على مدار الساعة

التكوين المهني... أي مستقبل في ظل إستراتيجية النمو المتسارع والرفاه المشترك SCAPP؟

10 فبراير, 2018 - 02:10
المهندس: الهيبة سيد الخير

اعتمدت بلادنا مؤخرا، إستراتيجية وطنية للنمو المتسارع والرفاه المشترك، لتحل محل الإطار الإستراتيجي لمحاربة الفقر، وتعد هذه الإستراتيجية بمثابة رؤية شاملة لما ستكون عليه أوضاع البلاد التنموية خلال 15 سنة القادمة، وتعتمد هذه الإستراتيجية على ثلاث رافعات هي:

- تحفيز النمو القوي المستدام والشامل؛

- تطوير الموارد البشرية وتسهيل الولوج للخدمات الاجتماعية الأساسية؛

- تدعيم الحكامة بكافة صورها، وقد أولت تلك الرؤية أهمية خاصة للتكوين المهني، حيث اعتبرته مكونا أساسيا لرافعة تطوير الموارد البشرية.

 

يعد التكوين المهني قطاعا فرعيا هاما في اقتصاديات الدول، وقد أكدت التجارب المستقاة من كل بقاع الأرض، أنه رافعة أساسية لدمج الاقتصاديات الوطنية في الاقتصاد العالمي، وذلك عن طريق توفير تكوين نوعي للقوي العاملة، مما يتيح تنافسية للشركات الوطنية وجذب المستثمرين.

 

يعتبر التكوين المهني مروحة فعّالة للتوزيع العادل والمنصف للثروة، خصوصا للفئات الأقل حظا، باعتبار أنه يستهدف جمهورا تغلب عليه الهشاشة، كما أنه يعتبر استثمارا قصير الأجل، بالمقارنة مع طرائق بناء القوى العاملة الأخرى، مما يتيح فرصة للمناورة من جهة، وإمكانية الاستجابة للمطالبات الاجتماعية المستعجلة من جهة أخرى.

 

إن التكوين المهني هو أقصر طريق لتوفير فرص العمل لجمهور واسع من قوى المجتمع الباحثة عن فرص عمل، كما أنه أداة قوية لتحسين أداء العمال، وزيادة إنتاجيتهم وبالتالي محافظتهم على مواطن شغلهم.

 

تشخيص SCAPP لواقع التكوين المهني

تناولت الإستراتيجية واقع التكوين المهني بعجالة، لتذكر بعض الأرقام الصماء مثل عدد المراكز وعدد المنخرطين في المنظومة والبالغ عددهم 7062 برسم سنة 2014، وبواقع نمو سنوي قدره 15%، إلا أن عدد المنخرطين في المنظومة تراجع بالرغم من ذلك، مقارنة بأعداد طلاب التعليم الثانوي، الأمر الذي أرجعته الإستراتيجية إلى ضعف آلية التوجيه واعتمادها على التسرب المدرسي، بدل جذب المتفوقين، واعتبرت أن إنشاء شعب فنية في كل ولايات الوطن جاء استجابة لتلك المشكلة، بالرغم من وجود بعض المعوقات مثل قلة الأساتذة.

 

ما لم تقله رؤية SCAPP

نقاط ضعف القطاع

يعاني القطاع من اختلالات كبيرة، فهو عاجز عن تقديم المهارات الفنية والمهنية الملائمة لقوى المجتمع العاملة، وتحسين أدائها، كما أنه عاجز عن إمداد الباحثين عن العمل بالكفاءات المهنية الضرورية للولوج لسوق العمل ويعود ذلك في الأساس إلى:

- غياب إستراتيجية شاملة للمنظومة، بالرغم من أن إعدادها وصل مراحل متقدمة، لكنها وُضعت في الدرج بمجرد تغيير من قام بمبادرة إعدادها؛

