على مدار الساعة

تجربتي مع الوجع الأممي

6 يونيو, 2017 - 00:30
النوها الطالب

أيامَ النكسة أو حربَ 67 أو حربَ الأيام ستة أو أياً كان اسم تلك اللعنة الحزيرانية، المهم لم أكن يومها قد ولدتُ، لكن حينَ ألقى بي القدر في هذه الدنيا بعد سنوات، وكبرتُ لأقرأ عن ما حدث، كان الكُتابُ والمؤرخون يَصفون حالة اليأسِ والإحباط التي عمت العالم العربي.

 

العالم الذي كان يستيقظُ على برامجِ صوت العرب، الذي ظلَ يُمَنيهُم بالنصر حتى آخر شهيد، الذي حفظ أغاني العندليب، والذي صدقَ ما كان ينظرهُ هيكل عبرَ الأهرام، العالم الذي تغنى ببطولاتِ المشير وناصر رحمهما الله، العالم الذي انتظرَ أنْ تدَمر القواعد الإسرائيلية تحت ضرباتِ الصواريخ الفخر، الظافر والقاهر، أسماء رنانة صحيح؟..

 

لكن الأمر انتهى باغتصاب غزة والجولان والقدس وشبه صحراء سيناء، وهولكست عربي مرعب.

 

تعاملَ الناس بشكلٍ أو بآخر مع خيبة الأمل تلك.

 

بعد 63 عاماً، وجدتني أنا، المتيمة بعظمة العراق وحب صدام رحمه الله، وجدتني فجأة أمام ما أصررتُ لأربع و عشرين ساعة على أنه مجرد مسرحية أو كذبة، سيأتي البطل ويقتل هؤلاء العلوج..

 

سيدحرُ كيد الأمريكان وسيقصف جنودهم بـ"الحسين".

 

ستنتهي الهيمنة الأمريكية، وعلى نفسها جنتْ براقش، سيلقنهم درساً قاسياً.

 

هلوساتُ طفلةٍ ترددُ ما يدور حولها، هلوساتٌ أسكتَها الواقع المرير والمعركة تحسمُ بسرعةٌ غير قابلة للتصديق، عندها فقط فهمتُ كيف شعرَ العرب 1967، أدركتُ حجم الوجع.

 

لا مشكلةُ لي مع الرجلين، إنما أعاني مشكلة مع حصر الأمة بكل مكتسباتها وآمالها في رجل واحد يتكلم أكثر من اللازم، يطبق أقل من المطلوب،أما هما على العكس أحبهُما، حتى بعد أن أدركتُ أنهما ليسا البطلين اللَذيْنِ كنت أعتقدْ، ما زلت أحبهما بكل اللاوعي، لا يمكن أن أتجاوز ذلك أبدا..حتى بعقلي أحببتهما، أحببت لناصر شجاعةً لم يكررها الزمن بعد، على الأقل لقد حاول. أحببتُ لصدام استشهاده، أيامه الأخيرة.. لقد قدم لنا موتاً شريفاً وعيداً يذكرني برجل ماتَ بأنفة تُخجِل ما سواه. إنهما بقايا الزمن الجميل، رغم ذلك الظلام الذي لا زلنا نعيش انعكاساته حتى اليوم.

 

لكن وجبَ التنبيه على الأمر، لا يمكنُ أن نسمحَ للتاريخ أنْ يتكررَ دائماً، نحن من نقدسُ قادتنا أكثر من اللازم، نحن من نصدقُ "بروباغنداهم"، نحن من نجعل من كل من يصل إلى ذلك الكرسي تجسيداً للخليفة الأعظم ونُكررُ الأمر مع كل قادمٍ جديد، نحن من نصنع الوهم.. نحن من نختزل الأمة في حلم الرجل المنقذ.

 

علينا أن نتوقفَ عن تقبلِ كل شيء كما يريدون منا، علينا أن ننتقدَ الحكام، أن ننتقد الواقع، ونحاول تغييره، تجاهلهُ لا يعدو غباءَ النعامةِ حين تدفنُ رأسها في الرمال في اعتقاد تام أن النجاة قد تحققت.

 

يكفي كذباً، يكفي تزويراً للواقع، يكفي تقديساً.. كل القادة يصلحون موضوعاً للنقاش، بعد الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة و السلام.

 

اعملوا من أجل العدالة ولا شيء غيرَ العدالة، لتكونوا أقوياء بما يكفي لتحققوها، لتوقفوا الألم الذي يوزعونه في هذا العالم.

 

فلسطين لا تحتاج رجالاً، سوريا لا تحتاج رجالاً، بورما لا تحتاج رجالاً، كل البلاد المرتبطة بنا بشكلٍ وبآخر والتي تَسكنُ أرواحنا لا تحتاج رجالاً يقاتلون، ذلك الفقير المظلوم في بلدك لا يحتاج صدقتك ولا تنديدك اليتيم.. نحن نحتاج أوطاناً قوية تشكلُ قوى إقليمية تفرضُ كلمتها في المنطقة، وتضمن العيش الكريم داخلياً.

 

حين لا يكون كل فردٍ مجرد متعبداً في محراب سلطان أو فكر مُتحجر، حين يكون كل فرد مستعد ليصبح جزء من منظومة إصلاحية كبرى، حين تَتشكلَ من أولئك الأفراد دولة بمعايير صحيحة سياسياً واجتماعياً، نكون في طريقنا إلى إنهاء هذا الوجع.

 

نحن لسنا بخير، لسنا بخير أبداً.. كفوا عن الأحلام الساذجة، نحن نموت ببشاعة.

 

اليوم بعد نصف قرن على الكارثة، لا زلنا نرابط في ذات الحالة التعيسة وفي الأفق يلوح مظهر فُرقة جديد.

 

لقد تأخرنا بما فيه الكفاية، هناك وعد بالتمكين ينتظرنا، اصلحوا ما بأنفسكم ليصلح الله حال هذه الأمة.