على مدار الساعة

مجلة أكاديمية: تمبكتو المدينة المفقودة

17 يونيو, 2012 - 09:57

الأخبار(نواكشوط) ـ بعد أسبوع من الهدم الوحشي هل تختفي المدينة الأسطورة ؟
في أصيل يوم يشبه العشرين من شهر إبريل 1828 " حيث كانت الشمس تميل إلي الغروب كما وصفها الشاب الفرنسي رني كيي الذي كان يخطو بشجاعة إلي مدينة تمبكتو متنكرا في زي العرب لابسا جلبابا طويلا وعمامة وقد استمرت رحلته عامين وكان قد بدأها من السنغال وعندما أحاط به الابتهاج عرف أنه في شوارع تبمتكو الكبيرة والغنية .

وكانت تبمكتوا جزءا من إمبراطورية مالي التي عرفت بتجارة الذهب والملح والتوابل التي مر الكثير منها في طريقه إلي الصحراء ، وقد بني الأباطرة الماليون المساجد الكبيرة في هذه المدينة، كما أن الرحالة ابن بطوطه قد زارها في 1353م مؤكدا علي أهميتها بالنسبة لمالي وكذلك الحال بالنسبة للتجارة عبر الصحراء.

وقد أصيب ريني كيه بخيبة أمل حيث قال إن ما ظهر أمامه لم يكن بحجم توقعاته" كما كتب في مذكراته مضيفا "أن المدينة تتمثل عند رؤيتها للمرة الأولي في مجموعة من المنازل سيئة المظهر والمبنية من الحجارة وتنتشر في كل الجهات مع سهول هائلة من الرمال الصفراء وطبيعة جافة في كل الاتجاهات".

وتوقع ريني كيي أن يبحر إلي تبمكتو في قارب خشبي كبير ضمن أسطول خلال أسابيع عبر نهر النيجر ، لكنه اكتشف أن الوصول إلي تبمكتو يختلف عن الوصول إلي باريس ، وقد وصل إلي المدينة بعد أن قطع ثمانية أميال من ضفة نهر النيجر. وكان ريني كيي الذي لم يحظ بتعليم رسمي أو تدريب عسكري ثاني شخصية أوربية تري مدينة تبمكتو وأول من يخرج منها سالما . وكان الضابط البريطاني ألكسندر كوردون لينغ قد زارها بسنتين قبل ذلك مجتازا الصحراء من الشمال إلا أنه قتل عندما أراد العودة إلي دياره.

ولذلك بدأت كلمات الإدانة في حق تبمكتو تظهر علي لسان ريني كيي في العالم الغربي. وبالنسبة للكثير من تاريخها الطويل ورغم أنها مدينة كبيرة فإن قيمتها تظهر في القصص التي تتحدث عن روعتها—وهي روعة بدأت المليشيا الإسلامية التي تحكم الآن شمال مالي في تدميرها حجرا حجرا.

وقد كانت هذه المدينة مخيما مهما بالنسبة لرجال الطوارق الرعاة كما أنها أثرت في طرق التجارة الإقليمية مثلما حظيت بشهرة كبيرة عندما زارها الإمبراطور المالي منسا موسي أثناء عودته من رحلة الحج إلي مكة المكرمة سنة 1324 م وقد ألهم في حجه أن يأمر ببناء مسجد ديجينكير بير لتدريس الإسلام.

وقد انتشرت سمعة المدينة في كل من أوربا و الأقطار الإسلامية في قارة آسيا وذلك بتدريسها للعلوم الإسلامية.

و أصبحت تمبكتو مركزا ثقافيا بالنسبة لإمبراطوريات مالي والسنغاي اللتين اختفيا مع نهاية القرن 16م.

ومع ذلك بقيت مدينة تبمكتو شامخة ثم شهدت احتلال الجيش المغربي الذي هزم إمبراطورية السنغاي لتستمر فيها سنوات الفوضى التي عمت الغرب الإفريقي حتى مجيء المستعمر الفرنسي في نهاية القرن التاسع عشر.

وقد اعترف الفرنسيون بالأهمية التاريخية لمدينة تبمكتو منشئين حامية عسكرية في المنطقة لحماية المدينة ومناطق البترول قرب نهر النيجر ، لكن الحلم الفرنسي بالثراء من المعادن والثروة الزراعية الموجودة في الإقليم باء بالفشل .

وفي سنة 1960 بدأت دولة مالي الحديثة حصولها علي الاستقلال فتراجع دور مدينة تبمكتو مثلما كتب المؤرخ الفرنسي بازيل ديفدسن في كتابه تاريخ إفريقيا نحو شيء "بعيد ومتواضع".

وبما أنني قد تربيت في ولاية كولارادو الأمريكية فإن لدي معرفة قليلة عن قارة إفريقيا لكن مثلي مثل أطفال كثيرين في أمريكيا سمعوا عن تبمكتو وذلك لغرابتها علي قاموسنا .

