على مدار الساعة

كيف نفهم الإسلام (3)

15 نوفمبر, 2021 - 01:55
الأستاذ محمدو بن البار

في آخر المقال الثاني من هذا العنوان قدمنا أنه بعد انتهاء القرن الأول من الهجرة وانتهاء عصر التابعين خرج بين المسلمين طوائف أغراها الشيطان بأن تتوسع في معرفة حقيقة ذات الله وصفاته، الأمر الذي نهى الله عنه في محكم كتابه فقال: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}، وقال: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.

 

فذكر الله أوصافه الدالة على إحاطته بكل ما يصدر من البشر فكرا وقولا وفعلا بألفاظ موجودة في اللغة العربية التي نزل بها القرآن أي نزل بفحواها ومعانيها وعامها وخاصها وتعريفها وتنكيرها، فالنبي صلي الله عليه وسلم الذي نزل عليه القرآن بلغته يدرك معاني هذه الألفاظ، فالسمع والبصر والظل والحرور والسر والجهر إلى آخره، كل هذه المسميات واضحة المعاني عند المتلقي العربي آنذاك.

 

فمثلا قوله تعالى: {وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون}، وقوله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها}، فهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها مراد الله من معانيها وهو: {أن الله سميع بصير }، يسمع المتكلم ويبصر القائل في أي مكان وأي وجه وأي ظرف، فلا حاجة للقول بأن الله عنده ذات منفردة عن سمعه وبصره، فهم يقولون هذه معاني متصفة بها تلك الذات ولكنها خارجة عنها، كما أن عمل هذه الصفات له متعلق وهو الأسماع والأبصار وأمثالهما من الصفات وهذه أيضا خارجة عن نفس الصفات، فمثلا الله عنده سمع وبصر خارجان عن ذاته وفعلهما من الأسماع والأبصار خارج عن الصفات، ولعلم الجميع فهذه عقيدة الأشعري التي نظمها عبد الواحد ابن عاشر وأصبح المسلمون ولا سيما ناحيتنا هذه تعتقدها وهذا الاعتقاد أصبح اتباعنا للإسلام جزء عقيدته تتبع فيه الإمام الأشعري، هذا الاعتقاد داخل هذا الدين من قام بالبحث الدقيق والاستقراء للقرآن والأحاديث فسوف لا يجد فيه أي أثر أن المسلم عليه أن يعتقد أن سمع الله وبصره منفصلين عن ذاته أي بائنين عنها، وأن اعتقاد هذا الانفصال هو جزء داخل في العقيدة الإسلامية.

 

فالله أكمل العقيدة والعبادة والمعاملات في قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} أي جميع ما حملتكم الفكر فيه أو قوله أو فعله وأمر النبي صلي الله عليه وسلم بأن يبلغنا وحيه ولذلك يقول تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} إلى آخر الآية، كما أمره بأن يبين لنا ما يحتاج للتبيين من معان الألفاظ العربية ومعانيها الكثيرة وبعد ذلك يقول لنا تعالى: {وما آتيكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.

 

فمثلا عندما أشكل على الصحابة أن كل ظالم لنفسه ليس له الأمن من انتقام الله منه فتعجبوا من مؤاخذتهم بكل ظلم والإنسان خطاء، فكأنه لا مكان للعفو عن أي ظالم فيبين لهم الرسول صلي الله عليه وسلم أن اللغة العربية تجعل الشرك ظلما، واستدل لهم على ذلك بقول الله تعالى الذي سبقه من كلام لقمان لابنه {لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}، وهكذا.

 

وعند حجة الوداع وإكمال الدين نادى النبي صلي الله عليه وسلم على آلاف الحاضرين سائلهم قائلا: (ألا هل بلغت؟) وعندما أجابوا بنعم لقد بلغت الرسالة وأديت الأمانة خاطب الله أمامهم بقوله: (اللهم فاشهد).

