يُخلّد الأمريكيون يوم الرابع من يوليو - كل عام - ذكرى إعلان استقلال بلادهم عن بريطانيا (إعلان استقلال الولايات الثلاثة عشرة الأولى سنة: 1776)، و يبلغ عدد سكان الولايات المتحدة: 327 مليونا (حسب إحصائيات "مكتب الإحصاء الأمريكي - يناير 2018) مِن بينهم 3.3 مليون مسلم (طبقا لتقديرات مركز "بيو للأبحاث"، و7 ملايين طبقا لتقديرات منظمات إسلامية عديدة) ومِن بَين هؤلاء آلاف من أصول موريتانية.
وبالنسبة للموريتانيين الحاصلين على الجنسية الأمريكية فإنهم يعانون من إشكالية قانونية في بلدهم الأصلي تتعلق بإجراءات وشروط الحصول على ازدواجية الجنسية، وتكاليف التأشيرة والإقامة - في حالة عدم حصولهم على هذه الازدواجية -.
مفهوم الازدواجية و مشروعيتها:
ويعني مصطلح "ازدواجية الجنسية" أن شخصا ما: "مواطن في بلدين، ويتمتع بنفس الحقوق وتجب عليه نفس الواجبات في كلا البلدين في الوقت نفسه"، وتختلف الدول في قبولها لتعدد الجنسية، و بالنسبة لموريتانيا فقد ظل الأمر ممنوعا حتى وقت قريب؛ فقد نَصّ القانون رقم: 112/61 الصادر بتاريخ: 12 يونيو 1961 والمتضمن لقانون الجنسية الموريتانية على منع تعدد الجنسية، بل إنه في بابه الرابع والمتعلق بفقدان الجنسية والتجريد منها - وفي مادته الثلاثين (المعدّلَة بالقانون: 37/010 الصادر بتاريخ: 23 - 10 - 1973) يجعل الحصول على جنسية أخرى سببا لإسقاط الجنسية الموريتانية حيث ينصّ على أنه: "يفقد الجنسية الموريتانية:
1 - الموريتاني البالغ الذي حمل ولا يزال يحمل جنسيته الأصلية.
2 - الموريتاني البالغ الذي اكتسب جنسية أجنبية".
لكنه نص في المادة الموالية (المادة: 31) على أنه: "يمكن أن يُرخَّصَ للموريتاني الحاصل على الجنسية الأجنبية - حتى و لو كان قاصرا - أن يحتفظ بالجنسية الموريتانية، ويُمنَحُ هذا الترخيص بموجب مرسوم".
وقد نصّ القانون رقم: 2010/023 الصادر بتاريخ: 11 فبراير 2010 والذي يُلغي ويَحل محلّ بعض أحكام القانون رقم: 61/112 - المشار إليه آنفا - المعدّل والمتضمن مدونة الجنسية الموريتانية - في مادته الواحدة والثلاثين (جديدة) على أنه: "يمكن لموريتاني بالغ، ويتوفر على جنسية أجنبية أن يُرَخَّص له - بناءً على طلبه - بالاحتفاظ بالجنسية الموريتانية، ويُمنَحُ هذا الترخيص بموجب مرسوم".
ورغم كل التعديلات والتحسينات على موضوع ازدواجية الجنسية إلا أنه لا تزال ثمّة عوائق عديدة تتعلق بإجراءات وشروط المرسوم الْمُجيز للاحتفاظ بالجنسية الأصلية، والتي تبدأ من وزارة العدل، وتنتهي بالرئاسة - مرورا بالإدارة العامة النشر والتوزيع والترجمة في الوزارة الأولى (الجريدة الرسمية)، وكل هذه المؤسسات الثلاثة لا بد أن "تؤشّر" وتوافق على الطلب.
