على مدار الساعة

المفهوم الخطأ.. القراءات الثلاثة المتممة للعشر نموذجا

15 نوفمبر, 2022 - 16:26
محمد يرب بادي

من العجب المحيِّر ما تناقله علماء ثقات وأجلّة أُباةٌ، من تواتر القراءات السبع دون العشر، من غير حجة تفرق بينهما، ولا برهان ساطع بشأن آحادية بعضهما.

وإن هي إلا فلتة حدثت مع ابن مجاهد رحمه الله، من غير قصد ولا ترصد، وما فتئ العلماء ينفضون غبارها، وينفون آثارها، ويوضحون أسرارها ويسبرون أغوارها، ليبوء من شاء بأوزارها عن بينة، من بعدما علم يقينا أخبارها، ورأى تمكن أحبارها بأطوارها وتحريرها وتحبيرها.

يقول تاج الدين ابن السبكي مقررا لصحة تواتر القراءات الثلاثة المتممة للعشر:
القراءات السبع والعشر متواترة كلها معلومة من الدين بالضرورة، لا ينكر ذلك إلا  مكابر، وليس تواتر شيء من ذلك مقصورا على من قرأ بالروايات، بل هي متواترة عند أي مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم.." 
كتاب إتحاف فضلاء البشر ص ٩.

وقال الإمام الزرقاني:
والحق الذي يؤيده الدليل أن القراءات العشر كلها متواترة، وهو الذي عليه المحققون من الأصوليين والقراء، كابن السبكي وابن الجزري والنويري" 
كتاب: مناهل العرفان ١/٤٤١

وقد أجاب ابن النجار  رحمه الله عن تساؤل قديم مفاده : كيف تنحصر أسانيد القراءات في أناس معينين دون غيرهم، فقال رحمه الله:
إن انحصار الأسانيد في طائفة بعينها لا يمنع من مجيء القراءات عن غيرهم، فقد كان يتلقى القراءة من كل بلد عن إمامهم من الصحابة والتابعين الجمُّ الغفير من الناس عن مثلهم، وهكذا قبل ظهور الأيمة العشرة...
كتاب: م ٢/١٢٧

قلت: وقد أحسن شيخ القراء ابن الجزري في تحديده شروط صحة القراءة المتواترة، بقوله في طيبة النشر في القراءات العشر:
فكل ما وافقَ وجه النحوِ ** وكان للرسم احتمالا يحوي
وصح إسنادا هو القرآن ** هذه الثلاثة الأركانُ.
وحيثما يختلّ ركن أثبتِ ** شذوذه لو أنه في السبعة.

هذا، وإن القراء المتممين للعشر (أبا جعفر ويعقوب وخلف) ليسوا بأجانب على رواة السبع، إذ يخرجون معهم من مشكاة واحدة.

فأبو جعفر يزيد بن القعقاع، هو شيخ نافع، ويعقوب صنو أبي عمرو، فهما بَصريان (مصحفهما واحد رسما) 

وخلف البزار، هو الراوي الثاني عن حمزة، وزياداته عليه قليلة، وهي متفرقة في باقي القراءات جلُّها.

 

وقد أحسن ابن الجزري في قوله:
ومنهمُ عشر شموس ظهرا ** ضياؤهم وفي الأنام انتشرا
حتى استمد نور كل بدرِ ** منهم، وعنهم كل نجم دريٍ
وهاهمُ يذكرهمُ بيانيِ ** كل إمام عنه روايانِ.
ولئن كنا نتعجب من قول الإمام العلوي في المراقي:
تواتر السبع عليه أجمعوا ** وليس في القرآن حشو يقع" 

حيث اقتصر على تواتر العشر، خلافا لشيخه تاج الدين السبكي، إلا أننا نشيد بانتصاره للقراءات الثلاثة المتممة للعشر في كتابه "معارج النظر" حيث خصها بالذكر والتفصيل نظما وشرحا.
وقد أهداني هذا الكتاب أحد حفدة الشيخ، أوانَ صدوره لأول مرة 2015 بمدينة شنقيط الأثرية.