على مدار الساعة

ولد بلخير: أبلغت غزواني أن موريتانيا على وشك الانفجار وحل مأزقها في الحوار (فيديو)

21 أغسطس, 2021 - 18:11
رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير خلال حديثه مع الأخبار

الأخبار (نواكشوط) – قال رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير إنه أبلغ الرئيس محمد ولد الغزواني بشكل مباشر بأن موريتانيا لم تعد موجودة كدولة، وإن الآن على وشك الانفجار.

 

وأضاف ولد بلخير في مقابلة مع وكالة الأخبار أنه أكد للرئيس محمد ولد الغزواني أن حل مأزق البلاد في تنظيم حوار وطني شامل، يناقش فيه الجميع كل قضايا الوطن، وهو وحده وحده ما يمكن أن يرمم وحدة البلاد.

 

وأضاف ولد بلخير أنه قال ولد الغزواني خلال لقاء معه إن "شريحة الزنوج يشعرون بالكثير من الضيق، وأصبحوا يتحدثون عن الحكم الفيدرالي،  بل وحتى عن بالانفصال عن موريتانيا، وكذلك سكان الشمال مثلهم، فمنذ فترة وهم يتحدثون عن الانفصال".

 

وقال ولد بلخير إنه أبلغ الرئيس ولد الغزواني أنه يتخوف أن يكون ما وصفه بـ"استعراض الجزائر الأخير لعضلاتها، وكذا ما حدث في الكركرات قبل أشهر، يمكن أن يدفع بعضهم لأن ينتهز هذه الفرصة، ويتعاون مع الجزائريين والصحراويين ويعلن انفصال الشمال عن موريتانيا".

 

وأردف ولد بلخير أن "أهل الشمال يتحدثون منذ فترة أنه تعبوا من حمل موريتانيا على ظهورهم، وأنهم يريدون أن يكونوا أمة وحدهم".

 

وأشار ولد بلخير إلى أنه حدث الرئيس ولد الغزواني "أننا نحن سكان الشرق، وأقصد سكان الحوض الشرقي نعتبر أننا من دولة مالي".

 

وتحدث ولد بلخير عن تأكيده للرئيس ولد الغزواني خلال لقاءه معه قبل فترة أن "هذا لا يمكن أن يرممه ولا أن يتلافاه إلا الحوار، وأنه يجب أن ينظم هذا الحوار ليضع حدا لهذه التحديات، وأن يتدارك موريتانيا".

 

وحول مبررات تلويحه بدعوة الرئيس ولد الغزواني للاستقالة في حال عجزه عن مواجهة مشاكل البلاد، قال ولد بلخير، هذا "موقفي كتحالفي، وموقفي كمواطن، وكإطار، الرؤساء يتسابقون إلى إدارة البلد وقيادته لا لتزكية أنفسهم ولا لمصالحهم الذاتية، ولكن لأنهم يظنون أن عندهم أفكارا أو قوة وإرادة لإخراج بلدهم من المشاكل التي يتخبط فيها، ولا يوجد أي بلد لا توجد فيه المشاكل والخلافات".

 

وقال ولد بلخير إنه يعتبر أنه كشخص كان وراء الهدوء الذي كان حاصلا في البلاد خلال السنتين الأخيرتين، لافتا إلى أنه حزبه كان الحزب الوحيد من بين الأحزاب التي شاركت في المؤتمر الصحفي الأخير الذي دعم الرئيس ولد الغزواني خلال رئاسيات 2019.

 

وأضاف ولد بلخير: "وقد دعمته عن قناعة، لأنني اعتبرته أحسن طريقة انتقالية بين الرئيس السابق ورئيس آخر، وزكيته على ذلك الأساس".

 

وتحدث ولد بلخير في المقابلة عن تقييمه لسنتين من حكم الرئيس ولد الغزواني، وعن رؤيته لتجارب الحوار السياسي في البلاد، وعن علاقات حزبه مع الطيف السياسي، إضافة لمواضيع أخرى.
 

وهذا نص المقابلة: (ستنشر المقابلة لاحقا بالصوت والصورة على منصة الأخبار على فيسبوك، وعلى قناتها على اليوتيب)

رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير، ورئيس تحرير وكالة الأخبار أحمد محمد المصطفى

 

وكالة الأخبار: لنبدأ من آخر المستجدات، تلقيتم البارحة دعوة من الرئيس لحضور اجتماع ضمن رؤساء الأحزاب الممثلة في البرلمان، هل ستلبون الدعوة؟

مسعود ولد بلخير: قبيل صلاة المغرب ليلة البارحة، اتصل بي رئيس الاتحاد من أجل الجمهورية، وكان يريد  إطلاعي على أن الرئيس دعا رؤساء الأحزاب الممثلة في البرلمان، وهي الأحزاب التي أصدرت بداية خارطة الطريق التي كانت منطلق التشاور والحوار، لن أقول تشاور من أجل الحوار، لأن ذلك المصطلح رفضوه، لذلك سأستخدم مصطلح التشاور والحوار.

 

فهمت من رئيس الحزب أنه يريد دعوتي لحضور هذا الاجتماع، فاعتذرت لهم عن الحضور، فأنا كنت معهم في حلف، وقد انتظرت طويلا من أجل أخذ رأيي فيما يفكرون فيه من تحضير التشاور، وانتظرت طويلا من أجل أن يتم الحديث معنا حول موضوع التشاور والحوار، وأن نبني على ما اتفقنا عليه من خلال التشاور من أجل إطلاق الحوار، وبدأ الترتيبات من أجله.

 

وخلال هذه الفترة، كان يقال لنا مرة إن الحوار وشيك، فقد قالها رئيس الحزب الحاكم مرتين في مدينتي نواذيبو، وروصو، لنتفاجأ بعد ذلك بحديث الرئيس محمد ولد الغزواني لوسائل إعلام فرنسية بأن "الحوار ليس ضروريا"، وفي الحقيقة قد سمعنا عنه هذا قبل ذلك، كما تحدث عنه بعض كبار المسؤولين، كوزير الداخلية مثلا، والذي قال هو الآخر إن "موريتانيا ليست في أزمة، وإن الحوار ليس ضروريا".