وهي من أكثر الأماكن بعدا عنا فلم نفهم تلك الغرابة تماما لكن بطريقة أو بأخرى كنا حينما نتوقف في رحلات عائلية في غرب ولاية كولورادو حيث درست الثانوية العامة فإن أحدنا عندما يتعثر يسأل أحدهم كيف حالك فيجيب الآخر هو عالق في تبمكتو وقد أحببت هذا الاسم كثيرا من حيث الطريقة التي ينطق بها وترجيع اللسان له وقد يئست من زيارة تبمكتو.

و تحققت أمنيتي في يوليو 1986 وذلك خلال عطلتي الصيفية عندما أعمل في بيس كوربس مدرسا للغة الإنكليزية بدولة النيجر. فسافرت إلي تمبكتو في سيارة أجرة صغيرة من نوع بيجو 504 سالكا أسوء طريق في حياتي وقد تصاعد الدخان من السيارة كرغوة الصابون وثقبت الإطارات الأربعة.

واستغرقت الرحلة يومين كاملين رغم أن المسافة لا تتعدي ثلاثين ميلا ثم وصلنا إلي تبمكتو في آخر المساء. وكنت مرهقا وأعترف بأنني أصبت بخيبة أمل.

وتميز بنايات الطين الأسود المشهد العمراني في المدينة كما أنه يعطيها شعورا معاصرا و ارتحت للرمال المتحركة التي تحيط أساسات البنيان في المدينة. وقد وصلت تماما إلي الصحراء لكن ما فاجأني عندما كنت أشرب الماء ليس الصنبور وطمعه الواضح بل هو برد الصحراء .

وكان الفندق الوحيد في المدينة مملوءا من الزوار فقضيت ثمان ليال في حصير بفناء حانة محلية ثم رجعت من الطريقة التي جئت منها وكان الحر شديدا مثلما كتب ريني كييه في مذكراته وليس هناك من سبيل لتجنبه سواء في الليل أو في النهار .

وقد نمت قليلا مهملا الناموسية في الليل خوفا من أن تعيق عني الهواء. وكانت لدي القوة الكافية للتفتيش عن أماكن إقامة ريني كيي التي تميزت بلوحة برونزية وفي النهاية فإنني لا أتفق مع وصف ريني كيي لمدينة تبمكتو فكل ما كتبه كان باهتا.

فاكتشفت أن المدينة والصحراء التي تقع خلفها هما من أكثر الأماكن التي زرتها في حياتي سحرا وجمالا.

ففي الليل تبدو السماء براقة وصاحية لمن كان يرتاح علي أسطح المنازل،وطيلة اليوم فإن المدينة والمناظر الطبيعية تعمهما سماء رمادية كما لو كانتا تطفوان فوق سحابة.
ولكم أحببت مرور الرياح علي الكثبان الرملية ، تاركة الضباب يعم الأفق مشكلة جسورا كما لو كان يضغط عليها من قبل إبهام وسبابة عملاقين. وهذا بعض من الأسباب التي جعلتني أذهب إلي الساحل ودول جنوب الصحراء لأن هذه الأرض كبيرة جدا وعظيمة جدا والسبب الثاني هو أن الناس الذين يعيشون هناك مسالمين .
وهذا ما أعينه أنه في عام 1991 عندما كانت البلاد تواجه حكما عسكريا ديكتاتوريا فإن أماكن مثل تبمكتو واجهت احتمال الاندثار الكلي وقد تخلصت مالي من حكم العسكر في زمن التغيير ومع الفساد الذي شهدته الديمقراطية في جمهورية مالي فقد تسارعت التنمية في البلاد وبناء الطرق والمدارس والمستشفيات والفنادق وتنظيم الأرشيف الوطني وإعادة تجهيز البنية التحية في العاصمة باماكو.

وفي سنة 1988 صنفت منظمة اليونسكو ثلاثة مساجد وستة عشر ضريحا في مدينة تمبكتو ضمن لائحة التراث العالمي وهو ما جعل هذه المدينة حجر الزاوية في صناعة السياحة المالية . كما بدأت الجامعات والمنظمات الدولية وفاعلي الخير تضخ ملايين الدولارات في حماية وتسجيل القطع الأثر و المكتبات في تبمكتو بما في ذلك قبور الصالحين والمحاربين من القرن15 الخامس عشر.
وطبقا لليونسكو فإن هناك أكثر من 60 مكتبة خاصة وأكثر من 700000 مخطوطة قديمة ترتبط في أغلبها بالتاريخ الإسلامي في شمال وغرب إفريقيا وجنوب أ وربا . وطيلة القرن 21 ، ويري شريف كيتا أستاذ الثقافة والأدب الإفريقيين في كارلتون كوليدج بالولايات المتحدة أن تبمكتو ساهمت مساهمة حقيقية في النهضة.

