على مدار الساعة

الصحافة في ظل الرقمنة وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي، أي حرية وأي أخلاق؟؟*

27 يوليو, 2021 - 11:27
محمد سالم الشيخ / كاتب صحفي وباحث في الفلسفة

 مقدمة:

لا غرابة أن وصفت الصحافة و منذ بواكير  ظهورها بمهنة المتاعب ، و ذلك لصعوبة الرسالة التي اضطلعت بها و هي نقل الخبر و تقديمه للمتلقي بطريقة مهنية و مفهومة، و قد نشأت هذه الصعوبة من عمليات البحث عن الخبر و تشتت مصادره و صعوبة الوصول له في عالم كانت تسيطر عليه الحروب و المجاعات و الأوبئة ، و كان الخبر يتطلب من المراسلين الكثير من السفر و الجهد و التعرض للأخطار المختلفة مثل  السجن و المرض إذا سلم أحدهم من القتل .و رغم ذلك نشأت الصحافة و استطاعت تقديم الخبر و المعلومة للجميع ، و اعتمدت وسائل مختلفة من أجل ذلك و طورت هذه الوسائل مع الزمن من صحيفة و مجلة و دورية للإذاعة و التلفزيون حتى وصلت لما تشهده التقنيات الحديثة من تطور و سرعة في القدرة على النقل المباشر لكل ما يقع في العالم و بطرق مختلفة، كذلك تطور المحتوى و تغير كثيرا مع تغير الوسائل و طرق النقل ، فأصبح المتلقي يقوم بدور كبير في اختيار المحتوى بل  و المشاركة في تحريره و صياغته ، نتيجة جملة الاختيارات التي أصبحت تعج بها وسائل الإعلام و التي تمنح حق الإعجاب و إمكانية إضافة ملاحظات و روابط للخبر و تقديم ملاحظات تقويمية  لكي لا نقول نقدية . و كما شهدت الصحافة عموما نموا  في الوسائل و التقنيات و في المحتوى كذلك ، فقد شهدت نموا عكسيا في أخلاقيات المهنة و التي مثلت أعرافا و مسلكيات حافظ عليها الصحفي و تقيد بمضامينها و فرض على نفسه  الالتزام بها قبل أن تصاغ في قوانين و دساتير مهنية يحافظ عليها الجميع و يتمسك بها ، بل تختص تنظيمات مهنية بالسهر عليها و مراقبة تطبيقها . ففي ظل تطور الوسائل و المكننة التي شهدها حقل الصحافة و وسائل الإعلام ، صارت الآلة تحل محل الإنسان ، و صار الصحفي يؤدي أدوارا جديدة ليست من اختصاصه و لا له معرفة بها ، و في ظل سرعة النقل و مباشريته و سيطرة المنافسة بدأت الأخلاق المهنية يتم التنازل عنها ، و تحتل مراتب أدنى  في سلم أولويات الصحفي أو ناقل الخبر ، ما جعل الكثير من المهتمين يدقون ناقوس الخطر ، و يحاولون التذكير بهذه الأخلاقيات التي تعد حصانة للفرد و مراقبا ذاتيا لكل مهني ، قبل أن تكون تواضعات و قوانين يجب الالتزام بها ، و مشيدين بأن الحرية الصحافة التي هي إيقونة المطالب و مربط فرس المناضلين ، لا يمكن أن تكون دون رقابة و التزام بهذه الأخلاقيات المهنية .و لعل الاستشكال لا يطرح في بلد معين دون بلدان أخرى و إنما قد عمت به البلوى على الجميع ، لذلك فرغم قصر التجربة الموريتانية في المجال فهي تعاني من هذه المشاكل إضافة على مشاكلها البنيوية الخاصة بها و التي ما تزال تعجز عن تخطي أبسطها و أسهلها، و التي سنحاول التعريج عليها كلما سمحت الفرصة و كلما كان ذلك في سياق التناول المنهجي للموضوع عنوان المقال.

 

1/ التطور التقني و الأسلوبي / من وسائل إلى منصات ..