 

لقد كانت هذه التصريحات قاصمة لمساعينا كأحزاب سياسية كنا نتشاور ونبحث عن حوار يفضي إلى ثقة توافقية فيما بيننا. لقد وضعت حدا لهذا المسار الذي كنا نسير فيه (خبطة فصالة).

 

وقد أردنا من خلال المؤتمر الصحفي الذي نظمناه أن نبين عدم رضانا عن هذا الموقف الذي يبدو أنه ألغى الحوار، ولم يُبق سوى التشاور.

 

لقد أبلغت رئيس الحزب الحاكم، أننا تجاوزنا موقفنا السابق، وأصبح لدينا موقف جديد، وإنني أعتذر عن حضور الاجتماع مع الرئيس، فلا يمكنني أن أحضره.

 

كما أخبرته في الوقت ذاته، أن هذا لا يفسد من الأمر شيئا، وأنهم إذا التقوا مع الرئيس، وناقشوا معه الأوضاع، وخرجوا من عنده بموقف جديد، يمكن أن يغير موقفنا، فيمكن أن نتشاور معهم حوله، وما أفضى إليه هذا التشاور نعمل وفقه، ويمكن حينها أن نلتحق بكم جميعا، أو يلتحق بكم بعضنا إذا اقتنع بها، ومن لم يقتنع يبقى على موقفه، وهذا حقه الطبيعي، فلكل طرف سياسي الحق في اتخاذ الموقف الذي يراه.

 

وكالة الأخبار: هل هذا موقفكم في التحالف الشعبي التقدمي، أم هو موقف كل الأحزاب التي شاركت في المؤتمر الصحفي؟

مسعود ولد بلخير: هذا موقفنا في التحالف الشعبي التقدمي، علما أن هذه الأحزاب والتشكيلات ليس معنيا منها بهذا الاجتماع سوى حزبي التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل"، والتحالف الشعبي التقدمي.

 

وقد أبلغت جميع الأحزاب والتشكيلات التي شاركت في المؤتمر الصحفي بردي على رئيس الحزب الحاكم، وكان الأول منهم حزب "تواصل"، وقد بارك الموقف، وقال إنه هو الموقف المناسب، كما اتصلت على بقية الأحزاب، فقد اتصلت بكان حاميدو بابا، وبمصمبا اتيام، وبعمر ولد يالي، وبالمختار ولد سيدي مولود، وقد باركوا جميعهم هذا الموقف، كما اتصل بي رئيس حزب البيئة محمد ولد دلاهي ليحدثني عن انطباعه عن المؤتمر الصحفي الذي نظمناه، والذي تحدث فيه، كما أخبرني – بكل أسف - أنه سيرافق مريضا من الأسرة إلى المغرب، لكنه يبارك جميع المواقف التي سنتخذها.

 

وكالة الأخبار: حمل المؤتمر الصحفي الأخير تصعيدا فاجأ كل الموريتانيين، ففي وقت كان الجميع يتحدث فيه عن الهدوء السياسي، فاجأتم الرأي العام بالتلويح بمطالبة الرئيس بالاستقالة؟

مسعود ولد بلخير: مطالبتي في المؤتمر الصحفي للرئيس محمد ولد الغزواني بالاستقالة إذا لم يستطع مواجهة مشاكل البلد، هو موقفي كتحالفي، وموقفي كمواطن، وكإطار، الرؤساء يتسابقون إلى إدارة البلد وقيادته لا لتزكية أنفسهم ولا لمصالحهم الذاتية، ولكن لأنهم يظنون أن عندهم أفكارا أو قوة وإرادة لإخراج بلدهم من المشاكل التي يتخبط فيها، ولا يوجد أي بلد لا توجد فيه المشاكل والخلافات.

 

ونحن نعترف أنه كان هناك هدوء. وأنا أعتبر أنه كان مني أنا شخصيا، لأنني من بين كل الأحزاب التي شاركت في المؤتمر الصحفي كان حزبنا هو الوحيد الذي دعم ولد الغزواني، وقد دعمته عن قناعة، لأنني اعتبرته أحسن طريقة انتقالية بين الرئيس السابق ورئيس آخر، وزكيته على ذلك الأساس.

 

أنا لا أتفق مع الذين يقولون إن العسكريين ليسوا أهلا لقيادة البلاد، بل فندت هذا الطرح من خلال تدخلاتي وتحليلاتي، وقلت إن قيادة البلاد تتطلب الوطنية والتفاني في مصلحة الوطن، ولا أظن أن هناك من هو أحرص على مصلحة البلد من جندي يضحي بدمه ذودا عن حمى بلده، وصونا لكرامته.

 

إذاً، أعتقد أنه بالمقارنة بين المدنيين والجنود، لا يمكن أن نقول إن المدنيين أكثر وطنية من الجنود، بل العكس، لأن الجنود يقدمون أنفسهم ودمهم من أجل موريتانيا، وبالتالي عليهم أن يكونوا أكثر شفقة عليها، وأكثر وطنية.

 

لقد زكيته على هذا الأساس ودعمته في رئاسيات 2019.

 

وفي الحقيقة، فإن ما حدث منذ وصوله للسلطة لم يرضني يوما من الأيام.

 

وكالة الأخبار: هل خاب أملكم فيه؟

مسعود ولد بلخير: بكل تأكيد، لكنني كنت أحكم الحكمة والصبر، وأقول إن هذه مرحلة وسينتقل منها إلى أخرى أحسن، طال انتظاري وصبري لأنني كنت أريد حين ساندته – وقد أخبرته بذلك – أننا كنا نريد أن نكون في أغلبيته، وأن يشركنا في الحكومة، وفي إدارة الدولة المقصيين منها، وقد أعددت له عريضة بذلك في حال رغبته في دخولنا لأغلبيته، وأملنا ليس كما يظنه البعض ويتحدث عنه بأن نحصل على منافع شخصية، أو أن نملأ جيوبنا،  وإنما كنا نطمح إلى أن نحدث تأثيرا، ونمطا جديدا داخل الأغلبية الحاكمة، ندخله إلى الأغلبية التي تزكي كلما يقول الرئيس دون نقده أو توجيهه إلى الصواب، أي أن نلعب في الأغلبية نفس الدور الذي كنا نلعبه في المعارضة، وأن نقوم بالإصلاح من الداخل.

