على مدار الساعة

للإصلاح كلمة تعالج التعايش الدنيوي بين ديمقراطية موريتانيا وإسلامها

7 نوفمبر, 2017 - 23:38
محمدو بن البار - الحلقة الثانية - 07 - 11 - 2017 

كلمة الإصلاح مازالت تـتابع معالجة العنوان وهو هذا التعايش الدنيوي بين ديمقراطية موريتانيا وإسلامها وكانت قد وقفت في حلقتها الأولى من هذا التعايش على ضرب مثل يعرفه الجميع ألا وهو: إجراء الاستـفـتاء على بعض مواد الدستور في الآونة الأخيرة، حيث أوضحت أن المشرفين على الاستفتاء لم يمتـثـلوا أوامر الديمقراطية في الاستفتاءات، بحيث أن لا يؤشر أمام اسم أي مواطن على أنه أدلى بصوته إلا إذا كان فعلا أدلى به فلا نيابة تـلقائيا عن كل من لم يحضر ولكن ما وقع هو أن رؤساء المكاتب قبل يوم الاستـفتاء نشروا أمامهم اللوائح وكل من يعرفوا أنه معارض أشروا أمام اسمه لعزله عن المصوتين أما الباقي فأشـروا أمام أسمائهم على أنهم صوتوا حضروا أم لم يحضروا.

 

وفي نفس الوقت حافظوا في ذلك اليوم على تأدية الصلاة في الجماعة وفي المسجد خاصة والسؤال المطروح: هل هذا التعايش بين المحافظة على الصلاة في الجماعة وفي المسجد كما أمر بذلك الإسلام وفي نفس الوقت القيام بهذا النوع من لاستـفـتاء الذي تسميه المعارضة تزويرا واضحا.

 

ومن المعلوم أن التزوير من أكبر الكبائر في الإسلام وفي قانون الديمقراطية أيضا فهل في اعتـقاد القائم بهذا العمل أن أجر صلاتهم في المسجد سيقابل التزوير في الاستـفتاء ويمحوا ما ترتب عليه من الذنب، أما الديمقراطية فلا تؤاخذ على الذنب إلا في الدنيا بشرط أن لا يكون القاضي هو الخصم، وعلى هذا الأساس فإن هذا قد تـقدم ولكن عـدته في هذه الحلقة الثانية للرد على السؤال.

 

ومن المعلوم أن موريتانيا حتى الآن لم تصدر أي قانون توضح فيه المعادلة بين ذنب الفعل المحرم عند الإسلام والمحرم عند الديمقراطية هل هما يخرجان من مشـكاة واحدة أو بينهما عموم وخصوص كامل أو عموم وخصوص من وجه أو لا علاقة بينهما.

 

وفي اعـتقاد السياسيـين: موالاة ومعارضة ألا دخل للإسلام ولا مؤاخذة عنده في الآخرة أمام الله بين من يقوم بمخالفة قانون الديمقراطية ولو خالفت شرع الله أو هكذا يظهر من أقوالهم وأفعالهم مع أن الله تبارك وتعالى يقول {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء [تجده محضرا كذلك] تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه}.

 

فمن نظر إلى فعل وقول الموالاة والمعارضة يجدهما يقومان في ذلك بدور امرأة العزيز في مصر تماما

فهذه المرأة عندما قامت بمراودة نبي الله يوسف عليه السلام على الفاحشة وهرب عنها ووجدت زوجها فجأة عند الباب وهي تطارد يوسف قالت لزوجها {ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم} فالمرأة أخفت خيانـتها لربها ولزوجها ومحاولتها للفاحشة ورمي البريء ولم تذكر للزوج إلا أن يوسف أراد سوءا منها، فكذلك كل من الموالاة والمعارضة لا يقولون في المواقع وعلى الأثير إلا سوء قول أو فعل الآخر منهما ونعته بأسوأ حالة لا يأذن الله للمسلم أن ينعت بها أخاه المسلم.

 

فمثلا الموالاة لا تـقول عن فعل الرئيس إلا الإيجابيات وتـترك السلبيات لا يمكنها أن تتطرق إليها أبدا ولا تذكر المعارضة إلا بالسلبيات ولا تذكر لها إيجابيات وهي كثيرة ومن أهمها سلمية التحرك الذي أدى ولله الحمد دائما إلى الهدوء والطمأنينة لدى المواطنين، وكذلك فالمعارضة لا تـذكر إيجابيات الرئيس وما أكثرها ومن أهمها أن هذا الرئيس وجد هذه الدولة فوق رؤوس الشعب لتسقط عليه من كل الاتجاهات ومن أهمها خصوص الموريتاني بهويته التي لو كتبنا فيما كان يقع فيها وما طرأ عليها لقبـلت المعارضة المخلصة للوطن قدمي الرئيس، وكذلك لو كتبنا ما كان يحدث من ابتلاع أموال الدولة سواء مرت بالخزينة أو قبل أن تمر بها لفعل المواطنون ذلك التـقـبـيل إلى آخر كل شيء في الدولة تـقريبا.

