على مدار الساعة

مغالطات مصانع موكا

17 فبراير, 2022 - 02:24
سيدي محمد ولد محمد الشيخ - مهندس وخبير في الشؤون البحرية

شهدت تنمية قطاع الصيد والاقتصاد البحري العديد من المراحل والاستراتيجيات والرؤى والبرامج التي حاولت مما لا شك فيه النهوض به وتطويره والرفع من مستوي الريع الاقتصادي والاجتماعي والمالي الناتج عن استغلال مختلف الثروات السمكية التي حبي الله بها بلادنا. إلا أن كل هذه المحاولات لم تستطيع بعد الوصول إلى المستوى المطلوب. فظلت العوائق الأساسية من عدم تجديد الأسطول الوطني الصناعي والشاطئي وهشاشة أمن وسلامة الأسطول التقليدي، وضعف كفاءة اليد العاملة الوطنية، وقلة سعة البنية التحتية الاستيعابية والتفريغيه، وانعدام تثمين المنتوج تكبح تطوير هذا القطاع.

 

حتى جاءت سياسة الحصص 2015 التي غيرت نمط التسيير من الجهد إلى الحصص دون مواكبته بالإجراءات القانونية والإدارية اللازمة التي يتطلبها هذا النمط من التسيير مثل الرقابة الصارمة والمتابعة الإدارية المنتظمة لاستغلال الحصص. فازدادت تلك العوائق وتعقدت أكثر فأكثر حيث تناقضت إجراءات تنفيذ هذه السياسة مع أهدافها المعلنة وذالك من خلال السماح للسفن الأجنبية بالولوج إلى النظام الوطني دون تغيير فعلي لدولة علمها الأصلية واستبدال طواقمها الأجنبية ولو بصورة تدريجية مما أدى إلى عمليات استنزاف متسارعة لمختلف أنواع الثروة السمكية.  

 

في الواقع، كانت لهذه السياسة أهداف غير معلنة تتعارض تمامًا مع أهداف التنمية المستدامة مثل تجديد أو تبديل طبقة رجال أعمال الصيد وتحصيل أكبر قدر من المداخيل ولو بصفة مؤقتة وبأبسط الطرق على حساب عدم تطبيق القوانين البحرية الحازمة مما فتح الباب واسعا أمام دخول رأس المال الأجنبي، الذي أصبح اليوم يمتلك معظم الإنتاج السمكي الوطني وغالبية السفن التي تشكل أسطول الصيد البحري المنتج العاملة في مياهنا الوطنية.

 

هنا تضاعفت الاستثناءات والتراخيص الخاصة، وخلقت الفراغات والثغرات القانونية، وأهملت الرقابة والتفتيش الفني والتقني للسفن والمصانع، وانعدمت المتابعة الإدارية المنتظمة، وتداخلت الصلاحيات وكثرت القوانين وشتت إمكانيات وموارد الدولة من خلال إنشاء وفصل وإلحاق إدارات ومؤسسات بحرية بقطاعات حكومية أخرى مما نجم عنه ضعف القدرات العملياتية للوزارة حيث لم تعد بإمكانها تأدية أكثر من 20% من المهام المتشعبة الموكلة إليها، ولم تعد قادرة على تنفيذ سياسات الحكومة الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن الوفاء بالالتزامات الدولية لدولة العلم ودولة الميناء ودولة الشاطئ خاصة في مجال الأمن والسلامة والمحافظة على البيئة البحرية.

 

أمام هذه الوضعية التي تتسم بالحيرة والركود على جميع مستويات القطاع لم تعد زيادة إتاوات رمزية على سفن أجنبية تعمل في النظام الوطني في تناقض صارخ مع القوانين البحرية الوطنية ومع أهداف التنمية المستدامة للقطاع وتعمل على استنزاف شرس للمخزون السطحي المتبقي الوحيد للأجيال القادمة يمكن أن تشكل مغالطة للرأي العام، ولم يعد هذا النوع من الحلول الجزئية المؤقتة مجد في قطاع يعيش فوضي مزمنة ومنهك بالرشوة والفساد والزبونية وعدم تطبيق القوانين.  

 

بل أصبح من الضروري إن لم يكن من اللازم إعادة ترتيب وتأسيس شاملة للقطاع تبدأ بمراجعة وتصحيح منظومة القوانين البحرية وتنقيتها من المغالطات وإعادة تنظيم الآليات الضرورية واللازمة لتطبيقها بشكل صارم وحازم.

 

كما ينبغي إعادة تركيز المهام الفردية للمؤسسات والإدارات البحرية وتجميع إمكانيات وموارد الدولة المشتتة تحت وصاية العديد من القطاعات الحكومية الأخرى في هيكلة عملياتية جديدة لوزارة الصيد والاقتصاد البحري تمكنها من لعب مختلف أدوار الدولة في البحر وأداء مهامها بشكل أكثر تنسيقا وأكثر مردودية على الاقتصاد الوطني.