 

وكانت مفاجأتتي أنه أخبرنا أن لا يلتزم بأي من مطالبنا، بل لا يريدنا أن نطرحها عليه، لأنها ستدخله في مأزق، حسب ما قال، فقد دعمته مبادرات كثيرة، وقال إنه إذا قبل شروطنا، فإن الجميع سيحاول طرح شروط عليه أيضا،.

 

ولن أدخل نفسي في محاولة تحديد أوزان هذه المبادرات الانتخابية.

 

لقد قال لنا إن الكثير من المبادرات دعمته، ولا يريدنا أن نشترط عليه عريضة للتعين، وبهذه الطريقة رفض كل عريضتنا المطلبية، ولم يترك لنا سوى مطلب واحد، هو مطلب تنظيم حوار سياسي شمال، وكان هذا هو أهم مطلب لدينا، وهو أنه في حال ثبَّت أسس نظامه، فإنه سينظم حوارا شاملا، بدون إقصاء أي طرف، ومواضيعه من دون محظورات، ويكون شاملا لكل المشاكل التي تعاني منها موريتانيا.

 

وقد طمأننا إبقاؤه على مطلب الحوار كثيرا، أي أنه التزم بتنظيم حوار، لكنه في أول خرجة إعلامية له، وكانت مع صحيفة فرنسية، قال فيها إنه يرى أن الحوار ليس ضروريا، وقد شكل هذا التصريح والموقف صدمة كبيرة لنا، لكننا تحملنا تلك الصدمة، وواصلنا الصبر والانتظار.

 

وقد أتيحت لي فرصة لقائه مرتين، وكنت في كل مرة أؤكد له ضرورة تنظيم الحوار.

 

ومن المواضيع التي حدثته فيها أن قضية الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز التي أثيرت أخيرا، وخاض فيها الجميع، تمت شخصنتها، فالناس الآن يقولون إنها قضية تتعلق بالرئيس محمد ولد الغزواني، والرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وفي حال توسعت عن ذلك يجعلونها خلافا بين قبليتين، في حين أنها قضية وطنية، ويجب أن تكون كذلك.

 

وأكدت له بناء على ذلك ضرورة تنظيم حوار سياسي يتناول كل القضايا بما هذه القضية، وأن يشارك فيه الجميع دون أي إقصاء، يشارك فيه السياسيون والمجتمع المدني والعلماء والأطر والحكماء.. ولا شك أنهم سيتناولون هذه القضية، وغيرها من القضايا، وإذا اتفقوا على برنامج جديد يجمع كل الموريتانيين، فيمكنه حينها أن يلغي برنامجه "تعهداتي"، ويتبنى البرنامج الجديد الذي يجمع كل الموريتانيين، ويعتمد مخرجات الحوار برنامجا، ويباشر تنفيذه.

 

وقلت إنه إذا تمكن من تنفيذه خلال مأموريته الأولى فبها ونعمت، وإذا لم يتمكن من ذلك فستكون هذه فرصة له لطلب مأمورية ثانية. لقد حدثته بهذا الأمر كما حدثتك به الآن، ولا أعرف هل رد علي!.

 

كما استدعاني مرة أخرى، وأخبرني أن لديه شيئا يود أن يحدثني به، وقد منحني الكلام أولا، وقدمت له رأيي بكل وضوح، وأخذ هو الكلام وتحدث عن التشاور والحوار، وأكد لي أنه يفضل مصطلح التشاور على مصطلح الحوار، وكان قد حدثني بنفس الأمر في لقائنا السابق.

 

وقد تجاهلت أنا بشكل كلي مصطلح التشاور، وحدثت عن الحوار وضرورته، وأن موريتانيا لا يمكن أن تخرج من المأزق الذي توجد فيه إلا عبر الحوار.

 

وقلت له بالحرف الواحد إن موريتانيا لم تعد موجودة كدولة، وإنها وشيكة على الانفجار، فشريحة الزنوج يشعرون بالكثير من الضيق، وأصبحوا يتحدثون عن الحكم الفيدرالي،  بل وحتى عن بالانفصال عن موريتانيا، وكذلك سكان الشمال مثلهم، فمنذ فترة وهم يتحدثون عن الانفصال.

 

كما حدثته عن تخوفي من أن يكون استعراض الجزائر الأخير لعضلاتها، وكذا ما حدث في الكركرات قبل أشهر يمكن أن يدفع بعضهم لأن ينتهز هذه الفرصة، ويتعاون مع الجزائرين والصحراويين ويعلن انفصال الشمال عن موريتانيا.

 

إن أهل الشمال يتحدثون منذ فترة أنه تعبوا من حمل موريتانيا على ظهورهم، وأنهم يريدون أن يكونوا أمة وحدهم، وأكدت له أن الكثير قيل في هذا المجال.

 

كما أخبرته أن نحن سكان الشرق، وأقصد سكان الحوض الشرقي نعتبر أننا من دولة مالي.

 

وأكدت له أن هذا لا يمكن أن يرممه ولا أن يتلافاه إلا الحوار، وأنه يجب أن ينظم هذا الحوار ليضع حدا لهذه التحديات، وأن يتدارك موريتانيا، وغادرت.

 

وكالة الأخبار: ما هو تقييكم لحصيلة سنتين من حكم الرئيس محمد ولد الغزواني، أي بعد مضي نسبة 40% من مأموريته؟

مسعود ولد بلخير: أنا قلت في المؤتمر الصحفي الأخير إنه إذا كان التقييم من 100، فإني نسبة فشل مأمورية ولد الغزواني هي 99.99%، وإذا كان هناك بصيص إنجاز، فإنه يتلعق بالتغيير الذي أحدثه في العلاقة مع المعارضة، لأنه كانت هناك كتل معارضة في حالة قطيعة وصدام مع النظام السابق، والمسؤولية عن هذه القطيعة مشتركة، وقد تحدثت مع ولد عبد العزيز حول الموضوع كثيرا، لكن ظلت القطيعة قائمة، هذا يحسب لولد الغزواني، وهو الذي جعلني أترك النسبة المتبقية للإنجاز.