الازدواجية في منح ومنع "الإزدواجية":
رغم أن البعض يُرجع قرار منع ازدواجية الجنسية لأسباب وطنية تتعلق بالحفاظ على هوية البلد واستقلاله و ضمان الولاء له في وجه أطماع بعض الدول المجاورة وغيرها، والتي رفضت استقلال موريتانيا واعتبرتها جزءا منها، و/ أو طالبت بها، إلا أنه منذ فجر الاستقلال ظلّ المسؤولون الرسميون يحملون جنسيات وجوازات سفر أجنبية، ويتمتعون بما تمنحه هذه الجنسيات والجوازات من امتيازات، وفي مقدمة هؤلاء الرئيس المؤسس: المختار ولد داداه - رحمه الله - وأفراد عائلته، وقد يكون عذر المختار - رحمه الله - أنه حصل على الجنسية الفرنسية قبل الاستقلال، لكن رؤساء ومسؤولين آخرين ظلوا - ولا يزالون - يتمتعون بهذه الجنسيات حتى هذه اللحظة - مع منع غيرهم - من هذا "الامتياز".
وفي هذا الإطار يجدر التنبيه إلى ذكر بعض الأفراد الذين عُرف عنهم الحصول على جنسيات أجنبية مع رئاستهم للبلاد أو للحكومة أو شغلهم لمناصب سامية أو ارتباطهم ببعض هؤلاء، ومن بينهم - على سبيل المثال لا الحصر -:
1 - الرئيس (المؤقت) السابق: با امباري - رحمه الله - وهو حاصل على الجنسية الفرنسية.
2 - الوزير الأول السابق: الدكتور مولاي ولد محمد لقظف، وهو حاصل على الجنسية البلجيكية.
3 - الوزير الأول الحالي: المهندس يحي ولد حد أمين، وهو حاصل على الجنسية الكندية.
4 - الدكتور محمد محمود ولد محمدو: وزير خارجية الانقلاب (2008 - 2009)، وابن عّم الرئيس عزيز، وهو حاصل على الجنسية الأمريكية.
5 - أفراد عائلة الرئيس الحالي: محمد ولد عبد العزيز، وهم حاصلون على الجنسية المغربية (بشكل طبيعي).
وكما أوضحتُ - سابقا - فإن القانون الجديد ينص على أنه يتم منح ازدواجية الجنسية بمرسوم إلا أن ذلك قد يتطلب عدة سنوات، وهناك تمييز واضح و"ازدواجية" في منح هذه "الازدواجية"!! حيث يَحْصُل عليها البعض ممن لهم علاقة بـ"السلطة" في وقت وجيز، بينما يتطلب الأمر سنوات بالنسبة للمواطنيين البسطاء، والذين يحتاجون إلى وساطات حتى يحصلوا على القرار!!.
وبالنسبة لي فقد أكملتُ إجراءات طلبي، وتابعتُ الملف لأكثر من ثلاث سنوات عند وزارة العدل (مصلحة الجنسية بإدارة الشؤون المدنية والختم، والأمانة العامة للوزارة) والتقيت يوم: 14 يوليو 2015 بوزير العدل السابق - الأستاذ إبراهيم ولد داداه في مكتبه حول الملف، ولم يتم توقيع المرسوم إلا بعد ثلاث سنوات وسبعة أشهر وتسعة أيام - وبعد جهود مضنية -!!.
بين أمريكا و موريتانيا:
تحدثتُ سابقا عن ازدواجية الجنسية بالنسبة لموريتانيا، أما بالنسبة للولايات المتحدة فإن الحكومة الأمريكية لا تَعتَرف - رسميا - بازدواجية الجنسية، ولكنها - مع ذلك - وبحسب خبراء قانونيين - لم تتخذ أي موقف - سياسي أو قانوني - ضدها، ولم يفقد أي مواطن أمريكي جنسيته بسبب حصوله على جنسية أخرى أو احتفاظه بها، حتى ولو سافر بجواز سفر آخر- غير الأمريكي - أو صوّت في انتخابات في بلد آخر، أو ترشّح لمنصب عمومي أو تقلّده (مع استثناءات محدودة كالعمل في جيش دولة معادية للولايات المتحدة، أو الخيانة العظمى، أو التآمر ضد الحكومة...).
