على مدار الساعة

ملامح الجمهورية الثالثة ورقصة لص البيت؟!

9 فبراير, 2018 - 13:19
د / محمد المختار ديه الشنقيطي

لست أدري على أي خشبة من خشبات مسرح مأساتنا يمثل الآن ويرقص على جراحنا رسل الدولة العميقة والمبشرين بالجمهورية الثالثة، ما أعرف بعضا منه وليس على وجه الدقة واليقين هو أن أعضاء لجنة تفعيل الحزب من أجل المأمورية الثالثة يتشكلون من أبرز أركان الدولة العميقة والمؤمنين بحتمية المأمورية الثالثة وأنهم يحلمون وينوون التبشير بتبني برنامج شديد الاختلاف في أهداف أصحابه وأسباب حضور أهله، لكنه شديد التجانس في آليات وأهداف وشعور أصحابه، فهم في المعلن من الوسائل والأهداف وما يظهر من الحال يمثلون وعلى مستوى التركيب وكأنهم مجتمع واحد اجتمع ليقلب مشاكله، ويقيس فيها هموم الخيبة أو حظوظ النجاح.

 

يقول الفيلسوف الفرنسي (ميترنيك) (الحكم هو التنبؤ) والمفكر الجزائري مالك بن نبي يقول(إن الديماغوجية لا تترك مجالا للتنبؤات).

 

طبيعة الحاكم عندنا أنهم في الغالب يميلون إلى خداع الرأي المنتشي، أكثر مما يميلون إلى تنويره على صعوبات المرحلة الجديدة ما بعد التعديلات وما تبع ذلك من معطيات وظروف حرجة، وعلى ما يبدو أن الحكام لم يكونوا يفكرون ولا يتوقعون تلك النتائج حتى يستعدوا لمجابهتها باليقظة الضرورية والإجراءات السياسية المطلوبة، فبكل سذاجة وجهل تركوا كل النوافذ مفتوحة، بل فتحوا نوافذ أخرى، وبالأخص، على جميع الجبهات السياسية والأيديولوجية التي كانت مقوماتها الحضارية محفوظة وصلبة وغير منقوصة حتى تلك التعديلات اللا ضرورية!

 

لا شك ولا ريب أن شياطين أجهزة الدولة العميقة في السياسة عندنا يلعبون بنا لعبة تسلى حتى يرون كيف ندخل في جحورنا الصغيرة عند أول صفارة إنذار توجه لنا..

 

والثابت يقينا بالممارسة السياسية والألاعيب الإدارية أن اللعبة ليست بريئة براءة ألعاب الأطفال كلا إنما هي لعبة تكتيك، وتقنية، بل إنها لعبة سياسية خبيثة وماكرة تستهدف وعينا وتثبيط عزائمنا.

 

ومن رزقه الله شيئا من الفطنة السياسية والحس السليم سيكتشف ودون عناء أن رسل ومخابرات أجهزة الدولة العميقة يعزفون على آلاتهم عزفا يوجه المواطنين العاديين نحو الضياع والتفكك والانحلال في القيم وحصون المجتمع ومؤسسات حمايته ومنعته، إنه عزف يسحر حتى البلاهة، حتى النشوة، حتى الفناء، لتغيب عوامل الوعي وخلق أسباب القدرة ومراكز التأثير؟

 

وما لم تتمكن نخبة المجتمع ومسؤولي الريادة والقيادة وحتى المواطن العادي من التطهر من رجس سحر تلك الموسيقى وذلك العزف السياسي والصوت الخبيث العليل، فلن ينصلح حالنا، ولن نخرج من دائرة تلك السخرية الشنيعة التي تهيمن على مصائرنا، وقيود الجهل وأغلال التخلف التي تكبلنا، وسنظل نرقص وبلاوعي على الطبول  التي يقرعها أبالسة الدولة العميقة سر بلائنا ومظاهر تخلفنا ؟

 

لا شك ولا ريب أن المواطن العادي مصاب بعقدة الخوف، ومكبل بقيود التردد، ومظاهر العجز عن الحركة والإقدام وهو يرى ما يحل بأولئك الذين لم يريدوا أن يعيروا  آذانهم لتلك الموسيقى، والذين قرروا بمحض وعيهم وحاجتهم أن يستمعوا إلى أغانيهم الخاصة بحاجتهم ووعيهم، أولئك الذين يفكرون ويتكلمون عن حتمية وضرورات التغير، وعن واقع التطورات، ولوازم الإصلاحات، أولئك الذين شرعوا يفكرون ويعملون ويخططون لتغير الأحوال، ويطالبون بأشكال جديدة، وبيانات جديدة، وخطى نحو الأمام جديدة؟.

 

وقد أعلنوا أنهم غير مستعدين للتوافق والتعايش مع تلك الأنماط من الفساد والاستبداد وأنماط التخلف، وذلك المستنقع الآسن من الجهالة والعسكرة والجهوية والقبلية، وأنهم يبحثون ويريدون قدرا من الطهارة والاستقامة والنظام والحركة والعمل في المجتمع ومؤسسات الدولة؟

 

رسل الدولة العميقة وأجهزة الحكم فيها تنذر جهارا نهارا كل مغرد خارج سربها بما مفاده بلغة العسكر ومنطق الاستبداد أنه محرم الاقتراب من كرسي الحكم وممنوع كذلك الاقتراب من المال والثروة ومراكز القوة والنفوذ، وأنغام العزف الموسيقي العسكري تقول كلمات نشيدها الملحن ما عليك إن كنت تريد الاقتراب إلا أن تكون مؤمنا بالمأمورية الثالثة وقابلا للتعايش مع أدوات الحكم الفساد وثقافة الانحلال والإخلال بالواجبات، فالنظام لا يريد لك من الخير أو الشر أكثر من ذلك، وهو يقول لك بلسان الحال تعفن بهدوء!

 

ولا تسمعنا صوتك ولا حاجتك، فالاستديو مليء بالأحلام والكوابيس، ولا حاجة لإزعاج الناس الذين أريد لهم أن يتمتعوا بالحياة الناعمة في الداخل أو الخارج وأولئك الذين أسعفهم الحظ ببعض دكاكين أمل، وأشرطة الكيلو مترات من الطرق المسفلتة على غير المقاييس العلمية واعتبار ذلك أهم الانجازات الدعائية والمشاريع التي نحسن بها الجو الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي ! ولتُغِمد إرادتنا الضعيفة أصلا بعد ذلك في جيوبنا، أو في رؤوسنا، أو حيث نشاء أو لا نشاء !

 

في الحقيقة والواقع أن رسل وأجهزة ولجان الدولة العميقة يمتلكون عن المواطن والمغردون خارج الدائرة من المعلومة والقدرة على التأثير والتوجيه أكثر بكثير من ما يمتلكون هم عن نفوسهم، وهم يكيفون برامجهم وخططهم في موسيقاهم وفقا لوعينا وانفعالاتنا، وعقدنا وواقعنا ونفسيتنا وقدرتنا على الفعل وتأثير ؟!

 

إنهم يعرفون ويدركون مثلا أننا اتجاههم لا نفعل، وإنما ننفعل، وهم عندما يكونوا قد دخلوا في مرحلة التفكير في تحديات ومشاكل الغد، في الحفر الموحلة التي يريدون لنا أن نقع فيها ونظل ندور في فلكها، ونحن لا زلنا نئن تحت قيود ذلك الواقع الذي صنعوه لنا، ومستغرقين في التفكير في مشاكل الأمس التي أنتجوها لنا، وفي كيفية الخروج والتخلص من تلك الحفر التي حفروها لنا أوقعونا فيها فعلا؟.