 

فيما عدى ذلك، أرى أن خيبة الأمل ظلت سائدة، فنحن في الواقع لم نر أي تغيير ملموس في النمط التسييري الذي كان قائما خلال العشرية، والرجال الذين اعتمد عليهم، وأسس عليهم نظامه، هم أنفسهم الذين كانوا في نظام سلفه، كما انتشر الفساد بنسبة كبيرة، وإذا لم يكن قد تجاوز الدرجة التي كان فيها خلال العشرية، فليس دونها قطعا.

 

وتقييمي الشخصي أن رئيسا يأتي بعد العشرية التي يعرفها جيدا، كما يعرفها القاصي والداني، ثم لا يدقق في أي قطاع من القطاعات البنيوية والأساسية للدولة، فإن هذا يعد أمرا غريبا. فلم يتم التدقيق في وزارة الصيد، ولا في وزارة البترول والطاقة والمعادن، ولا في وكالة التضامن التي ورثتها تآزر، ولا في البنك المركزي، وما أدراك ما البنك المركزي، ولا في وزارة التشغيل. باختصار لم يتم التدقيق في أي قطاع!.

 

وهذا بالنسبة لي يعد أخطر فساد يمكن أن تشهده موريتانيا.

 

لقد حاولوا التغطية على هذا الأمر بالقول إن موريتانيا بخير، وإنها ترفل في الديباج، وذلك في وقت يعجز فيها المواطنون عن توفير قوتهم اليومي، بل عن ما هو أكثر أولوية من قوتهم اليومي، وهم وثائقهم المدنية، لأن آلاف الموريتانيين، وربما مئات الآلاف من الموريتانيين الأصيليين من الزنوج والحراطين، وربما من الفئات الأخرى المهمشة، لم يحصلوا على أوراقهم المدنية إلى اليوم.

 

وسأضرب لكم مثالا على ذلك بالمنطقة التي أعرفها جيدا، أي منطقة آمرج في ولاية الحوض الشرقي، في هذا المقاطعة توجد بلدية تسمى "بوكادوم"، وهي أكبر بلدية في المقاطعة، جل سكان هذه البلدية من دون أوراق مدنية، ومن دون جنسية، كما أن الزنوج منذ بداية المشروع الجديد وهم يرفعون أصواتهم بأنه تم إقصاؤهم بسببه.

 

أما ارتفاع الأسعار، وغلاء المواد الأساسية، فلا يمكن أن يحصر. خذ مثلا أسعار الأغنام، والتي كانت تباع بثمن بخس في منبعها في الحوض الشرقي، وأصبحت اليوم تباع هناك بأسعارها في العاصمة نواكشوط، وارتفعت تبعا لذلك أسعارها في العاصمة بشكل كبير. كما ارتفعت أسعار زيت الطبخ، والأرز، واللبن.. ماذا سأعد أو أحصر؟ وهل يمكن أن أحصره؟

 

كل هذا لم يعرف أي تغيير. إلا إذا كان التغيير هو أنه عادة حين ترتفع الأسعار، ويرفع المواطن صوته شاكيا من ارتفاعها، ويتحدث الجميع عنها تستدعي الدولة رجال الأعمال، على اعتبار أنهم ضالعين في قضية الارتفاع، وتطلب منها تخفضيها، ويستجيبون لذلك، والآن حين صعدت الأسعار، استدعى الرئيس رجال الأعمال، وتحدث معهم، وبعيد خروجهم من عنده صعدت الأسعار مجددا، لكأنه قال لهم إن أسعارهم عادية وعليهم رفعها مجددا. كما تحدث الناطق باسم الحكومة بأن ما عرفته الأسعار أمر بسيط ومعتاد.

 

وفي الحقيقة، أنه إذا كان البعض قد كدس من الأموال ما ستأتي عليه الآخرة قبل أن يستنفده، فإن البعض الآخر يفتقر لقوته اليومي.

 

وهناك أمر آخر، وهو أن القانون اليوم يطبق على الفقير دون الغني، والضعيف دون القوي، وتستعرض عليه الدولة قوتها وجبروتها، وسأضرب لكم أمثلة على ذلك.

 

أول هذه الأمثلة، وقد آلمني كثيرا، يعود لرجل زارني مرة في الحي الساكن، وحدثني عن قضيته، وقد أخبرني لاحقا أنه دركي، وكان هو المسؤول عن الفرقة التي كانت موجود على الطريق الموصول إلى محمية الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في إنشيري.

 

وأكد لي أن أحيل للتقاعد قبل موعده بخمس سنوات، وأنه تعرض لظلم بين، ويريدني أن ألتمس له الإنصاف.

 

وقصته أنه كان مسؤولا عن الفرقة الموجودة على هذا الطريق، وصادف مرور الوزير السابق سيدنا عالي ولد محمد خونه باتجاه محمية ولد عبد العزيز في إنشيري انشغاله في موضوع سيارة كانت تحمل سيدة في ظرفية مرضية خاصة، وجاءه أحد عناصر الأمن، وأخبره بوجود سيارة فيها رجل مسن، ولحيته بيضاء، وأنه هو الوحيد فيها، فأمره أن يسمح له بالمرور، فلا شيء يدعو للاشتباه في مسن لحيته بيضاء، وهو وحده في سيارته.

 

وقد تبيَّن بعد ذلك أن هذا الرجل كان سيدنا عالي ولد محمد خونه وكان في طريقه للقاء الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، فتمت معاقبة هذا الدركي، وإنهاء مسار عمله، وإحالته للتقاعد مبكرا، ليواجه ظروف الحياة الصعبة المتعلقة به وبأسرته، ويعجز عن تأجير مكان لإيواء أبنائه، أو للصرف على دراستهم.

 

وقد آلمني كثيرا سرده لقصته، وأن يكون هو وحده الضحية، وأن تكون عقوبته بهذا الدرجة من الشدة.

 

وقد اتصلت بقضيته على مدير ديوان الرئيس، وسردتها عليه، وطلبت منه إيصالها للرئيس لإنصافه، فرد عليه – باستغراب - بأنه هذه "روايته هو". ومن يومها لم أتصل عليه إلى اليوم، وهذا منذ عدة أشهر.