بعد سيطرة وسائل الإعلام التقليدية برهة من الزمن و سيطرة أسلوبها في التعاطي مع الخبر ، و الدور الكبير الذي قامت به في سبيل تقديم الخبر   بطرق مهنية وازنة ، و كذلك الدور التوعوي و التثقيفي الذي اضطلعت به ، كانت كذلك من أكبر المستفيدين من التطور التقني و التكنولوجي حيث دخلت الصحافة الالكترونية الميدان مزاحمة وسائل الإعلام التقليدية ، حين تمكنت المواقع الالكترونية حديثة النشأة  -وفي ظرف وجيز- من خلق جيل جديد من الصحفيين ينقلون الأخبار ويصوِّرونها وينشرونها لحظة بلحظة، تمامًا كما فرضت  نوعًا من الكتابة المختصرة والسريعة؛ الشيء الذي أثَّر في العمق التحليلي للمضامين الإعلامية وجعل منها نظرة سطحية للعالم. من جهة أخرى، ومع تطور المدونات خلال السنوات الأخيرة، وتنامي عدد المنشورات الإلكترونية التي أصبحت جزءًا لا يتجزَّأ من الصحافة الإلكترونية التي تتصدَّر الإعلام تأثيرًا وفاعلية، تحوَّلت المعلومة -من خلال الإنترنت- إلى مُنْتَج إعلامي تصبغه أحيانًا رؤية بعض المدوِّنين الذين يبحثون عن فضاء افتراضي يُعبِّرون فيه عن ذواتهم. إلا أنه مع دخول شبكات وسائل التواصل الاجتماعي على الخط سيتغير المشهد كلية ، فقد أصبح كل شخص يمتلك هاتفا رقميا و وصلة للأنترنت حاملا و موزعا للخبر ، حيث يمكنه نقل كل ما يشاهده و تقديمه مباشرة للمستهلك الذي تعددت الخيارات أمامه و أصبح يشاهد الخبر مباشرة و بتقنيات عالية ، كما أصبح صاحب الهاتف يعتبر نفسه صحفيا دون أن يتقيد بأخلاقيات المهنة و دون أن يطلع على الضوابط المهنية لتقديم الخبر ، بل إنه  في تقديمه للخبر لا يخضع لأي رقابة لا ذاتية و لا اجتماعية و لا يتوفر على عنوان و لا ينطلق من مسؤولياته التي تفرضها عليه ( وظيفته الجديدة ).

 

و منذ بداية الهوس بوسائل التواصل الاجتماعي ، بدأت وسائل الإعلام التقليدية في القلق على مكانتها ، فوفقًا للدراسات ، فإن 80٪ من 4 مليارات من مستخدمي الإنترنت حول العالم ينشطون على وسائل التواصل الاجتماعي و شبكاتها . أما في فرنسا بلد حرية الصحافة، فيقضي مستخدمو الإنترنت في المتوسط ساعة و 22 دقيقة يوميًا على الشبكات الاجتماعية. وهذا الرقم يتزايد باطراد،  حيث تفرض مواجهة هذا الانجذاب إلى الإنترنت، أن تفقد الوسائط التقليدية مكانتها نتيجة عجزها عن مواكبة السرعة و التقنية. كذلك تقدر Mary Meeker و هي شركة أمريكية لدراسة مخاطر الاستثمارات أنه اعتبارًا من عام 2017 ، تجاوز الإنفاق على الإعلانات عبر الإنترنت الإنفاق على الإعلانات التلفزيونية لأول مرة ، بمبلغ  205 مليار دولار للانترنت  ، مقارنة بـ 192 مليار دولار للتلفزيون.

 

إضافة إلى ما ذكرنا فالمشكلة تكمن في أنّ شركات التكنولوجيا العملاقة التي تهيمن على ساحة الإعلام الجماهيري، مثل غوغل، وفيسبوك، وآمازون، وتويتر، تقوم بترويج المعلومات في جوّ خال تماما من القيم. فهي لا تعير أي اهتمام  للمعلومات باعتبارها مصلحة عامة كما هي الحال مع الصحافة المهنية. ولا تميّز هذه الشركات في سياستها التسويقية، بين الإنتاج الصحفي وغيره من المعلومات حتى لو كانت ضارة وفاسدة. فاستخدام الخوارزميات المتطورة وبنوك بيانات لا حدود لها مفتوحة لملايين المشتركين، هي مكونات هذا النموذج التجاري الذي يرمي إلى هدف بسيط، ألا وهو تشجيع «المعلومات الفيروسية» التي توفر نقرات كافية لدفع الإعلانات الرقمية. ولا يهم ما إذا كانت المعلومات أخلاقية، موثوقة أو صادقة ؛ المهم هو أن تكون مثيرة، واستفزازية، ومحفزة بما فيه الكفاية لجذب انتباه الزبائن.