 

فقوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} إلى آخر الآية وخطبة الوداع بذكر المحرمات وغيرها هو المباحات لم يبق لإحداث عقيدة ولا عبادة أي مكان بين المسلمين ولكن بقي عمل الشيطان في الإنسان بعد أن أذن الله له في الهجوم على بني آدم وأذن له أن يهجم عليهم ليصدهم عن الطريق المستقيم وأنه يأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم -  أي جهة عقيدتهم وعبادتهم ليلبس عليهم الدين الصحيح، فهجوم بتلك الوسوسة والتزيين بأن عقيدتهم وعبادتهم الفاسدة هي الطريق المثلي عند الله – وعن شمائلهم أي أنواع شركهم وكفرهم وجحودهم ليتفننوا فيه وينكروا كل ما قال الله يقول تعالى: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلي وربي لتبعثن} إلى آخر الآية.

 

كما أن الله عين له وسائل الهجوم ومكانه فقال تعالى: {اجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا}.

 

وعندما يستقرئ المسلم أسماء الأشخاص التي ورد نشاطها في نوع عبادتها وما يسمع عنها من قولها وفعلها يدرك جيدا أن قول الله للشيطان {وعدهم}، وجدت مكانا في قلب هذا الإنسان صالحة تربته للسفر على هذه الطرق التي اختارت إنشاء طرق خاصة بها وتركت الطريق المستقيم الذي وضعه الله في هذا القرآن وعلي لسان نبيه صلي الله عليه وسلم وهو كثير المعالم لا يزيغ عنه إلا هالك جعل الله لهذا الإنسان سمعا ولكن لا يسمع به وجعل له أعينا ولا يبصر بها الحق إلى آخر ما نرى ونسمع.

 

فمن جهة نرى ونسمع القرآن يقص علينا آياته مفصلة لم تترك مثقال ذرة من الفكر والقول والفعل في الدنيا إلا وبينت الصالح منه من الفاسد، {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءا وتصدية}، {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى}}، {هل أتاك حديث الغاشية وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة [ولكنها] تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية} إلى آخر الآيات لأن عبادتهم التي أرهقتهم وأوصلتهم إلى نار حامية ليست على الطريق المستقيم.

 

فالطريق المستقيم التي أشار الله عليها باسم الإشارة التي حددته اللغة العربية للإشارة الخاصة بالمشار إليه وهنا هو القرآن ونصوصه المحكمة وتبيين النبي صلي الله عليه وسلم يقول تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}، وهذا النهي الأخير من الله مقصود لتأكيد الأخذ بما تضمنه اسم الإشارة وخصصه للإتباع دون اتباع السبل.

 

ولكن المتأمل في القرآن سوف يسمع أن الله يعلم أن بني آدم لم يخلقهم الله كلهم لرحمته لأن جلهم لا يصلح لدخول الجنة ولا تصلح له، وعندما سلط عليهم الشيطان كما تقدم علم جل جلاله أن من لا يصلح لرحمته وهو الأكثرية سوف يتبع الشيطان إما بطريق كفر بواح، وإما بطريق شرك متخف في تزيين نفسه في ثوب ملوث بالأهواء الفاسدة المتمثلة في العبادة التي لا ترى مسمياتها في القرآن ولا في الحديث لوجودها هي وطقوسها وإشارتاتها واصطلاحاتها كل بعد وفاته صلي الله عليه وسلم الذي لم يأخذه الله إلى الرفيق الأعلى حتى أكمل له الدين وبلغه هو كما تقدم يقول تعالى: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين}.

 

ومن هنا أعود بإذن الله في المقال الموالي لأفكار بعض العقائد الفاسدة لأن ما قدمته من العقائد خاص بالأشعري والجميع يعرف نسبتنا إليه في الدنيا، أما موقعنا معه في الآخرة فسيحدده الله كما قال تعالى: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} فأين يكون الأشعري عندئذ من النبي صلي الله عليه وسلم الإمام الوحيد لنا.

 

يتبع إن شاء الله تعالى.