 

وقد وجدت فرصة لطرحها على الرئيس لرفع الظلم وإنصافه، وعلق عليها تعليقا غير مفهوم، ورغم ذلك لم يتم حل قضية الدركي، ولم يرفع عنه الظلم.

 

لقد تمت معاقبة الضعيف فقط، والتشفي فيه، وفي سائق السيارة.

 

المثال الثاني، هو قضية البنك المركزي، والتي راحت ضحيتها الشابة الضعيفة تبيبه بنت عالي انجاي، والتي كانت تعمل في البنك، وتم سجنها وحدها في هذا القضية. موريتانيا بلد صغير، والمعلومات فيها متوفرة، وقديما كان الموريتانيون يقولون إن رجلا نزل في بئر، وأزال بعض القمل، ثم عاد فوجد الحي يتحدثون عن الأمر. وهذا دليل على حجم تداول المعلومات في هذا الشعب.

 

هذا البنك يتخذ منه النظام صندوقا خاصا، وكانت هذه الفتاة تعمل فيه، ولديها مسؤولية محددة، وكانوا عندما يأتونها يعطلون كاميرا المراقبة للتستر على القادم في المهمة، وعلى المهمة ذاتها، كما يجري الحديث عن أمور تتعلق بصناديق أكرى، وصنادق أخرى، وتبييض الأموال، وغير ذلك من الأمور التي تتمركز في البنك المركزي، كان هذا طيلة عقد من الزمن.

 

ثم تتخذ الشابة ضحية دون غيرها، وهي "لا تسوق ولا تقود"، يتم التشفي فيها مع الفنان أحمد طوطو، وهما مسكينان ضعيفان، أما المسوؤلون الكبار في المؤسسة فيتنقلون من وظيفة لأخرى، ولا تذكر أسماؤهم في الملف، ولا يكشف أي غطاء عن الموضوع.

 

هل تتصورون أن هذا يمكن أن يفوت على الشعب؟ أو أنه يمكن أن يرضى به؟

 

كيف يتصور أن يكون الرئيس لا يرحم الضعفاء، ولا يشفق لحالهم، ولحال الأرملة واليتيم؟

 

قضايا أخرى كثيرة، تضرر منها الضعفاء، وكانوا ضحايا فيها دون أي تدخل من الدولة، كقضية الأحياء العشوائية، وكقضية الشيخ الرضا، والتي راح ضحيتها جمع كبير من ضعاف هذا الشعب.

 

لقد زارتني مجموعة من النسوة المتضررات منها، وطلبن مني التدخل، وقد زرت فيها الوزير الأول، وحدثته عنها، وطلبت منهم التدخل لإنصاف المواطنين، لكنه رد علي ردا غير مقنع، وبالتالي فضلت عدم معاودة الاتصال بهم، لأني أفضل أن يتهموني بأنني أهملت موضوعهم، على أن يأيسوا من الحل الذي ينتظرونه من دولتهم.

 

ولا بد هنا أن أتحدث عن قضية وزارة التشغيل، وما يجري فيها، فمع أني لا أعمل فيها إلا أنه لدي معلومات عنها، وقد طالعت تقارير عن ما وقع فيها، وهي تقارير مصدرها أناس ميدانيون لديهم البراهين التي لا يمكن تكذيبها.

 

والحقيقة، أن هناك قطاعات حكومية عدة حولت إلى ورشات، ومصادر لتمويل المشاريع بشكل غير شفاف، كوزارة التشغيل، ووزارة العمل الاجتماعي، وتآزر، وصندوق كورونا. إنها مليارات من الأوقية تقسم بين المسؤولين في الوزارات، وبين جمعيات وتعاونيات غير حكومة بدون أي تدقيق، ولا دراسة ولا شيء.

 

فكل وزير يقوم بإنشاء تعاونيات، تضم  أبناءه وإخوته وأبناء عمومته ومحيطه، ثم يوزع عليهم المبالغ المالية، وبهذه الطريقة يعود النفع على شخص واحد. هذه هي الطريقة التي يجري بها العمل، ولكل قطاع سماسرته، وآلياته لنهب خيرات هذا البلد.

 

موريتانيا الآن مقطعة الأوصال بسبب الوضعية التي توجد فيها طريق الأمل الذي يربط باسكنو بنواكشوط، وذلك في وقت تعمل الحكومة على إنجاز جسور في نواكشوط، مبررة الأمر بزحمة المرور، في حين أن زمة المرور سببها عدم التزام السائقين بالقوانين، ولن تنفع فيها الجسور.

 

وفي القطاع الأمني، أصبح لكل جنرال قطاعه الأمني الخاص به، والذي يتصرف فيه كما يشاء، فهذا جنرال على الدرك، وآخر على الجمارك، وثالث على الشرطة، ورابع على القوات الخاصة، وخامس على الأمن الرئاسي، وسادس على الحماية المدنية. لكل مسؤول عسكري قطاع يتحكم فيه، ويقرر فيه ما يشاء.

 

هذا المتخذ في القطاعات بتوزيعها على الجنرالات، لم لا يتخذ في الوزارات والقطاعات المدنية؟ فبدل تكديسها في يد مسؤول واحد، لم لا توزع إلى قطاعات وزارية، ويوكل كل واحد منها لمسؤول، مثلا، وزارة البترول والطاقة والمعادن، وهي من أكبر الوزارات وأكثر جباية للخيرات سواء بشكل قانوني أو غير قانوني، لماذا لا تجعل كل واحدة منها وزارة مستقلة، وإذا منح هذا القطاع لواحد من الفئات، يمنح الآخر لشخص من فئة أخرى، ليعرفوا جميعهم أن هذا الوطن وطنهم، وأنهم جميعا مساهمون في بنائه، أو يكونوا أمناء عامين لهذه القطاعات.

 

هل يعقل أن تحتكر فئة أو شريحة واحدة كل هذه المناصب، وتكون هي المستفيدة وحدها؟ هذا ليس عادلا ولا منصفا. وحين يتم الحديث عنه والتنبيه عليه يقولون إنه حديث عنصري، أو فئوي، أو حديث تفرقة.

 

فضلا عن ما يقام به من الغبن، والإهمال، واللا مبالاة الذي لا يمكن السكوت عليه.