 

2/ الأخلاق المهنية  و تحدي المباشرة.

حظيت أخلاقيات المهن الإعلامية باهتمام كبري منذ العشرية الثانية من القرن العشرين، حين اقترح بعض المهنيين في الولايات المتحدة الأمريكية وضع نصوص تضبط التجاوزات التي كانت تحصل آنذاك في مجال الإعلام. و حذت دول كثيرة حذو الولايات المتحدة الأمريكية لاحقا على غرار السويد ثم فرنسا، تبعتها دول عديدة بعدها بما فيها العديد من الدول العربية. كما أن الكثير من الجمعيات و المنظمات الأممية أو الإقليمية وضعت نصوص شرف أو مواثيق حاولت من خلالها تأطير العمل الإعلامي بضوابط كان يفترض أن تحكم و تؤطر مقاربات الصحفيين و واضعي المحتويات الإعلامية، خاصة عبر التحلي بشروط الموضوعية و الدقة والتوازن في صياغة المحتويات الإعلامية، وبشكل يبتعد عن التضليل والدعاية، ويبتعد عن إثارة النعرات  القومية أو الدينية التي قد تسهم في زرع الفرقة  بين أبناء البشر.

 

غير أن المتابع للممارسات الإعلامية في السنوات الأخيرة يلاحظ تصاعدا كبيرا للمحتويات المضللة ولخطاب الكراهية، أكان هذا في محتويات وسائل الإعلام التقليدية أم في محتويات وسائط التواصل الاجتماعية الالكترونية، ما يوجب علينا التحليل و التفكير لفهم مسببات التفاوت بين  الخطاب النظري و الممارسة الفعلية. فعلى خلاف مهن أخرى كالطب والمحاماة مثلا، التي عرفت كيف تجعل مواثيق شرفها تكتسب صبغة اقتربت من الطابع الإلزامي على الرغم من كونها غير ملزمة لمن يمتهنونها، إلا أن معظم قوانين ومواثيق الشرف الدولية أو القطرية التي سنت في مجال الإعلام، بقيت في الكثير من الأحيان مجرد حبر على ورق، ما يجعلنا نطرح إشكالية المسببات التي تسهم في تراجع التقيد بها. و هناك مسببات كثيرة لهذه الحالة من ضمنها  مسببات ذاتية مرتبطة بالبعد المعرفي للصحفيين في طبيعة إدراكهم لمفاهيم مثل الأخلاقيات، و قوانين الشرف، والواجب المهني من جهة،و بعض المسببات الموضوعية، المرتبطة بطبيعة البيئة المؤسسية و المهنية، ثم بطبيعة البيئة السياسية و الاجتماعية التي تحكم العمل الإعلامي من جهة أخرى، والتي تؤثر كثيرا على طبيعة المخرجات الإعلامية في وسائل الإعلام.

 

هذه التحديات المطروحة على العمل الإعلامي عموما شهدت قفزة كبيرة مع سيطرة المحتويات الإخبارية النابعة من وسائل التواصل الاجتماعي و التي تتميز بالسرعة و المباشرية فهذه الوسائط تعتمد على البث المباشر للحدث و تقديمه كما هو دون تدخل من المصدر و دون التقيد بأي أخلاق و لا قوانين ، من ما جعل وسائل الإعلام التقليدية في تحدي سرعة نقل الخبر و مباشرته و التي تغير تعاملها معه ، فهي غير متعودة على تقديم الخبر دون مهنية و لا مسؤولية و كذلك دون مروره بغربال الأخلاق المهنية و مراقبة المحتوى ، بل و دون النظر إليه كمادة تساهم في توعية المتلقي و تثقيفه ، تلك النظرة التي لم تعد وسائل الإعلام الجديدة تهتم بها و لا تعيرها انتباها.

