على مدار الساعة

كيف نفهم الإسلام (7)، الصوفية (3)

13 ديسمبر, 2021 - 18:21
الأستاذ محمدو بن البار

وصلنا في هذه المقالات إلى محاولة فرز عبادة الصوفية عن غيرها لوجود طقوس لها خاصة بها لا يوجد لها ذكر نص خاص بها في الشريعة الإسلامية يفهم منه جميع المسلمين تأصيلا وتوجيها بأن الله خاطب عباده للعمل به والمحاسبة عليه.

 

ولكن قبل ذلك كله سوف يتخيل للقارئ الموريتاني عند سماع ذكر الصوفية أن هذا يعني صوفية موريتانيا ولكن الواقع أن المقالات موجهة لمناقشة الصوفية عالميا.

 

فالصوفية الموريتانية ما هي إلا امتداد لمؤسسات صوفية أكبر وأعمق وأكثر اتباعا من الصوفية الموريتانية كما أن وجودها داخل الدين الإسلامي وإبراز طقوسها فيه: كل ذلك له تاريخ قديم بدأ تقريبا من القرن الثاني الهجري بعد انتهاء زمن الخلفاء الراشدين.

 

وبذلك تكون الصوفية التي سوف أتكلم عنها هي نوع من العبادة استحسن اتخاذه منهجا بعض من المسلمين بل جعلها طريقة سالكة إلى الله بأسلوبها الخاص عندهم، تارة يكون أشخاص قلائل أو منفردين وتارة تكون مؤسسات كبيرة ولها أركانها وفروضها وسننها ومندوباتها إلى آخره، ويقول أهلها أن الأمر بها مأخوذ من تفسير النبي صلي الله عليه وسلم للإحسان، والتفسير هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

 

وهذا هو نفس الشيء الذي اتخذه المتكلمون في شأن العقيدة ففي حديث النبي صلي الله عليه وسلم مع جبريل عند السؤال عن الإيمان قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله) إلى آخر الحديث، فذهب المتكلمون إلى داخل القرآن ليفتشوا عن صفات الله وكيف يستعمل الله تلك الصفات، وهل هي جزء من ذاته أو منفصلة عن الذات الشيء الذي لا يعرفونه إلى يوم القيامة كما أخذ الصوفية نوع صوفيتهم من قوله تعالى: {واتبع سبيل من أناب إلي} إلى آخر الآية، وبما أن إدخال هذين الشيئين – العقيدة والعبادة – في الإسلام قد وقع في زمن الملوك والخلفاء كما يسمون أنفسهم الذين لا يتقنون فهم الإسلام ومع ذلك يجبرون على اتباع كل من رضوا له قولا من المتكلمين أو العبادة بدون عرض ذلك على النصوص والبحث عن تأصيلها حتى وصلت إلينا وستبقى كذلك إلى يوم القيامة لسنة الله في أنه زين لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون أي بصحته أو فساده، فيجازيهم عليه.

 

ولأجل هذه الظاهرة أعلاه، فقد أدخل عبد الرحمن بن عاشر هاتين الفكرتين في مصنفه ملزما بها المسلمون وكأنها رديفة قوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر}، وسبب ذلك أنه في زمن ابن عاشر قد تحكمت في المسلمين اعتقاد هذه المستخرجات من البعض في الإسلام.

 

فقال:

في عقد الأشعري وفقه مالك *** وفي طريقة الجنيد السالك

 

ومعلوم عند كل مسلم اختلاف مبدإ هذه الأصول: فالعقيدة والعبادة لا اجتهاد في أصولهما لأنها إما اعتقاد في القلب لا يتغير وأما العبادة فقد قام بها النبي صلي الله عليه وسلم ولا يمكن الزيادة عليها فهي سنة متبعة لا تتغير إلا اجتهادا وحرم ذلك على المؤمنين.