 

لم أتحدث عن واقع السجون، من يوجد في السجون اليوم؟ توجد فيها فئة واحدة من هذا الشعب.

 

الشوارع أيضا من يوجد فيها؟ فقد كدت أنساها، هل يعقل أن موريتانيا لا يوجد فيها من يعمل ومن يحتاج للعمل إلا السود!.

 

اليابان، والولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، دول غنية، بل هي أغنى دول العالم، ومع ذلك من يتولى الأعمال اليدوية فيها هم مواطنوها، من يفرغ البضائع في فرنسا فرنسيون، وهكذا كل دول العالم.

 

نحن لسنا مثل الإمارات، أو دول الخليج،  فهذه دول غنية، وتدفع لمواطنيها رواتب، وهي رواتب ليست من رواتبنا، وتعتمد على العمالة الأجنبية.

 

إذا كان الحراطين والزنوج قد رضوا بتولي الأعمال اليدوية، فهل يوجد ما يمنع من زيادة رواتب وتعويضاتهم، لماذا لا يتم تحديد راتب للعمل اليدوي، ويتم رفع سقفه حتى يوفر لهم ضروريات حياتهم؟ فهم في غاية الاحتياج،.

 

نحن عشنا كلنا ظروفا مشابهة، ورعينا الغنم والإبل والبقر، ونمط غذائنا واحد، وليس من بيننا من ولد وفي فمه ملعقة من ذهب؟ هذا غير موجود، لقد عشنا جميعا في ظروف بدوية، وعملنا جميعا على استخراج المياه من الآبار، لذا هذا التفاوت الحاصل غير المبرر!، فلا يوجد من ورث المليارات من آبائه وأجداده.

 

وكالة الأخبار: عودة للوضع السياسي، كيف ترون في التحالف الشعبي التقدمي علاقاتكم مع الطيف السياسي في البلاد؟

مسعود ولد بلخير: علاقتنا بالطيف السياسي الموريتاني خصوصا المعارض، علاقة حسنة، ولم يقع بيننا أي خلاف جذري، قصارى ما بيننا هو ما يقع بين كل اثنين من الموريتانيين، كل منهما يفضل أن يكون الشيخ والقائد، ولا يريد خفض الجناح للآخرين، وهناك من لديه تقبل للشراكة، ومن لديه نقص في ذلك.

 

علاقتنا طبيعية، أحيانا نتفق، وأحيانا تتباين آراؤنا. مثلا ما حال بين اتفاقنا كمعارضين على موقف واحد الآن يمكن أن أرجعه للصبر، فبعضنا لديه قدرة عالية على الصبر والتحمل، وبعضنا دون ذلك.

 

ذات مرة في اجتماع معهم في منسقية الأحزاب الممثلة في البرلمان، طلبوا مني أن أصبر قليلا، قلت لهم إنني أنا أكثرهم صبرا، لأنني دعمت الرجل منذ إعلان ترشحه،  وتحملت كثيرا، وصبرت، وانتظرت، وأنتم دعمتموه بعد ذلك، وقد صبرت بما فيه الكفاية، ثم عليكم أن لا تنسوا أنني من المناطق الشرقية والتي يوصف سكانها بأن قدرتهم على التحمل محدودة.

 

وكالة الأخبار: في المؤتمر الصحفي، رددتم على سؤال حول غياب بعض أحزاب المعارضة عنه، بأنكم لم تتفقوا معهم، أو لم يتفقوا معكم، هل تقصدون بذلك تحميلهم مسؤولية عدم الاتفاق؟

مسعود ولد بلخير: في المؤتمر الصحفي، قلت إنهم لم يتفقوا معنا، لكنني رجعت عنها من باب التواضع، وخوفا من أن يظن أننا أهم منهم، فقلت أو لم نتفق نحن معهم، والمهم أننا لم نتفق، وأقصد حول هذه القضية تحديدا، فأنا مثلا من الموقعين على خارطة الطريق التي صدرت عن الأحزاب المنضوية في منسقية الأحزاب الممثلة في البرلمان.

 

ومع ذلك، فهذه الأحزاب، وكذا أحزاب الأغلبية يعرفون موقفي، وقد كنا متفقين جميعا على أهمية الحوار، وعلى أنه هو المخرج الوحيد من المأزق الذي تعيشه البلاد، ثم يقف الرئيس ليقول إن البلاد لا تعيش أزمة. هذا بالنسبة لي أخطر من قوله إن الحوار غير ضروري، فلو أنه قال أنا لا أريد الحوار، ولكني سأجد طريقة لحل مشاكل البلاد، ولإعادة ترميم الدولة التي لم يعد لها أي وجود، لأمكن تفهم الأمر، ولتحملناه، لكن أن يقول إن موريتانيا لا تعيش أزمة، وذلك في وقت تتخبط فيه في المشاكل من رأسها وحتى أخمص قدميها، فهذا أمر لا يحتمل صبره.. وهو ما كان محل تباين بيننا، حيث نفد صبري، فيما كان قرارهم تفضيل المزيد من الصبر.

 

وكالة الأخبار: في خارطة الطريق الصادرة عن الأحزاب المنضوية في منسقية الأحزاب الممثلة في البرلمان، أصريتم على إضافة كلمة الحوار إلى جانب مصطلح التشاور، هل ستشاركون فيما يجري الحديث عن تنظيمه، إذا أصر منظموه على وصفه بالتشاور بدل الحوار؟

مسعود ولد بلخير: ما قمت به معلوم للجميع، فأن أقوم بما أقوم به علنا، وأمام الجميع، وقد بدأت مخاوفي منذ تصريح الرئيس محمد ولد الغزواني لصحيفة فرنسية بأن الحوار غير ضروري، ولذا عندما تحدثوا عن التشاور خلال لقاءاتنا قلت لهم، لماذا نتشاور؟ ومن أجل ماذا؟ هل يمكن أن نتشاور من أجل التشاور؟ أن تكون الأحزاب السياسية تتشاور من أجل التشاور؟

 

كما أكدت لهم أن ما يميز التشاور عن الحوار، هو أن التشاور غير ملزم للسلطة التنفيذية في شيء، فمن صلاحيات الملك أو الامبراطور أو الرئيس أن يستشير من شاء، متى شاء، في أي موضوع يراه، لكن هذا التشاور ليس ملزما له، ولا شيء يضمن تطبيقه له، ويمكن أن يستشير جماعة، ويختار من آرائها ما شاء.