 

و ليست طريقة نقل الخبر هي التحدي الوحيد ضمن سلسلة التحديات ، بل هناك العديد من معوقات العمل الصحفي عموما من ضمنها تحويل وسائل الإعلام إلى أبواق للدعاية السياسية ، و مصدر للمعلومات المضللة و المشوهة خصوصا في الأزمات و الحروب ، فقد  كشفت الأزمات السياسية التي عصفت ببعض الدول العربية في السنوات الأخيرة ( أزمة الخليج وحصار قطر ، أزمة اليمن ، أزمة ليبيا ، ) عن الدور الحقيقي ( وليس المفترض ) الذي تقوم به وسائل الإعلام العربية التي يجرى توظيفها من قبل الحكومات العربية كمجرد أدوات للدعاية السياسية من أجل الدفاع عن المواقف السياسية لهذه الدولة أو تلك و محاولة تبريرها و الترويج لها من أجل التأثير  في الرأي العام الداخلي والخارجي ،كل ذلك باتباع أساليب الدعاية و التضليل الإعلامي من خلال تزييف الواقع ،و لي عنق الحقائق لأهداف سياسية، و نشر الأكاذيب والأخبار المغلوطة ، و شيطنة الطرف الآخر وتشويه صورته و سمعته وتلفيقه التهم والنعوت السلبية، والتنصل التام من كل التزام بمعايير العمل الإعلامي و أخلاقياته . ما يخرج وسيلة الإعلام عن هدفها و عن دورها الذي كانت تلعب ، و تدخلها في أدوار أخرى سلبية و لا تليق بمهنة الصحافة ذاتها ، التي تتحول إلى بضاعة و يتحول قلم الصحفي أو تقريره إلى مادة يتم التحكم فيها و تقديمها لمن يدفع أكثر ، بل تتحول المادة الإعلامية إلى وجبة سريعة ذات بهارات خاصة يتم توصيلها للهدف المنشود و بطريقة سريعة و فاعلة.

 

3/ بين الحرية و الالتزام

ارتبطت الصحافة و بكافة أشكالها بتقديم الخبر بشكل مهني و حر ، و قد طرحت منذ البداية قضية حرية الصحافة في تقديم الخبر الحقيقي و الموضوعي و المهني ، في حين كانت جهات عديدة تريد السيطرة على الخبر و تجييره لصالحها لأنه أصبح سلطة قائمة بذاتها ، وأصبح له تأثير و فعالية على العامة ، و قد وضعت هذه السلط بمختلفها عوائق و قيودا أمام الصحفي و أمام عمله ، بل و منعته في أحايين كثيرة من مواصلة عمله ، و لا يقتصر الأمر على السلط السياسية و الحكام ، و إنما على السلط الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية التي تحاول المحافظة على موروث تستمد منه مكانتها ، و تدرك أن الصحافة في طريق توعيتها و تثقيفها للشعوب ستطال هذا الموروث ( التابو ) بالنقد و التفكيك و ستحاول تبصير الشعوب حوله و التأثير عليهم للانقلاب عليه و الابتعاد عنه و كشف مستوره . كذلك لعبت وسائل الإعلام دورا  مهما في التجارب الديمقراطية في البلدان التي عرفت ذلك ، فلا تستقيم أي تجربة ديمقراطية دون حرية الإعلام و حصوله على دور فاعل و مكمل للأدوار التي تلعبها السلط التنفيذية و التشريعية و القضائية ، حتى أطلق على الصحافة السلطة الرابعة المكلمة لهذه السلط ، و ليس هذا لقبا اعتباطيا بل هو نابع من صعوبة الدور الذي يلعبه الإعلام في الديمقراطية ، من مسايرة لكافة تمفصلات العملية الديمقراطية ، من مساعدة الشعب على الاختيار بين المرشحين و متابعة سير المرشحين و نظافة أيديهم و التزامهم بالقضايا الوطنية الكبرى ، كذلك متابعة و تقييم العملية الانتخابية و التي كثيرا ما تشوبها عمليات التزوير و التأثير من السلط التقليدية الشيء الذي يساعد في إعادة إنتاج منتخبين خاضعين للسلط و الأنظمة التقليدية ، و لا يقدمون مطالب الشعوب و لا يدافعون عنها، لذلك ارتبطت حرية الصحافة بالعملية الديمقراطية سلبا و إيجابا ، بل أصبحت عاملا لقياس تطور و تقدم التجربة الديمقراطية ذاتها.

