على مدار الساعة

كيف نفهم الإسلام (8) الصوفية (4)

22 ديسمبر, 2021 - 01:58
الأستاذ محمدو بن البار

في المقال السابق، قلت إننا نحن المسلمين لو نزل بعدنا كتاب سماوي لكان فيه كثير من التوجيهات نحتاج لها باسمنا مسلمين، كما جاء في كتابنا يرد على الكتابيين بعد دعاويهم وأمنياتهم في دينهم وزيادة للعبادة في دياناتهم دون أن يؤمروا بها يقول تعالى في دعواهم: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه} فرد عليهم في كتابنا بقوله تعالى: {قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق} إلى آخر الآيات، وعندما قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات رد عليهم بقوله تعالى: {وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون}.

 

وعندما اخترعوا عبادة الرهبنة وحرموا أنفسهم من مباحات الله لهم رد عليهم بقوله تعالى: {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله} أي فعلوها ظنا منهم أنهم يريدون بها وجه الله فرد عليهم بقوله: {فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين ءامنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون}.

 

ولكن عندما تذكرت الآيات التي جاءت في كتابنا علمت أن كتابنا نزل كاملا لا يحتاج إلى توجيهات تطرأ عليه لا أمنيات ولا زيادة عبادة يقول تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} ويقول: {وأنزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} كما أن قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} يوحي بأن كل ما طرأ بعدها على الدين مهما كان عقيدة أو عبادة فليس من الدين، ولذا أقر أهل الكتاب أن معناها ليس في كتبهم وذلك بقولهم أنها لو نزلت عليهم لاتخذوا يوم نزولها عيدا.

 

أما سبب أمنياتي لنزول كتاب يوجه عقائدنا وعباداتنا يرجع إلي ما يلي:

أولا: وضوح شدة عذاب الله للمخالف، ذلك العذاب الأبدي الذي يصفه المولى عز وجل بقوله: {نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم موصدة في عمد ممددة}.

 

ثانيا: القرآن خاطب كل فرد منا بامتثال أوامره هو وأكد أنه هو الذي سيراقب عملنا بقوله تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والله يقضي بالحق والذين تدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير}، ويقول تعالى: {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفي كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون}، {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا}.

 

فبعد قراءة هذه النصوص الواضحة التي لا تترك أي مكان لشخص آخر في  تولي مراقبة شخص أو انتسابه في العبادة إلى طريقة خاصة بذلك الشخص الذي هو نفسه داخل في كل لفظ "كل" الكثيرة في القرآن والتي تقتضي العموم {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة} إلى آخر الآية.

 

فبالرجوع إلى قضية طقوس العبادة الصوفية نجد أهلها خططوا لها كعبادة لها أركانها وأدبها وما للعبادة إلىآخره، فعندما نفتح المصحف الشريف تجد فيه الأوامر والنواهي ومراقبة عمل كل فرد في هذه الأوامر والنواهي واضحة كل الوضوح.

 

وعندما تضع مقابله خطة الصوفية للعبادة ترى الصوفية أخذت الاستقلال التام ورفعت فوق عبادتها رايتها الخاصة بها وفوق أرضها المحددة لها، وكأنها تحتفل وحدها بما سلكت من طريق خاصة بها توصلها بأمانة إلى الله أو إلى معرفة الله معرفة معروفة لديهم صاحبها خرج من الخوف النهائي الذي يخوف الله به عباده، أي فمثلا الوعد والوعيد يصبحون في غنى عن الاستماع إليهما، فالوعد هم مستحقون لأحسنه، أما الوعيد فلا يجتمع مع معرفة الله، المعرفة التي يصفون بها أنفسهم.