 

أما الحوار، فيتطلب استدعاء مكونات وأطياف الشعب الموريتاني جميعا، لطرح كل المشاكل على الطاولة، ونقاشها بصراحة، على أن تأخذ مخرجاته صبغة إلزامية، لأنها تعبير عن إدارة كل المشاركين بغض النظر عن مواقعهم ومواقفهم السياسية. وهذا بالضبط هو ما نريده، وما نرى أنه يمكن أن يخرج البلاد من أزمتها ومأزقها الذي تتخبط فيه.

 

أما أن يتم الخلط بين القضايا العامة والقضايا الشخصية، فهذا ما لا ينبغي، وسأعود هنا لموضوع سبق وأن تحدثت عنه، فعندما تحدثت مع الرئيس خلال لقائي معه، قلت له إننا دعمناه في الرئاسيات، لكننا أبقينا على تموقعنا مع المعارضة في البرلمان، فرد علي بأنه لا يرى ذلك أمرا سلبيا.

 

وهو كان قد اعتذر لي قبل هذا عندما قدمت لي عريضة حول اندماجنا في أغلبيته، وإشراكنا في الحكومة وفي الإدارة بأن هذا سيحرجه، لأنه لا يمكن أن يعين ممثلين عن كل المبادرات التي دعمته، ثم بعد ذلك عين ممثلين عن هذه المبادرات قلوا أو كثروا، فيما تم إقصاؤنا، وقراءة هذا أن الرئيس محمد ولد الغزواني لديه موقف مسبق منا، وقد وجدنا أدلة على ذلك.

 

وعودة إلى سؤالك، أقول إنني أخبرت رئيس الحزب الحاكم، أنه في حال أخبرهم الرئيس محمد ولد الغزواني بصيغة أو دلالة أو أفكار تلبي رغبته في اعتماد مصطلح التشاور، لكنها تقدم لنا ضمانات حول الحوار، وأن ما نريده بالحوار سيتكفل به التشاور، حينها لا اختلاف على التسمية، وإنما المهم هو المضمون.

 

وأكدت له أنهم إذا وجدوا هذا فليأتونا به لنتداول حوله، ومن اقتنع منا به سيشارك معهم، ومن لم يقتنع سيبقى على موقفه.

 

وكالة الأخبار: ما هي المواضيع التي ترون أنها يجب أن تكون أولوية، في حال تم تنظيم الحوار؟

مسعود ولد بلخير: أول موضوع نريد طرحه في حال إقامة هذا الحوار هو الوحدة الوطنية، والوحدة الوطنية تعني بالنسبة لي أن تعطى لكل الشرائح مكانتها في الدولة، وخصوصا الزنوج، والحراطين، وغيرهم من الفئات المهمشة.

 

كما يتم التبويب قانونيا على الناس التي تسعى إلى التفرقة، ويبوب في شأن الغبن واللا مساواة وفي شأن المحسوبية والقبلية، وتفتح الأبواب أمام الجميع، ولا يسمح بأن تكون شريحة واحدة هي التي يستفيد أبناؤها من الامتحانات، لأن كل واحد منهم لديه إطار أو وزير أو جنرال أو قبيلة يتوسط له في منح معدل معين يسمح له بالدخول في مدرسة الامتياز، أو الفوز في مسابقة، أو غيرها، وأن يجد الزنوج ما يطمئنهم على أنهم غير مهمشين.

 

وأن يتم نقاش كل هذا الملفات بصراحة، وشفافية، ودون لف ولا دوران، فقد مللنا التلاعب واللف والدوران.

 

وحين تكون هناك وحدة وطنية ومساواة، ويزرع الاطمئنان في قلوب المواطنين المهمشين والمعزولين، فإن الباقي كله سهل، وسيخف ضرره.

 

لا توجد دولة في العالم يتساوى فيها الناس على خط واحد، لكن على الأقل يتم تقديم الشخص بحسب أفعاله وخدمته للوطن، وليس على أي أساس آخر غير موضوعي.

 

كما نريد أن يطرح هذا الحوار موضوع تجذير الديمقراطية وتعزيزها، والعمل على أن تكون الأحزاب السياسية أحزابا حقيقية، تتصارع على أساس مشاريع وطنية، ويكون هذا واضحا للعيان، وتقف الدولة منه موقف الحياد.. نحن عندنا قانونيا أن رئيس الدولة لا يمكن أن يكون رئيسا لحزب سياسي،  وأول ما يطالعك في مقرات الحزب الحاكم هو الصور المكبرة للرئيس محمد ولد الغزواني، هذا مناف لروح القانون الذي يريد للرئيس أن يكون فوق الجميع، وأن يأخذ مسافة من الأحزاب السياسية.

 

ولا بد أن أتوقف مع القضاء، فهو من الملفات التي يجب أن يناقشها هذا الحوار، لأنه من المؤسسات التي تكرس الغبن والتمييز والتفرقة.

 

إذا الوحدة الوطنية هي الأساس، فلا بد من جسر الهوة القائمة بين شرائح المجتمع، ليكون التفاوت على أساس ما نقدمه للوطن، وعلى أساس التفاني في خدمته، وليس على أي أساس آخر.

 

كما أنه من الضروري إشراك الجميع في الاقتصاد البنيوي للدولة، صحيح أنه لا توجد دولة الكل فيها سواسية، لكن يجب أن يكون هذا التفاوت على أسس واضحة، أساسها خدمة الوطن.

 

نحن شعب قليل، ويعرف بعضنا بعضا، ولا يوجد من ورث من أجداده الملايين، أحرى المليارات، أساس ممتلكات الجميع كانت قطعان الإبل أو البقر أو الغنم، أو الخيل، أو الحمير، فلماذا يكون بعضهم الآن لديه البنوك، والبعض الآخر لا شيء لديه.

 

على الأقل يجب أن يحصل شيء من التوازن في هذا، فإذا أعطيت 100 بنك لأشخاص من فئتك وشريحتك، فأعط خمسة أو ستة، لأشخاص من شرائح وفئات أخرى، أو مؤسسة، أو مجرد حانوت.