 

و حرية الصحافة ككل حرية تكون محفوفة بالكثير من قواعد الالتزام و شروطه حتى لا تتحول إلى فوضى و جنون ، فلا توجد حرية مطلقة خصوصا للصحافة ، فرغم تشديد الجميع على حريتها تبقى مقيدة و ملتزمة بأخلاقيات المهنة و بالمهنية ذاتها ، فالصحفي له مسطرة كبيرة من القيود الأخلاقية و المعرفية يحيط بها نفسه ، و يطبقها تحت الرقابة الذاتية تجعل من منتجه الذي يقدم عملا مهنيا و أخلاقيا ، و يتم التفاضل بينه و غيره انطلاقا من الالتزام بتك القواعد و الشروط ، و هذا ما أعطى قيمة خاصة و تأثيرا كبيرا لكتابات بعض الصحفيين دون غيرهم. و قد شهدت بلادنا مفارقة غريبة في قضية حرية الصحافة ، فقد تعاقبت على البلاد أحكام تحد من حرية الصحافة و تضايق الصحفيين لكنها تتأثر إيجابا بما يكتبون و بما يقولون ، بل و تعطيه أهمية كبيرة و تأخذه بعين الاعتبار في ما تقوم به من إصلاحات و تغييرات في الحكومة ، بعد ذلك تم منح حرية كبيرة و شاسعة للصحافة لكنها على حساب تأثيرها و فاعليتها ، لأن الحقل تم تمييعه و تم إدخال الغرباء عليه من ذوي المهن المختلفة و الذين لا يعرفون الصحافة و لا أخلاقياتها ، بل إنهم غير مهتمين بالموضوع كله ن فكل ما يهمهم هو تأدية مهام محددة لهم سلفا ، مع محاولة الاستفادة المادية ، و تمييع الحقل حتى لا تصبح له أي قيمة و لا اعتبار ، فاختفت الصحافة الاستقصائية و اختفت التحقيقات الجادة ، و ظهرت للعلن بعض الأخبار  التي لا يمكن أن نجد لها مصدرا عدى النسخ و اللصق ، و لم يعد المسؤولون و المنتخبون بل و الفاعلون الاقتصاديون و الاجتماعيون يهتمون بما يكتب عنهم ، فهناك دائما طريقة تقليدية أو حديثة لإرضاء من  كتب ذلك و طريقة فعالة لجعله يسحبه و يعتذر عنه.

 

5/ خاتمة

واجهت الصحافة في الفترة الماضية تحديات مختلفة ، و صعوبات كثيرة على مختلف المستويات ، المهني و الأخلاقي ، و كذلك على مستوى المحتوى و ما طرأ عليه من تغيرات و تطوير ، و قد استطاعت الصحافة الاستفادة من التطور الرقمي و التكنولوجي فجل الجرائد و المجلات و الإذاعات أصبحت لها مواقع إلكترونية تبث من خلالها ، و تستقطب جمهورا كبيرا ، و التلفزيونات كذلك استطاعت تطوير تقنيات البث و النقل لديها ، حتى غدت تنافس الوسائط الجديدة في سرعة نقل الخبر و تقديمه برؤى متعددة و زوايا مختلفة ، إلا أن الجانب الأخلاقي و المهني أصابته ارتكاسات كبيرة جعلت العمل الصحفي المهني يخاف من مزاحمة مقدمي الأخبار و البث المباشر في وسائل التواصل الاجتماعي و الذين يقدمون مادة فيها الكثير من الكذب و عدم التدقيق و غياب المصادر ، فأنت  تحتاج فقط إلى أن يكون لديك موقع على شبكة الإنترنت لتسمي نفسك بالصحفي ، أو أن تكون نشطًا على شبكات التواصل الاجتماعية لتضع نفسك "كصحفي مواطن". ولسوء الحظ ، في مواجهة جمهور ساذج في بعض الأحيان ، يمكن أن يكون للكتابات ، وحتى الأخبار المزيفة لهؤلاء الصحفيين المزيفين ، صدى معين. فما يقع في الأساس هو أن هذه الوسائط تنظر إلى المتلقي كشيء و كمادة تستهلك أخبارا معينة و أحداث فيجب أن توفرها هذه الوسائط بأي طريقة ، في حين أن الصحافة الحقة هي التي تنظر للإنسان كشحص يستهلك معلومات و أخبار تؤثر عليه و على حياته ، و لذلك فيجب ان تقدم له بطريقة معنية و أخلاقية تراعي الكثير من المقاييس و الأخلاقيات .. و شتان ما بين الطريقتين.

ـــــــــــــــــــ
* المقال الفائز بجائزة حبيب ولد محفوظ لأحسن مقال بالعربية لسنة 2021