 

هذا وقبل أن أسجل نوع هذه الطرق ونذكر أركانها لمناقشتها على ضوء آيات الله البينات نقول للقارئ الكريم إني لا أكتب ضد أحد ولا أتمني لأي أحد إلا خير الدنيا والآخرة والتوفيق لسلوك الصراط المستقيم الذي جعله الله عز وجل هو الطريق الذي على الإنسان أن يسلكه لكسب ما جاء في الوعد والنجاة من ما جاء في الوعيد وقد بين المولي عز وجل أن هذا الطريق لا يؤخذ إلا من داخل القرآن.

 

وهذا يعني أن أي طبيب يستغبط مهنته ساعته يفحص والديه ولا أظن أنهم يفضلون أن يكتم عنهم أي مرض اطلع عليه، فإذا  كان غير مختص ورأي اختصاصي يقول له إن المرض الذي اكتشف في والديه لا يعد مرضا أو أنه عرض صحي له مناعته فإن هذا الطبيب الولد سيرتاح راحة قل نظيرها، ولكن ما دام لم يوجد ذلك الأخصائي (وسوف لا يوجد ) فإن الولد الطبيب سيظل قلقا علي والديه من مرض صاحبه لا يموت فيه ولا يحي.

 

والآن أصل إلى أركان عبادة الصوفية التي لا تقوم ماهيتها إلا بحصولها:

أولا: رجل يلقب بالشيخ ولو كان شابا لأنه تارة يكون وريثا لوالده بعد وفاته لأنها هي أصبحت (أي عبادة الصوفية) في القرون الأخيرة إرثا مستحقا، وهذا الشيخ عنده لقب آخر أو صفة تأتيه بالوراثة هي الأخرى بعد وفاة أبيه مباشرة وهي أنه ولي من أولياء الله وهذه هي الكارثة العظمي في الدين.

 

فالولاية هنا ليست بمعناها الإسلامي الذي هو الموالاة في كل شيء، فإذا كانت بين الله وعباده فمعنى أنه حافظهم ومتولي أمرهم يقول تعالى: {الله ولي الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} وإذا كانت من الأسفل إلى الأعلى وهي أن المؤمن وليه الله فهي بمعنى لا يسأل ولا يتوكل عليه إلا الله مثل قوله تعالى: {إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين}، وأما إذا كانت هذه الولاية بين المؤمنين فتكون هي المعبر عنها في قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} إلى آخر الاية وفي الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن أخو المؤمن لا يسلمه ولا يخذله إلى آخر الحديث} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

 

أما هذا الوصف الذي يطلقه التلاميذ على من أخذوا عليه الورد - الذي سوف نتكلم عليه بإذن الله – وهذه الشحنة التي يعبر بها التلاميذ عن شيخهم هي أخطر ما يأتي به الإنسان لربه لأن المعنى الذي أصبح معروفا عن ذلك الوصف أن كلمة "ولي" تساوي معرفة الغيب، وهذا الوصف هو ما نفاه النبي صلي الله عليه وسلم عن نفسه ونفاه عنه ربه يقول تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم: {قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء} والله يقول لنبيه مباشرة: {وما كان الله ليطلعكم علي الغيب}.

 

فهو أول نقطة من الكوارث الأخروية التي يتسبب فيها اعتقاد وجود شيء مع الله له نفع أو ضر يقول تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه} لأن من قرأ القرآن لا يشم فيه رائحة أن أي أحد من ساعة موته وإلى ما بعد أن ينفرد مع الله لا وجود لا بجنبه ولا داخله إنسان آخر يقول تعالى: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون}.

 

ولا يمكن أن يقال هنا أن المعنى بهذه الآية هو اعتقاد المشركين بل الوصف عام لكل من اعتقد أن أي إنسان (سميه ما شئت) أنه سيُشرَكُ في معاملته بعد موته مع الله سواء ساعة قبض الروح أو السؤال أو أي موقف يطرأ على الإنسان بعد الدنيا فإنه يعتقد شركا مع الله في الإنسان وقد نفاه الله هنا.

 

وإلي الحلقة القادمة بإذن الله: كيف نفهم الإسلام الصوفي ا لموريتاني {9}، (5)