 

ولكن هل زال كل هذا بحكمة ومساعدة رجال أكفاء وبتواضع للشعب واكتساب روافع قادرة على رفع كل ما يعانيه هذا الشعب من جوع وخوف خاصين به لا تغني عنهما ألسنة الموالاة أي شيء، ففعل هذا الرجل يمكن أن يوصف في الجوع والخوف للشعب بمن أحضر كثيرا من الطعام ليطعم به أسرته ولكن هذا الطعام مازال في الطبخ والرجل مازال يقول لأبنائه الذين يتعاون أمامه من الجوع والخوف سنطعمكم ونؤمنكم إن شاء الله ويمكن أن لا يزول يرددها حتى يذهب.

 

وخلاصة ما تـقدم قريـبا من محاولة التعايش بين الديمقراطية والإسلام في موريتانيا فإن هذه المحاولة لا ذكر لها ولا بحث عنها إلا في الدنيا فليعلم الموريتانيون المسلمون جميعا أن مسميات الموالاة والمعارضة لا تغـني عن السياسي عند موته أي شيء {يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون إلا من رحم الله}.

 

فـتلك المرأة التي أرادت أن تـنكر السوء عن نفسها وتجعله على البريء عندما حصحص الحق علم الجميع أنها هي التي كانت خاطئة، فعندما يتحصحص الحق عند السياسي مواليا أو معارضا فسيعرف أنه كان خاطئا، فالمفارقة بين هذه المرأة وبين كل من الموالاة والمعارضة هو أن المرأة عندما كانت ترمي البريء بالسوء فـقـلبها قد شغف به حبا، وأما الموالاة والمعارضة فقد بدأت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر.

 

وكما أنه قد تـقدم في الحلقة الأولى هذا التعايش بين ديمقراطيتـنا وإسلامنا أنـنا جميعا مسلمون فعليـنا إذن أن نعرض هذه الاخـتلالات الواقعة في سياستـنا واختلافـنا في الديمقراطية عـلينا أن نعرضها على إسلامنا المتجذر فينا ولله الحمد لنعلم هل أمرنا الإسلام بما نـفعل عندما نـخـتـلف، وهل ميز لنا بعضا من الاخـتـلاف لنـتـحاكم عليه فيه وبعضا من الاخـتلاف تركنا أحرارا في الاخـتلاف ولم يأمر بأي شيء فيه.

 

وبالرجوع إلى الآيات القرآنية فسنجـد الجواب الذي سيوضع أمامنا بعد الموت يقول تعالى {وما اخـتـلفـتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنـيــب} "وشيء" هنا بالتعبـير العربي الذي نزل به القرآن "نكرة" ومعلوم أن النكرة في التعبـير العربي تـتـبع أفرادها حتى لا يـبقي شيء إلا ويجب علينا الرجوع فيه إلى حكم الله.

 

ومن هنا أشيـر على كل من أراد الله عليه أن يدخل معمعة السياسة متـلففا بأثواب قوانين الديمقراطية ظنا منه أن الأقوال والأفعال فيها خارجة عن المساءلة في الآخرة فإن ذلك الظن لا يغني من الحق شيء فكل مسلم يعلم أن الله تبارك وتعالى يسجل عليه أقواله وأفعاله مع أنه لا يدري متى يـنـتـهي أجله يقول تعالى {عالم الغيـب والشهادة الكبـير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار له معقبات من يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} أي بأمر الله فمن كان مسلما وهو يعـتـقد صدق هذا القول ولا إيمان إلا باعتـقاد صدقه فعليه أن يخاف عند موته من قوله تعالى {الذين تـتـوافهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنـتم تعملون} فمعرفة سوء القول والفعل لا تـكون إلا من الإسلام لا من غـيـره.

 

فالله هو الذي يقـدر سوء القول والعمل أو عدم سوئهما فالديمقراطية لا تـقدم ولا تؤخر في قضية هذا الإنسان بعد الموت ولا سيما أن الله تبارك وتعالى اعتبر أن أتباع أي قانون أو إجراء يقوم به مخلوق خارج الإسلام، اعتبر أن أتباعه يكون عبادة له وبذلك يعده ربا له كما قال تعالى {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذا الاتخاذ سبـبه أن الكتابيين يأتمرون بأوامر رهبانهم وأحبارهم فيحرمون عليهم الحلال ويحلون لهم الحرام فـتـلك عبادتهم.

 

وبما أن المسلمين أخذوا مكان أحبارهم ورهبانهم ــ الديمقراطية تحلل لهم وتحرم عليهم ـ فـليحذروا أن يكونوا مثـل أهل الكتاب الذين أمرهم الله بعبادته وقد فصلها وحددها لهم ولكن الشيطان أزاغهم عن فعلها كما هي فاخترعوا رهبانية أوغلوا في العبادة فيها من عـند أنفسهم فمنعوا أنفسهم من ما أحل الله وأباحوا لأنفسهم ما حرم الله عليهم ولكنهم أصبحوا يختانون أنفسهم فيما ألزموا به أنفسهم من العبادة غير المطلوبة منهم فوبخهم الله على ذلك بقوله تعالى {ورهبانية ابتـدعوها ما كتبناها عليهم [ولكن فعلوها] ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها}.

