تتجه الأنظار هذه الأيام، التي تحتفل فيها الأسرة الإعلامية الدولية بالعيد الدولي للصحافة الموافق للثالث من مايو "أيا" لسنة 2022، إلى جنوب غرب آسيا في أقصى جنوب شرق شبه الجزيرة العربية، وتحديدا إلى جوهرة الخليج ولؤلؤة بحر العرب، العاصمة العمانية مسقط، حيث ستقام فعاليات المؤتمر الدولي للصحفيين "الكونجرس" في نسخته الـ31.
وهكذا تترجم سلطنة عمان، بعد إعلان القائمين على تنظيم المؤتمر جاهزيتها لاستضافة هذا العرس الإعلامي العالمي، مستوى حضورها الدولي والاقليمي باعتبارها أول دولة خليجية وشرق أوسطية وثاني دولة عربية بعد تونس، التي نظمته في نسخته الأخيرة سنة 2019، تؤكد استيفاءها لمتطلبات هذا الحدث الإعلامي الكبير، من جاهزية مؤسسية وتنظيمية ولوجستية يتطلبها المقام، مما يؤكد الحضور العربي عبر هذا الاستعداد وهذه الجاهزية التي تعتبر أكبر دليل وأصدق تعبير لجهود السلطات العمانية وإرادة قيادة هذا البلد العربي بالنهوض بالمستوى الإعلامي إلى الآمال والطموحات، قاطعة بالبلاد أشواطا كبيرة لتعيش نهضة شاملة، بعيدا عن التجاذبات السياسية الإقليمية، التي أثرت على دول عديدة بالمنطقة، حيث واصلت عمان إنشاء المشاريع التنموية المتطورة واستثمرت في مجال الإعلام ونفذت تباعا متطلبات القطاع في مجال البنيةالتحية واستحدثت المشاريع المختلفة كإنشاء المدينة الإعلامية المتكاملة المرافق والمشروعات والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون...
وجاء ميلاد جمعية الصحفيين العمانية لتكمل المشهد وترتقي بالمستوى المهني للصحفيين والإعلاميين العمانيين، مشكلة حاضنة وارفة الظلال ينهل عن طريقها إعلاميو البلد، عبر تنظيم عديد الدورات والتكوينات واللقاءات المختلفة مع عمداء الصحافة والقيادات الإعلامية، من معين مختلف العلوم المرتبطة بالمهنة الصحفية من فنون الكتابة والتحرير والتصوير وما تجود به أصناف تكنولوجيا الإعلام في هذا الصدد.
وفي هذا الإطار، يجب أن تشكل مناسبة تنظيم مؤتمر الاتّحاد الدولي للصحفيين "الكونكرس" في مسقط، فرصة تاريخية للصحفيين العرب وللمهتمين بالشأن الإعلامي العربي، لاغتنامها وللاستفادة من تجارب البلدان المشاركة وإعادة النظر في واقع المهنة الصحفية في وطننا العربي ومراجعة المنظومة الخاصة بالحقل لتمهينه وتحريره أكثر من القيود التي قد تعيق تأدية الرسالة الإعلامية النبيلة للارتقاء بواقعنا الاقتصادي والاجتماعي والسياسي خدمة لشعوبنا ولإزدهار بلداننا العربية من المحيط إلى الخليج.
ويجب أن يشكل هذا الحدث، نقلة نوعية وحاسمة للأقطار العربية ومناسبة للتنسيق الدائم للرفع من مستوى المنظومة الإعلامية العربية نحو الأفضل وتكريس مبدأ الحرية الصحفية وتبادل الخبرات والتجارب وتكوين الكادر البشري ودعم التنظيمات والمؤسسات الصحفية واستغلال التكنلوجيا والتقنيات الخاصة بالمجال.
وتشكل هذه التظاهرة مناسبة أيضا لضرورة مزيد التنسيق بين البلدان العربية وترسيخ مبدأ الدفاع عن الحقوق المادية والمعنوية للصحفيين وحمايتهم والمطالبة بسن المزيد من قوانين حرية الصحافة وتمكين الصحفيين من الولوج للمعلومة بيسر وسهولة وتقديم المزيد من الامتيازات والتحفيزات للصحفيين وإعطاء المرأة الصحفية مكانتها اللائقة بعيدا عن التمييز والمضايقة ونظرة الدونية التي ينظر إليها بها في بعض مجتمعاتنا، وتمكين الصحفيين الشباب من الاستفادة من تجارب الأجيال الصحفية والتكوين المستمر لهم وإعطاء أولوية للصحافة المتخصصة والاستقصائية.
ونحن في نقابة الصحفيين الموريتانيين نعلق آمالا كبيرة على مخرجات مؤتمر مسقط للاتحاد الدولي للصحفيين، وعلى استعداد قطاعتنا العربية المعنية بالإعلام بمزيد التنسيق والتخطيط المشترك للارتقاء بهذا الحقل الحيوي الهام.
ونحن في موريتانيا، ورغم حداثة تجربة البلاد الصحفية النسبية، شهد قطاعنا الإعلامي قفزة نوعية في مجال الحريات، حيث احتلت موريتانيا في السنوات الأخيرة المركز الأول في مجال حرية الصحافة على المستوى العربي وقطعت أشواطا في الترتيب على المستوى الدولي، حسب تقارير منظمة مراسلون بلا حدود، فقد ساهمت بعض التشريعات في حرية الصحافة في بلادنا، كما هو الحال في إلغاء قانون حبس الصحفيين على النشر وسن قانون خاص بالصحافة الالكترونية ومشروع قانون الصحفي المهني وإعادة هيكلة السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية وصندوق دعم الصحافة الخصوصية وتحرير الفضاء السمعي البصري وتيسير إنشاء التنظيمات والمقاولات الصحفية.
غير أن مشاكل نقص التكوين المستمر بسبب انعدام المعاهد ومراكز التكوين الصحفي، والبعد الاقتصادي المتعلق بدعم الهيئات والتنظيمات والمقاولات الصحفية وسهولة الولوج للمهنة الصحفية في البلاد وضبابية التشريعات في هذا المجال، أمور ساهمت في تمييع الحقل وتراجع عطائه، حيث تراجع ترتيب البلاد على المستوى العربي إلى الرتبة الثالثة هذا العام وبثلاثة درجات على المستوى العالمي.
ونحن بمشاركتنا في هذا المؤتمر، إذ نعول على مزيد الاهتمام الصحفي الدولي بالتشريعات والنظم والقوانين الدولية التي تحمي الصحفيين عبر العالم وتمنح فرصا أكبر للتكوين في المجال الصحفي.
كما نتمنى في نقابة الصحفيين الموريتانيين أن يكون المؤتمر أيضا فرصة لمزيد التنسيق بين الجمعيات والنقابات والروابط والتنظيمات الصحفية العربية وخلق فضاء للتعاون في مختلف الميادين الإعلامية والصحفية.
ولتكن هذه المناسبة فرصة لنا جميعا للاستفادة من تجربة "جمعية الصحفيين العمانية" الرائدة والاستفادة من معين تجربتها التنظيمية والعلمية ونقل خبراتها المهنية لأشقائها بالبلدان والأقطار العربية والاستزادة من معارف كادرها البشري، لنخطو في منطقتنا العربية بخطوات جادة وحاسمة إلى واقع أفضل نحو مزيد من الرقي والتقدم.