على مدار الساعة

كيف نفهم الإسلام (6) (الصوفية 2)

6 ديسمبر, 2021 - 13:53
الأستاذ محمدو بن البار

في آخر المقال السابق كتبت سؤالا ألخصه فيما يلي: هل العبادة الصوفية عندها أصول داخلة في أصول الإسلام: القرآن والسنة؟ أم هي اجتهادات ألحقت بالإسلام للترقي في إيجابياته حتى تصل إلى المعرفة الحقيقية لله جل جلاله كما يقولون، أو معرفتهم لله هذه خاصة بهم هم والطريق إليها؟

 

وقبل أن نعرف الجواب من أهله، فإني سوف أكتب فكرة تخيلتها أنا من هذا السؤال وأكرر هنا أني لا أريد بهذه المقالات خصومة لأني أكره الخصومات ولا سيما في الدين لأن دليل احتجاجه في كل موضوع واضح المعالم، ولكن هناك عناصر تتوارد علي في الموضوع أفضل ذكرها لمن ألقى السمع وهو شهيد لعله يشرحها شرحا توجد أصوله داخل الإسلام من غير أي مواربة، ونتيجة لاستقلال اعتقادي هذا عن أي موضوع خاص فإني لا أسمي شخصا ولا أشياخا ولا أذكر حتى طقوسا خاصة معروفة عند الجميع بل أكتب طلبا للجواب فقط علي الأسئلة التالية:

أولا : من أسباب هذه التساؤلات استقراء الإسلام يوضح استقلاليته عن ادخال أي شيء فيه مرادا منه مراد القرآن وهو محبة الله لعبد تدخله الجنة وتباعده عن النار، فقد استمعت في القرآن لوصف الجنة والنار، ولا أظن أن أي عاقل يضع قدمه وهو يستطيع سماع كلام الله وسنة رسوله في مكان لا يكون سببا لدخوله الجنة ويبعده عن النار.

ثانيا: أكرر هنا كتابة نموذج من الجنة والنار في القرآن لأضعها أمام مستقبل صاحبها ولا بد، ليدرك أننا نحن الإنسان ساعة عيشنا في الدنيا نجني متاعها تبعد أفكارنا كثيرا عن الفرق بين دخول الجنة أو النار ولا يفصل بين ذلك والإنسان إلا موته القابعة عند بابه ينتظر ملكها الإذن لقبض روحه يقول تعالى في شأن الجنة: {أولئك لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمون في جنات النعيم على سرر متقابلين يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون وعندهم قاصرات الطرف عين كأنهن بيض مكنون} وفي المقابل يقول تعالى: {يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا}.

 

ثالثا: هذا القدوم لهذا المصير الطيب إلى ما لا نهاية أو السيء إلى ما لا نهاية وإلى الأبد في كل منهما لا يوجد له مخرج فردي إلا إرادة من الله وحده من غير تدخل أي شيء خارج تلك الإرادة يقول تعالى: {فمن يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم}، ويلاحظ في من يشأ هنا تمحض الإرادة هذه.

 

رابعا: ألفاظ هذا القرآن واضحة ومفسرة من طرف الرسول صلي الله عليه وسلم لا عذر بعد سماعها لأي إنسان، ومفروض موضوعه على كل إنسان يقول تعالى في آية أخرى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}، ويقول تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين}.

 

خامسا: يتفق جميع المسلمين أنه بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم لم تنزل آية علي أي شخص ولم يقل بعد وفاته أي حديث.

 

ومع تلك الحقيقة فإن الله قد أكمل الدين في حياته صلي الله عليه وسلم، ورسول الله صلي الله عليه وسلم عندما فسر لجبريل جميع ما يتعلق بأصول الإسلام قال إن جبريل جاء ليعلم المسلمين دينهم.

 

ومعني ذلك فأي شيء يطلق عليه الإنسان لا توجد له أي طريقة تستند إلى حقيقة الإسلام إلا وهي موجودة في القرآن والسنة مقروءة وهي وحدها التي تنشء الطريق المستقيم إيمانها وإسلامها وإحسانها ولذا نجد في القرآن في كثير من آياته أن من لا يجد في هذا القرآن كفاية لحياته الدنيوية لتبلغه حياته الأخروية فهو غير عاقل لا يحمل أي لب أو لا يسمع ولا يبصر إلى آخره.

 

فالقرآن جاء فيه من معجزات الله الدنيوية التي وجدناها كما هي ولا طاقة لرفع الواقع عنها يقول تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه} إلى قوله تعالى {إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو علي نور من ربه}.

 

فأين هذا الإسلام الذي فيه النور الذي تشرح له الصدور؟ إنما هو الإسلام الواضح توجيهاته الظاهرة في القرآن في المعاملة ما بين الله والإنسان وما بين الإنسان والإنسان حتى ما بين الإنسان والبهائم، فهل يمكن أن يأتي أي شخص من الإنسان المسلم ويخطط لإسلام خاص به له قواعده مقننة لا توجد حقيقتها في الإسلام المقروء بين دفتي المصحف أو دفتي كتب الحديث؟.

 

وهذه مجرد لمحة عن الوصف الكاشف للطرق الصوفية التي سندخل في المقالات القادمة بإذن الله في تفصيل طقوسها واعتقاداتها لننظر جميعا نحن المسلمين بما فيهم أصحابها ونضعها تحت الحقيقة القرآنية أو سنة الإسلام لئلا يصل المسلم إلى مثواه الأخير وهو يقرأ هذا المصير الذي لا يعرفه إلا الله من الإرث البيئي النسبي التي سوف نسمع تحذير المولى عز وجل من القدوم إليه اتكالا على نسب إنساني أو نسب إرث ديني كما قال تعالى لليهود والنصاري عند إدلائهم بالنسب الديني {نحن أبناء الله وأحباؤه} فبين فضيحة اعتقادهم بقوله: {قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء}.

 

فنحن المسلمين لو نزل بعدنا كتاب إلهي لأظهر كثيرا من فضائحنا العقائدية التي لا سند للعقل في وجودها ولكن الله جعل ديننا هو الدين الآخير إلا أنه أنزل فيه ما يكفي لإرشاد البشرية التي تحق عليها كلمة الرحمة أو العذاب من الله يقول تعالى: {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم}.

 

يتبع إن شاء الله تحت عنوان: كيف نفهم الإسلام 7 (الصوفية 3)