 

وكذلك فإن الموريتانيـين استجلبوا الديمقراطية من أهل الكتاب فأقاموا قوانينها مثـل أوامر الإسلام ونواهيه ولكنهم ما رعوها حق رعايتها.

 

فالموالاة في أوروبا لا تعـتقد أن عليها أن تساند الرئيس في كل شيء وأن تحب ما يحب وتـكره ما يكره ولا يعتـقد الرئيس أن معارضته لا حق لها في الحياة ولا مزاولة أي نشاط سياسي لا يرضى عنه هو بل الموالاة في أوروبا هي الفاعلة بعملها وتدخلها المباشر في حياة الدولة ومساندتها للرئيس معناها موافقة عمله بما تعمله هي معه، والهامش المعطى للمعارضة ليس من تحت يد الحكومة ولكنه معطى من طرف القانون وهم يحترمون ذلك العطاء مثـل احترامهم لما يعطيه للموالاة أيـضا.

 

والمعارضة كذلك تكون مراقبة فقط للفساد أو الانحراف عن السير مع ثوابت الدولة وقوانينها وليس معنى المعارضة الكره الشخصي لرئيس الدولة ومعاونيه وإنكار كل إيجابية تـقوم بها الدولة أو وضعها في سياق لم توضع فيه إلى آخره.

 

والدليل على هذا الاخـتلال السياسي الذاتي والمعنوي هو هذا التـنـقل الذي يحدث في السياسيـين فالموالاة كل واحد منها يـبحث عن قريبه المعارض ليرده للموالاة والمعارضة تبحث عن كل منـشق عن الموالاة للانضمام إليها وبذلك كما يشاهد الجميع تدمرت كثير من معنويات الرجال الموريتانيين الذين يتركون قناعتهم بسبـب ضغط أقاربهم للسير في طريق لا يرضونها إما طلبا للمصلحة المادية أو خوفا على ثروتهم إن كانت موجودة.

 

فمعروف أن الإسلام الذي يعـتـنـقه الجميع لا يرضى من الديمقراطية إلا ما وافق أوامره واجتـنب نواهيه

أما هذا حلال وهذا حرام خارج نطاق الإسلام فإنه منكر من القول وزورا على الإسلام وصاحبه سواء كان رئيسا أو موالاة أو معارضة سيقـف أما الله ليسمع منه مباشرة {آلله أذن لكم أم على الله تـفـترون وما ظن الذين يفـترون على الله الكذب يوم القيامة}؟.

 

فالعلماء يعلمون أن الحلال ما أحله الله ولا يؤجر على فعله ولا على تركه إلا إذا صاحبت ذلك نية الفاعـل فهي مكان الثواب والعقاب فيه والحرام ما يعاقب على فعله خالف الديمقراطية أم لم يخالفها.

 

فالله تبارك وتعالى يقول {ولا تـقولوا لما تصف ألسنـتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتـفـتروا على الله الكذب إن الذين يقـتـرون على الله الكذب لا يفـلحون متاع قـليل ولهم عذاب أليم}.

 

فـقول هذا حلال وهذا حرام خارج أوامر الإسلام ونواهيه من أخطر ما يلقي فيه المرأ جزاءه بمجرد موته ولكن الديمقراطية هي محاولة لوضع أحسن حياة للبشر فوق هذه الأرض سواء فيها العلاقة بين السلطة والشعب أو العكس أو معاملة الأفراد فيما بينهم إلا أن خطوطها وضعت بـيـد بشرية وعقـل محدود القدرة ونفس الشيء هو هدف الإسلام وهي الحياة السعيدة الطيـبة للبـشر زائد نفس الحياة الطيبة في الآخرة وبفعـل قادر ومقـتـدر هو الخالق لهذا لإنسان {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبـير} يقول هذا الخالق للبشر {من عمل صالحا من ذكر أو أنـثى وهو مؤمن فـلنحييـنه حياة طيـبة} الخ الآية.

 

وشرط الإيمان هنا يكفي فيه أن يصطحب الإنسان معه النية الصالحة في جميع أقواله وأفعاله سواء كان عنونها الناس بالإسلام أو بالديمقراطية ولكن بشرط أن تكون النية إسلامية فإن كان هناك نص صريح فلا سبـيل لمخالفته وإن كان لا نص وهي الغالبة ففي القواعد الإسلامية العامة إما بنص القرآن أو السنة أو استـنباط أئمة الإسلام وتكون مع ذلك نية الامتـثال الإسلامية موجودة فهناك الخير كله والحق المطلوب تحقيقه في كل شيء وهنا يقول تعالى {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنـتم وكان الله شاكرا عليما}.

             

  يــتــبع إن شاء الله