- ضعف تخطيط المنظومة، ويتجلى ذلك في إهمالها لقطاعات حيوية هامة، كقطاع التنمية الحيوانية، وغياب التغذية الرجعية feedback، فالمنظومة اكتشفت مثلا بعد عقدين من الزمن وبالصدفة تبخر خريجي قطاع الصيد؛

- ضعف استشراف المستقبل، حيث تعجز المنظومة عن مواكبة الأشغال الكبرى في البلد، مما يسبب فقدان فرص عمل ثمينة كالطفرة الأخيرة في الحوض المنجمي؛

- ضعف التدبير والحكومة في مؤسسات التكوين وهجرة الكفاءات؛

- قلة تنوع أنماط التكوين وخصوصا التكوين المستمر؛

- إهمال احتياجات القطاع غير المصنف المشغل الأكبر للقوى المجتمعية في بلادنا وبلدان جنوب الصحراء؛

- الفشل في مواءمة التكوين المهني لحاجات الشرائح الاجتماعية، مما يفسر عزوف البعض عن مهن بعينها، في حين يمكن بسهولة تقبلها من فئات أخرى بشرط اتخاذ بعض التدابير المساعدة.

 

نقاط قوة القطاع

- توفر إرادة سياسية جادة لتطوير القطاع ومؤمنة بدوره في تطوير الاقتصاد الوطني؛

- ارتفاع إقبال الشباب للولوج للقطاع؛

- توفر منظومة بيداغوجية ديناميكية؛

- توفر بني تحتية هامة مع وجود معدات ومعينات تربوية في العديد من المراكز؛

- توفر نواة لطاقم تربوي مدرب باستطاعته أن ينقل المهارات بيسر إن تم تحفيزه.

        

آفاق تطور القطاع في ظل SCAPP

لقد أولت الإستراتيجية عناية كبيرة لقطاع التكوين الفني والمهني، حيث اعتبرته رافعة لتطوير رأس المال البشري الوطني، كما سعت لجعله تكوينا عالي الجودة، ويستجيب لحاجات سوق العمل، ووضعت أهدافا طموحة لزيادة الطاقة الاستيعابية لكي تتضاعف ثلاث مرات، وتوفير تكوين مستمر وتأهيلي لـ80000 عاملا وباحثا عن العمل.

 

تضمنت خطة العمل للخمسية الأولى للإستراتيجية إنشاء 13 مركزا جديدا في عواصم الولايات، ومركزين لذوي الاحتياجات الخاصة، وأربعة مراكز لتكوين المكونين، ومشروع لترقية أنماط التكوين التي تستند إلى دور الشركات في نقل المعارف، وقد قُدرت التكاليف المالية للخمسية الأولي بثمانية مليارات من الأوقية الجديدة.

 

لقد وضعت SCAPP أهدافا طموحة لتطوير قطاع التكوين الفني والمهني، ورصدت أموالا معتبرة، لكن كل ذلك لا يكفي لوحده لتجسيد تلك الأهداف على أرض الواقع، ويأتي الدور الآن على الوزارة الوصية للاستفادة من تلك العناية الكبيرة ويكون ذلك بما يلي:

- بلورة إستراتيجية وطنية لترقية التكوين الفني والمهني تجسد رؤية SCAPP، وتكون نابعة من تشخيص دقيق وشجاع لمشاكل القطاع، وتحديد منابع القوة، وتقترح حلولا أكثر واقعية، لتلافي النواقص وقلة الحرفية التي اتسمت بها بعض مقترحات SCAPP؛

- العمل على تفعيل مقترح تحويل ضريبة التمهين إلى صندوق ترقية التكوين المهني بأسرع ما يمكن؛

- وضع خريطة للمهن تعتمد على التقبل المجتمعي للمهن تكون من محددات عرض منظومة التكوين؛

- السعي لاعتماد مقاربة programme- contrat كأداة للحكامة مما سيمكن من تخفيف الكلفة وترشيد وعقلنة الموارد.

 

وفي انتظار بلورة تلك الإستراتيجية تبقي رؤية SCAPP لتطوير التكوين المهني مجرد حلم جميل.