 

أنت إذا كنت دكتورا أو خبيرا كبيرا، ثم كان هدفك هو مصلحتك فقط، وليس مصلحة الوطن، فلا فرق بينك وبين أي شخص آخر لا مستوى لها.

 

لا بد من إقامة مساواة وعدالة على كل المستويات، وخصوصا على مستوى المسابقات، وأن يوضع حد لتقديم الناس على أساس أن هذا ابن فلان، أو من القبيلة الفلانية، أو جاء به فلان، أو اتصل فيه فلان.

 

أنا أعرف هذا البلد، وقد عشت فيه لعقود، وأحمد الله على ما وهبني من العمر، وأرجو منه المزيد، ولا أريد لأولادي وأحفادي أن تستمر معاناتهم، مما عانيت منه أنا وآبائي وأجدادي.

 

وكالة الأخبار: خلال العقود الثلاثة الأخيرة، خاضت موريتانيا تجارب حوار عديدة، منذ حكم ولد الطايع إلى اليوم، كيف تقيمون هذه التجارب؟

مسعود ولد بلخير: بالنسبة لما جري خلال حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد الطائع، لم أشارك فيه، لأني لم أكن مقتنعا به، وكنت الوحيد من الأحزاب السياسية الذي رفض المشاركة، لأنه كان مبادرة من حزب سياسي آخر تقوده شخصية مقربة من الرئيس  ولد الطائع، ولم تكن من الرئيس نفسه.

 

وبالتالي أخبرتهم أنه ما دام ليس مبادرة أو مطلبا من الرئيس نفسه، فلست مقتنعا به، ولن أحضره.

 

وبخصوص ما أنجز أو لم ينجز، لا أحبذ الخوض فيه حتى لا يكون ذلك تهكما أو طعنا في جهة ما. وبالتالي لن أتحدث عنه.

 

وبالنسبة للحوارات التي شاركت فيها خلال السنوات الأخيرة، فقد حقتت الكثير على المستوى النظري، أنا لا أدعي أن كل ما صدر عنها تم تفعيله بصفة منتظمة ومقنعة، لكن من حيث التنظير حصلنا على شيء جيد، مثلا |إذا بدأنا بالحوار الأول، يمكن أن أقول إن أهم ما أنجزه هو تجذير الديمقراطية في البلد، من خلال رفع منسوب النسبية، فقد كانت قبل ذلك الأغلبية مطلقة للرئيس وحزبه، ولا توجد سوى نسبة ضئيلة للمعارضة، جذرنا قضية النسبية بحيث أن الانتخابات التي تلت هذا الحوار، منحت المعارضة نسبة أكبر مما كانت عليه.

 

كما ساهم هذا الحوار في رفع مستوى تمثيل النساء، فأصبحت لهم لوائح خاصة بهم، وتم تجذير تجربة لجنة الإشراف المستقلة على الانتخابات.

 

كما عرف هذا الحوار النص دستوريا على الاعتراف والاعتزاز بالتنوع العرقي والثقافي، وبالمكون غير العربي في البلاد، وكذا تجريم الاسترقاق، والنص على أنه جريمة ضد الإنسانية، إضافة لتجريم الانقلابات العسكرية، وجعلها جريمة لا تسقط بالتقادم.

 

كما أن الحوار الأخير، كان هو السبب في تنحي ولد عبد العزيز ، وتخليه عن فكرة المأمورية الثالثة، فقد كنت الوحيد من بين الموريتانيين الذي استطاع أن يرفع وجهه في وجه ولد عبد العزيز، ويقول له إن المأمورية الثالثة خط أحمر، لا يمكن القبول بها.

 

وقد قلت له ذلك في وقت كان الجميع يتسابق فيه لطلب ترشحه لهذه المأمورية، سواء في ذلك الجنرالات، أو الوزراء، لدرجة أن بعضهم بكى أثناء حديثه عن المأمورية الثالثة، أو رؤساء الأحزاب، أو البرلمانيين، أو غيرهم.

 

لقد أغضبه موقفي كثيرا، وظهر غضبه خلال خطابه في ختام الحوار بقصر المؤتمرات.

 

وعندما أصروا على طرح قضية المأمورية في الحوار جمدت عضويتي فيه، وقد استدعاني بعد ذلك، حيث صارحته بالأمر، وبأن الشعب الموريتاني لن يقبل بمأمورية ثالثة.

 

وكالة الأخبار: تواجه البلاد الآن موجة ثالثة وقوية من وباء كورونا، كيف ترون أداء الحكومة في مواجهة هذه الجائحة؟

مسعود ولد بلخير: في الحقيقة، أداؤها كان سيئا جاد، لقد كنا نظن أن اجتماع الأحزاب الممثلة في البرلمان في إطار موحد لمتابعة هذا الملف سيكون بوابة لإشراكهم في كل الأمور، والتصدي للوباء بشكل موحد، كما نعتقد أن سيكون فرصة لإشراك المعارضة بشكل جدي في هذا الملف، والحقيقة أن أيا من ذلك لم يحدث.

 

فقد انسحب أكبر الأحزاب وأهمها، وهو حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل"، كما انسحب بعده التحالف من أجل العدالة والديمقراطية /حركة التجديد الذي يرأسه صار إبراهيما، أما أنا فبقيت صابرا في هذا المنسقية، حتى حدث ما حدث أخيرا في شأن الحوار.

 

والحقيقة، أن ما حدث في مواجهة كورونا، وكذا ما حدث في تآزر، إنما هو تفويت لأموال عمومية، وكذلك ما يقع في صندوق الإيداع والتنمية، وغيره. إنهم يتصورون أن الناس لا تدرك ما يقومون به، أو يتوقعون أنها ستظل صامتة.

 

وأذكر هنا كمثال ما قامت به مندوبية "تآزر"، فقد ذهبت إلى الحوض الشرقي بهدف توزيع مساعدات على المحتاجين، واختارت ثلاثة أشخاص في ثلاثة قرى من مجموعة قبلية واحدة. نحن في زمن لا يمكن فيه إخفاء أي شيء.