لا القفز عليها لمصالح أو بدونها حتى، إن اعتقال السناتور ولد غدة الليلة البارحة أمر مدان ومخالف لمقتضيات القانون...

 

فالمادة: 52 من قانون الإجراءات الجزائية تنص على أنه " لا يجوز البدء في التفتيشات والزيارات المنزلية قبل الساعة الخامسة صباحا ولا بعد العاشرة مساء إلا بطلب من داخل المنزل أو في الأحوال الاستثنائية المقررة قانونا...".

 

وقد أحالت هذه المادة إلى مقتضيات المادتين: 49 و50، تحت طائلة بطلان الإجراءات، وتنص هاتان المادتان على بعض المقتضيات المتعلقة بالوثائق، وربما هو المسوغ الذي دخلت منه الشرطة باعتبار أنها ستحجز على أوراق مهمة للملف، خاصة أنه صرح بوجود وثائق عنده تتضمن أدلة غير قابل للنفي، لكن المادة تقول حجز الوثائق، وأعتقد جازما أن ولد غدة ليس وثيقة...

 

المادة: 49 تنص على أنه "إذا كانت طبيعة الجناية من النوع الذي يمكن أن يحصل على إثباته بواسطة حجز أوراق أو أشياء غير ذلك توجد بحوزة أشخاص يعتقد أنهم شاركوا في الجناية أو توجد في حوزتهم أوراق أو أشياء تتعلق بالأفعال المجرمة فإن ضابط الشرطة القضائية ينتقل فورا إلى مسكن هؤلاء الأشخاص لإجراء تفتيش منزلي ويحرر محضرا بذلك".

 

كما نصت المادة أن له وحده والأشخاص المبينين في المادة: 50 التعرف على الأوراق والوثائق قبل حجزها، أي بما يعني أن له التحقق والتدقيق في هذه الوثائق لمعرفة ما إذا كانت تستحق فعلا إيقاع الحجز عليها.

 

كما أنه ملزم باتخاذ التدابير اللازمة لاحترام الشعائر والسر المهني وحق الدفاع أيضا.. أقول حق الدفاع!

 

وهو أيضا ملزم بتحرير محضر في الوثائق المحجوزة وختمها فورا..

 

وتأكيدا على هذه المقتضيات تنص المادة: 50 من نفس القانون على أنه يجري كل هذا بحضور الأشخاص المتهمين بالمشاركة في الجناية أو الظاهر أن في حوزتهم أوراقا أو أشياء تتعلق بالأعمال المجرمة... وهنا يجب أن نضع خطا عريضا تحت كلمة "مشاركة" وتحت كلمة "أوراق أو أشياء" مما يعني أن الشخص يجب أن يكون في هذه الحالة الاستثنائية إما مشاركا أو لديه أوراق، وفي الحالة الأخيرة يتم حجز الأوراق فقط، حجز الأوراق وتحرير محضر بذلك يوقعه الحاضرون...

 

إن مناقشة هذه المواد تجعلنا نقف وهلة من أجل معرفة ما إذا كان هذا ينطبق على وضعية ولد غدة، فالمادة الأولى المذكورة أعلاه (52) تنص على مبدأ يقضي باحترام حرمة السكن، وضبطت ذلك بتوقيت محدد لا يحتمل التأويل، وجاءت بقية المواد لا لتلغي المبدأ إنما لتستثني وضعية خاصة تتعلق بالوثائق التي يخشى عليها من الضياع نظرا لاستعجاليتها، إذا ما وجدت عند أحد المشاركين في الجريمة أو وجدت وثائق تتعلق بالعملية المجرمة...

 

إن هذا السير أو التمشي يجعلنا نسقط هذه الوضعية على الواقعة البارحة ونتساءل عما إذا كانت تنطبق على ولد غدة، فهل هو مشارك في الجريمة التي حاول الكشف عنها حتى يتم اقتحام منزله ليلا بدون وجه قانوني؟ أم أن الاقتحام كان من أجل الحصول على الوثائق؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يتم اقتياده وهو ليس مشاركا في الجريمة وليس وثيقة ليتم حجزه، بل هو محمي بمقتضى القانون المتعلق بمحاربة الفساد... ذلك أن القانون رقم: (021/2025) المتعلق بمكافحة الفساد في مادته: (19) نص على حماية الشهود والخبراء والمبلغين والضحايا فجاء في نص المادة أنه "يستفيد المبلغون والشهود والخبراء والضحايا، وذووهم من حماية خاصة تسهر عليها الدولة".