ومع أن القانون الموريتاني لم يَعُدْ يمنع مَنْحَ ازدواجية الجنسية إلا أن إجراءات الحصول عليها - بالنسبة لمعظم الناس - معقّدة وبطيئة، وهم يتأثّرون - سلبا - بتأخّر صدور المرسوم الْمُبِيح للازدواجية، ولهذا التأخر آثار اقتصادية وقانونية كثيرة.
آثار منع ازدواجية الجنسية:
بالنسبة للموريتانينين الحاملين لجنسية أجنبية - ممّنْ لم يصدر لهم "مرسوم الازدواجية" - فإنه يجب عليهم دفع تكاليف تأشيرة دخول البلاد عن أنفسهم وعن كل فرد من أفراد عائلاتهم - حتى و لو كان رضيعا!!! وهذه التأشيرة صالحة لمدة ثلاثين يوما فقط، وإذا زاد الانسان على هذه الفترة فإنه يجب عليه دفع تكاليف تأشيرة خروج - ولا يُسمَح له بركوب الطائرة ولا المغادرة بدونها -، وقد دفعتُ تكاليف سبع تأشيرات (بين مارس 2015 وأكتوبر 2017) منها ثلاث في العام الماضي وحده (تأشيرتان للدخول، وواحدة للخروج!!).
وقد كانتْ تكلفة التأشيرة بالنسبة لحاملي الجوازات الأوروبية والأمريكية 130 دولارا، أو 120 يورو لمدة ثلاثين يوما عن كل فرد، وتم نقصها - ابتداء من فاتح دجمبر 2016 - إلى خمسة وخمسين دولارا أو خمسين يورو - وذلك بعد ما طلب سكان أطار من الرئيس عزيز- أثناء زيارته لهم - هذا التخفيض لأن غلاء تكلفة التأشيرة أدّى إلى نقص عدد السواح الغربيين!!؟
ولا تزالُ هذه التكاليف الباهظة تَحولُ دون زيارة وعودة بعض المواطنين الموريتانيين في أوروبا و أمريكا - من حاملي الجوازات الغربية - وهو ما يتطلب الإسراع في منح مراسيم "الاحتفاظ" بالجنسية - بعد اكتمال الإجراءات المطلوبة - أو إعفاء المواطنين الموريتانيين من الحاملين لهذه الجوازات - وأفراد عائلاتهم - من تكاليف التأشيرة.
زيادةً على ما سلف، فإنه ينبغي منح حوافز ضريبية ومالية لهؤلاء المغتربين من أجل تسهيل عودتهم وارتباطهم بالبلد كي يشاركوا في بنائه اقتصاديا وعلميا وسياسيا... كما تفعل بعض الدول الأخرى (المغرب مثلا...).
وقبل الختام يجدر التنبيه إلى أنه يوجد أكثر من تسعين بلدا يمنح ازدواجية الجنسية ويَقْبَلُ بها، وبحسب بعض دارسي ظاهرة الهجرة والاستيطان فإنه يوجَدُ ملايين الأشخاص - في الوقت الحالي - ممن يتمتعون بازدواجية الجنسية، وأَن هذا الرقم يزداد بسرعة بسبب انتقال الأفراد وعملهم وزواجهم -في بلدان غير بلدانهم الأصلية - وبسبب عدد المواليد الجُدد - في بلدان غير بلدان آبائهم (بالنسبة للدول التي تمنح الجنسية - بشكل طبيعي - لكل مولودٍ فيها باستثناء أبناء السلك الدبلوماسي - كأمريكا مثلا -) وهو ما يعني أنه يجب على بلادنا - موريتانيا - أن تضمنَ حقوقَ وكرامةَ مواطنيها الأصليين - الحاصلين على جنسيات أجنبية - وتسارعَ في منحهم مراسيمَ الاحتفاظِ بالجنسية بعد اكتمال الاجراءات الضرورية - حتى يسهلَ عليهم العودةُ للبلاد أو السفر المستمر إليها والتواصل مع بقية المواطنين ممّا يُحقّقُ التنميةَ ويعود بالنفع العميم على البلاد وأهلها.

.gif)
.gif)













.png)