على مدار الساعة

زيارة روصو.. الامتياز التنموي والقيم السياسية

5 فبراير, 2023 - 13:24
جمال عبد الجليل - مفتش بوزارة المالية

عدت أمس من استقبال رئيس الجمهورية في مدينة روصو، أو لكوارب، تلك المدينة الشاطئية التي اختصرت كثيرا من تاريخ البلاد ومن حاضرها، وكانت وما تزال ريف البلاد، رغم أن كثيرا ممن أثروا من شواطئها وحقولها، طبقوا فيها بحرفية شديدة المثل السائر"خذ خيرها ولا تجعلها وطنا".

 

مرت على ضفاف روصو، وطرقاتها أجيال وأقوام ودرست في مدارسها وثانويتها قامات وطنية متعددة، أثرت من مينائها ومرساها قبائل بل ودول وأمم وتجار، وما زالت روصو رغم كل ما تعاقب عليه من قرون وأجيال صامدة مصرة على العطاء، تنتج كل يوم رزقا واسعا وصبرا جميلا.

 

في روصو.. هذه المرة كانت البلاد على موعد مع متغير تنموي جديد مع الزيارة الرابعة التي أداها فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني إلى هذه المدينة، والتي حملت في كل واحدة منها جديدا تنمويا ورؤية وطنية، وخطابا سياديا موجها غير متشنج.

 

في الجديد المهم ما أعلنه رئيس الجمهورية وما أقره من امتياز تنموي لولاية الترارزة، ولروصو بشكل خاص باعتبارها البوابة التنموية الأسرع نحو الاكتفاء الذاتي في الإنتاج الزراعي، وقد تضمن هذا الامتياز التنموي.

- رفع الجمركة عن الآليات الزراعية: وهو ما يعني دعوة رجال الأعمال والمستثمرين الكبار إلى استيراد كل ما يمكنهم من تطوير المحصول وزيادة جودته، وتسريع إنتاجه،

- رصد 40 مليار أوقية للزراعة في موريتانيا، لزيادة مساحة الإنتاج ورفع مردوديته،

- اقتناء ما بين 200 إلى 300 محراث سيساعد على تسريع وتيرة الحرث والحصاد، وهو ما سيخفض تكلفة ووقت الإنتاج ويضاعف من مردوديته بإذن الله تعالى،

- استحداث آلية لحل معضل ديون التعاونيات والمزارعين، وهي المعضلة التي تداخلت فيها الأبعاد الاقتصادية الطبيعية التي تفرض خسارة على المزارع نتيجة ظروف خارجة عن إرادته، إضافة إلى التربح والاحتيال من القروض الزراعية، أو تلك القروض الهائلة التي عرفتها العشرية وأقيمت بها مصانع ومزارع ضخمة واستيلاء على أراض شاسعة دون وجه قانوني مقنع، وما من شك أن حل هذه المعضلة ومنع تكرارها مستقبلا، سيمكن من تحقيق قفزة نوعية في تطوير مخرجات القطاع الزراعي.

- تطوير زراعة مادة القمح، وبعض المواد الأخرى من خلال التقنيات الحديثة، وهو ما سيوفر للدولة خفضا متواصلا لفاتورة استيراد مواد الدقيق ذات التأثير الكبير في يوميات الأمن الغذائي للبلاد،

- فتح باب التكوين أمام الشباب، وإعادة الاعتبار للتكوين الزراعي والإرشاد والبحث، واكتتاب أطر للقطاع وتوفير الوسائل اللازمة لذلك، وهو ما يعني فتح سوق تشغيل جديدة، لآلاف الشباب من مختلف الفئات والمستويات.

 

إن هذا المسار كفيل بسيرنا الحثيث إلى الاكتفاء الذاتي، وإلى تحقق تعهد وفكرة مركزية في خطاب رئيس الجمهورية وهي الأمن الغذائي، وقد أثبتت السنوات المنصرمة نجاعة ما قام به من جهود، وما حققه من وسائل إنتاج ومن دفاعات تنموية مكنت البلاد من امتصاص الأزمة الغذائية التي أثارتها معضلة كوفيد ونيران الحرب الأوكرانية.

 

كان هذا عن الشق التنموي من الزيارة، والذي لا يمكن وصفه بغير الامتياز التنموي، أما القيم السياسية التي حفل بها خطاب رئيس الجمهورية، فقد كان من أبرزها الصراحة وسعة الصدر، والبعد عن المبالغة، والنفس الوطني الصادق، عندما خاطب المتدخلين الذين خاضوا في الحديث سبلا مختلفة، متسائلا لماذا لم تطرحوا الهم الأكبر بالنسبة لنا وهو معضلة التعليم، مقدما المعطيات الدقيقة للوضعية، والصوت الأكثر وضوحا في التشخيص والأفق الذي سيؤدي بنا إلى تحقيق نهضة تعليمية.

 

لم يضق رئيس الجمهورية بالكلمات المتحمسة ولا العبارات الناقدة، ولم يخاطب المتحدثين متشنجا كما حصل مع رؤساء سابقين، ولم يأمر بقطع البث كما كان يحدث، ولم يقاطع متحدثا كما تعود الناس، بل تحدث بنفس أخوي وبصوت أبوة وحنو على الشعب وفهم عميق بمعضلاته وسعي حثيث للإنجاز.

 

تجدد الزيارة برسوخ، قناعتنا بأن وصول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى السلطة كان تغييرا محوريا في بنية الحكم وفي نمط التفكير السياسي وفي قيم الإدارة، ويؤكد أيضا صدق اختياراتنا السياسية حين أعلناها واضحة دعما للرئيس وهو يعلن خطاب ترشحه الذي مهد به الطريق أمام كل القوى الوطنية المؤمنة بموريتانيا والساعية لخدمتها أن تتناغم وتتكامل ضمن المشروع السياسي لفخامة رئيس الجمهورية، سائلين الله تعالى أن يشد عضده بكل معين على الخير، ناشد للإصلاح  قوي أمين وأن يحقق علي يديه لهذه البلاد من النماء والاستقرار ما يرقى بها إلى حيث يطمح أبناؤها ويرجو قائدها وتوفر مواردها