 

أما الفقه بما أنه متعلق بالحياة الدنيوية لعمل الإنسان الدنيوي يتغير حسب الزمان والمكان فإن أصوله القرآنية والأحاديث الصحيحة لا تتغير، ومباحاته ومحرماته المنصوصين لا تتغير كذلك، وأما ما يفهم العلماء من اللغة العربية التي نزل بها القرآن والتي هي نفسها لها أساليب يجب مراعاتها مثل العموم والخصوص والاستثناء والحقيقة والمجاز ومعاني الحروف العاملة فيما بعدها كل ذلك وردت عموميات من الأحاديث الصحيحة بل وردت آيات تخفف الواجبات إذا اقتضى الأمر وتركت ذلك لمن يستنبطون الأحكام من النصوص عند النظر فيها بكثير من القواعد الفقهية التي وضعها الأصوليون بخلاف العقيدة والعبادة فإنهما توقيفيتان على اعتقاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبادته.

 

فالعقيدة يقول الله في حسم الفكر فيها: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}، ويقول تعالى: {ليس كمثله شيء}، فأي شيء توفي رسول الله صلي عليه وسلم ولم يخبر به عن الله فكيف الحصول على خبره بعد ذلك؟

 

أما العبادة فيقول الله تعالى: {اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون}، ويقول تعالى: {وما آتيكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، فأي عبادة مطلقة أو محدد عددها ووقتها كما سوف نكتب ذلك بالتفصيل بإذن الله عندما أتكلم على طقوس الصوفية ككل ولكن بما أن أعمالها أي الصوفية مشتبهة وغير متشابهة فسيفهم منها القارئ بإذن الله ما ينير له المراد من ألفاظها إلى آخره.

 

وكما أكرر دائما فإني ولله الحمد أومن بما جاء في هذا القرآن بلا زيادة ولا نقصان وأنه سيقع يوم القيامة كما هو صورة طبق الأصل لا كما أجالته الشياطين لتضل به المسلمين عن الصراط المستقيم، ونؤمن كذلك بأن المولى عز وجل لم يأخذ إليه نبيه محمد صلي الله عليه وسلم عن الدنيا حتى بين لأمة دعوته جميع ما أرسله الله به إليهم من غير أن يكتم منه كلمة واحدة أو أن يخص بها أحدا، ففحوى قوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}، مع فحوى الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عندما أشهد آلاف العدول من الصحابة أنه بلغهم ما أرسل به إليهم فشهدوا جميعا بذلك، فلم يبق للخارج عن النصوص التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يأتي بدليل عمله ذلك ولا دليل بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لا بنزول آية بعد وفاته ولا بقول حديث أيضا بعدها.

 

فقوله تعالى: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وبنذرونكم لقاء يومكم هذا} فهم يقولون {بلى} ولكن في الآخرة، وفي آية أخرى {ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم} إلى آخر الآية.

 

ونتيجة لوضوح هذا التفصيل من الله لعباده فإني أنبه الجميع بقوله تعالى: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم} فأنا أفعلها لأنبه بها كل مسلم يخاف الوقوف بين يدي الله منفردا ولا بد {ولقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم أول مرة}.

 

فهذه الآيات أعلاه يفهم منها أن ربنا غفور رحيم ودل على ذلك بقوله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا} إلى قوله تعالى: {نزلا من غفور رحيم}، كما أن لازم قوله تعالى: {وأن عذابي هو العذاب الأليم} هو قوله تعالى: {الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا}، وبناء على ذلك فأنا لا أستحي أن أعيد هذه الآيات المبينة لسعة رحمة الله وشدة عذابه الموصوف كل منهما في القرآن لأقول لأخي المسلم: النجاة في الاستقلال الأخروي عن كل أحد باتباع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وما ثبت عنه وذلك للمسلمات التالية:

- أولا: تحذير الإسلام من البدعة ولو في العبادة بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم (لا يعبد الله إلا بما شرع).

- ثانيا: من مات منا لا يعود ليخبرنا بالعمل الصالح من الفاسد ولا ليصلح هو عملا وجده فاسدا فالله يقول: {استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير}.

 

وإلى المقال القادم بإذن الله في الصوفية وأركانها إلى آخره.