على مدار الساعة

الجنة ليست بيدك..!؟

22 مايو, 2022 - 10:53
أمينة بباي عمَّارْ

"لماذا تحتكرون رحمة الله؟" "أنت لست وكيلا عن الله " "مفاتيح الجنة ليست بيدك" "لستم وسطاء عن الله ".. عبارات تتسارع وتيرة تداولها بين أتباع "الإنسانوية" الجدد  "الرحماء" بكل من مات على غير "الإسلام"!.

 

حين أدرك الموتُ "نوال السعداوي" أشرس خصوم "الإسلام" المنكرة للبعث.. اسودت صفحات البعض حدادا وترحما.. ليس حبا في الهالكة وإنما هو استهزاء وتمييع للعقائد تمهيدًا لصناعة جيل مختل عقديًا.

 

يسرف كثيرون في توزيع صكوك "الشهادة" في "مراسم" الوداع الأخير.. فهناك "شهداء" للصحافة و"شهداء" للرأي" و"شهداء" للفن…! ورغم أن "الشهادة" منزلة مخصوصة لها أشراط مفصلة بنص الوحيين، إلا أن أغلب موزعيها لا يؤمنون بقداسة "النص"!

 

وهنا يقع "الإشكال" ويستعر الجدل بين رؤيتين متضادتين لكل منهما منطلقاتها ومفاهيمها وتصوراتها.. عن الكون، والإنسان، والحياة، والموت، والمعنى، والغاية…

 

فاللا ديني حين يجادل في مصائر البشر في الآخرة ويقلد وسام "الشهادة " لمن يشاء!، فهو بذلك يخرق قواعد المنطق ويجحد جوهر معتقده، "فالشهادة" قضية جزئية ينبغي مناقشتها في إطار كلي عقائدي شامل يرفع شعار مركزية الآخرة.. ويرى أن ما قبلها جسر شاهق نسلكه للعبور.

 

إن حديث اللا ديني عن مصطلحات إيمانية خالصة كالشهادة، والرحمة، والمغفرة، والجنة، والنار.. تدق آخر مسمار في نعش المنطق لديه، فمحتوى مقرراته العقدية مستميت في نفي عالم "الآخرة" مجاهر بالتمرد على "الله" وداعيا لبسط نفوذ "الإنسان"، فلدين "الأنسنة" ثوابته وطقوسه "المقدسة" فالخضوع المطلق لسلطة الإنسان أكثر العقائد صلابة لدى معتنقي هذا الدين، فالإنسان هو "السوبرمان" كما بشر بذلك "نبي" الإلحاد "نيتشيه".

 

ومما سبق تقرر عندنا أن الخوض في "نازلة" الشهادة مع اللا دينيين استغفال للعقل والمنطق والشرع.. فالكلام عن مسائل "الدين" عبر أثير اللا دينيين حديث مختال وتمتمة فارغة..، هذا فيما يتعلق بالرؤية المادية واستحالة نقاش المفاهيم الغيبية من منظورها العدمي القاصر.

 

والآن لنقف على أعتاب الرؤية الدينية لطرْق جَرَس المفاهيم عبر أنساقها الناظمة وما ينبثق عن ذلك من تصورات وعقائد.. جازمة بالبعث الأخروي ومتعلقاته: كالرحمة، والعذاب.. المستفيضة في القرآن ببيان وتفصيل.. فهو مصدر الأحكام والشرائع.. الملزم للمسلم وليس الأهواء والمزاج الشخصي..، فالبشر لا يملكون صلاحية تقرير من يستحقون منازل "الشهداء" والنصوص المحكمة صارمة ناطقة بأن الكفر مانع من دخول "الجنة" {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة}، ورغم وضوح النصوص وكونها قطعية الدلالة والثبوت فإننا نجد بعض "المسلمين" ممن تصدع إيمانه بمعاول هدم إلحادية متتالية يرى لنفسه الحق في مساءلة الله عن أفعاله!!.

 

إن الفوز بالجنة ونيل الشهادة يُشْترَط في صاحبه أن يكون مسلما مصدقا برسالة خاتم الأنبياء والرسل محمد -صلى الله عليه وسلم - مستسلما لهيمنة النص الشرعي كشروط مبدئية للحصول على "تذكرة" للجنة، وحتى لو توفرت هذه الشروط فإن الحكم على معين برحمة أو عذاب من اختصاص "الله"، وما ينهمر من سخاء لفظي يبذل "الشهادة " بالمجان منهي عنه ليلا يزكي على الله أحدٌ.

 

والحديث هنا في الرتق الإيماني لمن تجوز في حقهم "الرحمة" و"الشهادة" وحتى هؤلاء لانطلق عليهم لفظ "الشهادة" إلا بدليل.

 

أم العلاء الأنصارية لمّا مات عثمان بن مظعون: السابق للإسلام المتبتل العابد.. زكته قائلة: إني شاهدة أن الله أكرمك، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وما يدريك؟ إني لأرجو له الجنة، ولا أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي..!

 

وقد مثلت بأرفع الطبقات "الصحابة " وأعلاها منزلة "السابقون" فما بالك بمن هو دونهم.

 

وقد تقرر عند العلماء عدم الحكم باستشهاد شخص معين إلا إذا نص الدليل على ذلك كالمجاهد في سبيل الله والغريق وصاحب الهدم.. (قوله لا يقال فلان شهيد، أي على سبيل القطع إلا إن كان بالوحي..)

 

إن تدوين البيانات الشخصية لسكان الجنة - مستقبلا - ليس متاحا لنا كبشر الاطلاع عليه. تلك الجنة الدافق نهرها السائغ لبنها المصفى عسلها.. يراها المؤمن حقيقة يقينية ويظن "الملحد" أنها مجرد أوهام تترجم رغبته في الخلود.

 

وبعد هذا العرض البطيء الكاشف يتضح للقارئ المتبصر .. أن إثارة الجدل في مسألة  "المصائر" شغب يراد به التشكيك في الثوابت وطمس معالم الإسلام كي يُشرَع الباب لاندماج "الأديان" تحت مظلة "الإبراهيمية " الساعية لتحريف "الإسلام"، وإلحاقه بركب الديانات المحرفة.

 

وقد انساق وراء هذا الزيف بعض أصحاب النفوس المنكسرة المبهورة بقيم وحضارة سلطان الثقافة الغالبة، مما يستدعي ترميم الأضرار التي لحقت بكيان "المسلم" وإعادة إنتاج مفعول قوي التأثير لتكوين مناعة عقدية ضد الهجمة المحمومة على الإسلام وثوابته.