على مدار الساعة

المحاصصة ليست الحل لكن المغابنة أنكى! (ح: 2)

16 يناير, 2018 - 00:57
الأستاذ سيد المختار علي

تحدثت سابقا عن ضرورة تجاوز عتبة الدين بخصوص الاسترقاق، فنزع غطاء الدين يجعل المستغلين له في عراء وتحت وهج شمس الحقيقة اللافح وبعد ذلك أو بالتزامن معه نحاول تجاوز العتبة الثانية:

 

2 - العتبة الاقتصادية: تكتسي العوامل الاقتصادية في حياة الأفراد والجماعات والأمم أدورا غنية عن البيان لدرجة ذهب البعض إلى أن الاقتصاد وعلاقات الإنتاج هي محرك عجلة التاريخ وأن البنية الفوقية امتداد للبنية التحتية، وبغض النظر عن تقيم نظريات ماركس وغيره فإن الواقع العياني يمدنا بشواهد دامغة مفادها أنه في الحاجة تكمن الحرية فمن لا يملك حاجته فهو عبد لمن يملك تلك الحاجة ومصيره بين يديه ولن تتحقق الحاجة إلا عبر العمل والممارسة ومغالبة الطبيعة فهل كان هذا المكون قعودا فأبطأ به عمله؟! إذا عدنا إلى تاريخ شريحة الحراطين الأماجد وجدنا أنهم كانوا أسيادا ووسطاء مؤتمنين بيننا وبين الطبيعة حيث استطاعوا قهرها وتذليلها وأنسنتها لصالح الجميع فأصبحوا في الواقع سادة وأصبح السادة عبيدا أو عبيدا للعبيد تلكم استتباعات جدلية العبد والسيد عند هيجل ونحن لا نستحي من الحقيقية ولا من أي إناء نضحت فالحق لا جنسية له.

 

إن تلك الإمبراطوريات المالية وليدة فائض القيمة المتأتي من عرق جبين الطبقة الكادحة المستعبدة والتي سيظل دورها محفورا في ذاكرة التاريخ رغم أنوف العتاة والظلمة.

 

الشعر رغم سياطهم وسجونهم  مَلكٌ .. وهم أبوابه حُجاب

يتهكمون على النبيذ معتقا وهم على سطح النبيذ ذبابُ

 

وخروجا من الماضي وانغماسا في الحاضر أرى أن المعالجة الاقتصادية ملحة وضاغطة وينبغي القيام بمسح شامل فوري وجدي - وليس بمسرحي - لجيوب الفقر وتحديد بؤره وإنشاء لجان متخصصة بمشاركة أطر وسياسين وحقوقيين من هذه الشريحة مدعومة بأرصدة مالية معتبرة ترسم خطة عمل قابلة للتطبيق بآجال محددة تعود بالريع المباشر والنفع العاجل لهؤلاء بعيدا عن دوافع الاستهلاك السياسي أو الحقوقي وتكون هناك هيأة مراقبة مستقلة غير حكومية تسدد وترشد وتوجه.

 

ويجب على السلطة خلق رجال أعمال من هذه الشريحة ومشاركتهم في الوظائف السامية، فما دامت الكفاءة ليست معيارا لتولي الشأن العام، فلتكن الأكثرية العددية معيارا في إطار دولة تدعى الديمقراطية!.

 

إن تمثيل هذه الشريحة في الحكومة والوظائف السامية الحالية لا يدل على جدية العناوين المرفوعة، وإنما يدل على تصامم النظام وتشاغله عن هذه القضية المحورية فلو كان ثلث الحكومة وثلث الوظائف السامية بيد هذه الشريحة لما عد ذلك بالنسبة لي محاصصة لأن حجم وحضور هذه الشريحة أكبر، وأعظم بكثير، وأود هنا أن أشير إلى أننا كثيرا ما تجنبنا عبارة المحاصصة نظرا لسلبية دلالتها وخوفا من مآلاتها فعندما نتحدث عنها يخيل إلينا أننا بصدد تفتيت الوطن – لا قدر الله - إلى قطع يأخذ كل فصيل منها نصيبه ونحن محقون في هذا الهواجس المدفوعة بفعل العاطفة، ولو تأملنا في الأمر بتعقل لأتضح لنا أن الحديث عن الوطن بوصفه كلا يتضمن بشكل لازم الاعتراف بالأجزاء فالكل مركب ولا يتقوم المركب إلا بأجزائه، فنحن نهرب من هذه اللفظة ونقوم بترحيل مضمونها إلى كلمة أخرى أكثر مهادنة ومسالمة في الظاهر فنقول لا بد أن تشكل الحكومة على أساس توازنات ونطمئن لهذه الكلمة المخاتلة الماكرة، إن هذه الكلمة تعني أن الجسم أو السلطة لا يمكن أن توجد أو يقر لها قرار إلا إذا كانت مبنية على توازنات، فإذا فقد الجسم "السلطة" التوازن أنهار وسقط، وهذا يعني أن التوازنات هي أساس وقيومية استمرار السلطة، وإذا عمقنا التفكير وحاولنا انتهاك حرمة كلمة التوازنات وقمنا بجولة في دهاليزها ومنعرجاتها وتساءلنا ما الذي يقصد بالتوازنات؟! ومن يوازن من؟! انتهينا إلى أنها تعني بكل بساطة مشاركة القوى الفاعلة في كعكعة السلطة سواء كان ذلك على مستوى الشرائح أو الجهات أو القوميات بالشكل الذي يضمن للسلطة ولاء كل أهل الشوكة.

 

وهكذا تبدو لنا التوازنات سافرة من حلها وحللها ومن براءتها ومن عذوبتها وبذلك نكون قد أخرجنا كلمة المحاصصة من النافذة وأعدناها من الباب وبكل مفاعيلها. ولا أود أن أقول إن كلمة المحاصصة ذات إيحاء عددي حصري مما قد يرعب البعض فيحتمي – لا شعوريا - بلفظة أكثر ضبابية وقابلية للتمويه والتورية تكتيكا وشراء للوقت و الله أعلم.

 ويبدو لى أن مصطلح التميز الايجابي – الذي يعود إلى الفيلسوف الأمريكي جون رولز في كتابه "نظرية العدالة" الصادر 1971 - أكثر لطافة ودلالة معا حيث يشي بأن هناك امتيازات خارج الحقوق الطبيعية العادية تم منحها ويشكل هذا المنح نوعا ما من التعويض من جهة والاعتراف بسالف الفعل القادح من جهة أخرى وتلك ترضية واعتذار وإن كان غير منطوق. وإذا كان ما من سبيل لحل هذا الإشكال بشكل سريع فالمواكلة أولى من المغابنة. !!

 

- يتواصل  إن شاء الله –