وكل هذا التراث تم تدميره من قبل المجموعات الإسلامية المسلحة التي تقود التمرد الطارقي في شمال مالي وقد سيطرت علي أهم المدن بما في ذلك مدينة تبمكتو محاولة منها لفرض تطبيق الشريعة الإسلامية علي باقي الأراضي المالية.

وفي الأسابيع الأخيرة بدأ مقاتلون من حركة أنصار الدين السلفية بهدم أضرحة قديمة ومساجد في تبمكتو والتي قيل إنها تضم قبر 333 وليا من أولياء المسلمين.

وقد استخدموا أفواه البنادق بادئين بمسجد سيدي يحي الذي يعتبر من أقدم مساجد تبمكتو والذين كان مغلقا منذ فترة طويلة والتي تقول الأسطورة إنه لن يفتح قبل يوم القيامة وفي مدينة غاو التي تقع شمال تبمكتو وهي عاصمة سابقة لإمبراطورية السونغاي أفادت تقارير بأنهم هدموا قبر ساكيا محمود أحد أقوي أباطرة السنغاي والمحبوب من قبل المسلمين.
ومع أن طالبان كانت لهم سابقة في هذا النوع من الهجمات عندما هدمت تمثالا لبوذا في عام 2001.

و قد أعقب ذلك علي مدي عشر سنوات التي تلت الهجوم علي الأماكن المقدسة للمسلمين من قبل مليشيات إسلامية مسلحة في من العراق وليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي.

وفي مالي شهدت عمليات الهدم في تبمكتو صراعا بين المجموعات المسلحة نفسها. فالسلفيون المتشددون الذين يقفون وراء جماعات مسلحة كأنصار الدين وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يرفضون وجود الأضرحة ويقولون إنها أصنام تعبد من دون الله بينما الصوفيون المحليون متسامحون مع و لا يعتبرونها عبادة للأوثان .

لكن ومع ذلك أضحت تبمكتو لديها تاريخ كبير ويجمد إقليم تبمكتو الموسيقي فالمغني علي فاركا توري الذي ولد في قرية قرب المدينة بدأ يجمع بين الموسيقي الإفريقية والأساليب الغربية متبعا في ذلك أساليب المغنين في منطقته .

وقد أصحبت مدينة تبمكتو مركزا للموسيقي في غرب إفريقيا بالإضافة إلي آلاف الرسوم وقد غني في المهرجان خلال هذا العام المغني الشهير بونو بالإضافة إلي نجوم المدينة.
وقد انتشر التمرد الطارقي شمال منذ أسابيع قليلة وليس هناك من خطط لنقل المهرجان وهو عار لأن جمهورية مالي كانت تشهد تقدما حقيقيا وقد عبدت الحكومة أغلب الطرق المؤدية مدينة غاو عاصمة الإقليم كما أنها كانت إلي شق قناة مائية توصل نهر النيجر إلي أعتاب مدينة تبمكتو مما كان سيسر ريني كييه.
وقد طرحت الموسيقي والبناء جانبا لتستبدل بضربات الفؤوس وتناثر الرصاص ، وحتى الآن شهدت مدينة تمبكتو طيلة ألف سنة الكثير من الغزو والاحتلال بدءا من ا لطوارق وحتى السنغاي مرورا بالعرب وانتهاء بالمغاربة . وكان الاحتلال الأكثر قوة هو الاحتلال المغربي وهو الذي سبب الكثير من الدمار للمدينة حسبما يري كيتا حيث غزا المغاربة المدينة وأزاحوا السونغاي عن الحكم وذلك 1591م.

لكن ومع ذلك لا أحد من الغزاة أو حتى من قوي الطبيعة استطاع النيل من مباني المدينة بل إن الصحراء ورمالها لم تستطع تمحوها من الخريطة.
ورغم أن المدينة قد فقدت بعض من تراثها إلا أنها استطاعت الحفاظ علي أغلبه، ويقول كيتا وهو منحدر من مجموعة هاجرت من المدينة أثناء الغزو المغربي "إنك تستطيع أن تلحظ الآثار المغربية في نوافذ بيوت المدينة علي امتداد المدينة ويضيف قائلا تبمكتو مدينة لديها دائما قدرة علي استيعاب غزاتها.

لكن مجموعات العنف المؤدلج من أمثال جماعة أنصار الدين لم تحضر معها إلي المدينة أي فن أو تاريخ يخص بها ، كما أن هناك أكثر من ضريح ومسجد في خطر وقد عادت روح القرن العاشر إلي هذا الإقليم . ويقول كيتا إن هذه المجموعات تقتل روح الإسلام .

 

ترجمة وكالة الأخبار المستقلة نقلا عن صحيفة فوريني بوليسي الأمريكية