على مدار الساعة

31 مايو: ترجل فارس

31 مايو, 2017 - 13:31
يحي أحمدو

قال ابن القيم رحمه الله "من أسباب السعادة الشجاعة فان الله يشرح صدر الشجاع بشجاعته وإقدامه".

 

يصادف اليوم مرور سنة كاملة على رحيل المرحوم الشهيد الشجاع محمد عبد العزيز  رحمه الله وأحسن مثواه وأبقى في الصالحين ذكراه، وهي لعمري ذكرى أليمة ذلك أن المرحوم كان من طينة نادرة من الرجال فقد كان بطلا شجاعا قويا حتى في أحلك الظروف خلال الثمانية وستين سنة التي عاشها والتي كانت كلها تضحية ونضالا من أجل الشعب الصحراوي.

 

فقد غادر الفتى اليافع مقاعد كلية الطب من أجل صعود الجبال مجاهدا ضد الاستعمار الأسباني متحملا الكثير من الصعوبات وقاهرا المستحيل  من أجل استقلال شعبه وظل مقاتلا في الميدان حتى استدعاه الشعب لتحمل مسؤولية قيادة سفينته في أواخر سنة 1976 وهو حينها جريحا في جبهات القتال ضد المحتل المغربي.

 

تحمل قيادة المشروع الوطني الصحراوي طيلة أربعة عقود ما بدل ولا غير بل ظل ثابتا شامخا كالطود متصديا لأعتى العواصف التي تحاول النيل من هذا المشروع الصلب فكان شعاره الخالد هو "لا وجود ولا مستقبل للصحراويين إلا في وطنهم الحر المستقل الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية".

 

من المعروف أن أول كيان جامع موحد للصحراويين في تاريخهم بقيادتهم وتنظيمهم هو الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب التي أصدرت بيانها التأسيسي  10 مايو 1973 في الزويرات.

 

لقد كان عملا جبارا يحسب للنخبة من أبناء الصحراويين التي باشرت تأسيس هذا الكيان السياسي في ظروف صعبة جدا ولكن تحسب للشهيد محمد عبد العزيز قيادته وترسيخ قيمه وأهدافه ومبادئه وتجاوز به المراحل التي تنتج عادة عن كل بداية خاصة في مجتمع متخلف شبه أمي مثل المجتمع الصحراوي بداية السبعينات.

 

لقد كان الراحل صحراويا قحا يجمع كل مميزات سكان الصحراء من الشجاعة والصبر والجلد والصدق ولكنه كان قائدا عصريا قائدا يتمتع بكاريزما عالية تجعل الجميع يلتف حوله ويقدره ويهابه، وكان أيضا رئيس دولة بامتياز وطد أركان الدولة وثبتها بقوة وحزم، فإذا كان الشهيد سيد إبراهيم بصيري رحمه الله أول من نظر لحراك سياسي صحراوي جامع مقاوم للمستعمر من خلاله الحركة التي قادها وقمعت في المهد خلال انتفاضة الزملة 1970 وبعد ذلك مباشرة قاد الشهيد الولي مصطفي السيد رحمه الله وأسس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في 1973 وأعلن الدولة سنة 1976 فإن الشهيد محمد عبد العزيز رحمه الله هو من وطد أركان هذا الكيان الصحراوي وقاده نحو ما هو عليه حاليا ولاشك أنه إنجاز يحجز له مقعدا بين العظماء الذين قادوا شعوبهم في ظروف صعبة بثبات وصبر وقليل ما هم.

 

وكان أيضا ذو معرفة كبيرة بمجتمعه وخصائصه ومميزاته ظل طيلة هذه السنوات أسدا هصورا مترفعا متعاليا يكاد يلامس الثريا في الإخلاص والصمود والإيمان بحتمية النصر.

 

كان يهتم بمستقبل المنطقة ككل واستقرارها فقد سمعته مرات خلال لقاءات عديدة جمعته بأطياف متنوعة من النخبة الموريتانية التي كانت تزور الدولة الصحراوية في مناسباتها الكبيرة داعمة ومتضامنة يحث الجميع على ضرورة التكاتف والتلاحم وبناء الوطن ويقول نحن حريصون جدا على تطور وتقدم واستقرار الجمهورية الإسلامية الموريتانية الشقيقة فهي عمقنا واستقرارها وتطورها هو استقرارنا وتطورنا، وفعلا كانت نظرته رحمه الله بعيدة عميقة تسعى إلى تطور المنطقة واستقرارها ودافع بشدة عن نظرته في البحث عن السلام، فبقدر ما كان رجل حرب كان أيضا رجل سلام بامتياز.