 

كما نص أيضا على أنه "يعاقب بالحبس من سنة (1) إلى خمس (5) سنوات وبغرامة من أربعين ألف (40,000) أوقية إلى مائتي ألف (200,000) أوقية، كل شخص يلجأ إلى الانتقام أو الترهيب أو التهديد بأي طريقة أو بأي شكل من الأشكال ضد الشهود أو الخبراء أو الضحايا أو المبلغين أو أفراد أسرهم أو سائر الأشخاص وثيقي الصلة بهم.

 

ينظم مرسوم صادر عن مجلس الوزراء إجراءات حماية خاصة بالأشخاص المذكورين في الفقرة السابقة".

 

وهي نفس المقتضيات التي نص عليها القانون رقم: 014/2016 الصادر بتاريخ: 15 إبريل 2016 والمتعلق بمكافحة الفساد، والذي تم إلغاؤه بالقانون رقم: 021/2025 المذكور أعلاه..

 

وقد أحال النصان في تطبيق مقتضيات المادة: (19) المذكورة أعلاه إلى المرسوم رقم: 18/2017 الصادر بتاريخ: 15 فبراير 2017 والذي ينظم الحماية الخاصة للشهود والخبراء والمبلغين وضحايا الفساد، وقد نشر في الجريدة الرسمية في العدد رقم: 1385.

 

ومن الجدير بالذكر أن قانون الفساد في المادة: (20) منه يعاقب على عدم التبليغ أيضا بعقوبة حبسية تتراوح من سنة إلى خمس سنوات، وبغرامة مالية من مائتي ألف إلى مليون أوقية لمن علم بجريمة فساد ولم يبلغ عنها يقع تحت طائلة العقاب...

 

وقد نص القانون التوجيهي رقم: (2015/040) الصادر بتاريخ: 23 دجمبر 2015 والذي يتضمن مكافحة الفساد في مادته: 5 و6 و7 و8 و9 على إلزام الدولة بالسهر على استرجاع الأملاك والأموال المختلسة والتي تم الحصول عليها بطريقة غير شرعية، وعلى إحداث قطيعة مع الإفلات من العقاب من خلال وضع آليات للمتابعة والحجز والاسترجاع، كما ألزمت أيضا في سبيل محاربة الفساد بالشراكة مع المجتمع المدني والقطاع الخاص لتعزيز القدرات الفنية والمؤسسية والتنظيمية للمجتمع المدني، ونبهت إلى أن ذلك لن يكون إلا بإشراك الإعلام من أجل التحسيس بخطورة الفساد، كما فرض هذا القانون الشفافية في الإجراءات الإدارية عبر نشر الإجراءات والتدابير المعمول بها في كل إدارة، وذلك لتعزيز المصداقية..

 

فما الذي يدفع بعد كل هذه المقتضيات إلى النكوص وتجاوز النصوص والاقتحام ليلا بدون وضعية قانونية تسمح بذلك، وبل وحتى إذا ما سمحت به في ظل الحديث عن وثائق تتعلق بمقتضيات مثارة كيف لا يتم الحجز على الوثائق بدون التعدي على حرية أشخاص من المفروض أن قانون الفساد يضمن لهم الحماية... باعتبارهم مبلغين وهو ما تضمنته المادة: (19) من قانون الفساد.

 

فهل يعقل أن تعاقب على عدم التبليغ عن الفساد وفق المادة: (20) من قانون الفساد، وأن تعاقب أيضا إذا قمت بالتبليغ عن الفساد (حالة ولد غدة)، وذلك بدل أن يطبق القانون وتوفر لك الحماية من أجل الضرب على يد المفسدين، أو التأكد من وضعيتهم من الناحية القانونية بدون إهانة شخص قام بالتبليغ خدمة لبلده ومحاولة من لمحاربة الفساد.