على مدار الساعة

كيف نعمل بالإسلام كما هو لنسعد بذلك في الدنيا وننعم به في الآخرة؟ (4)

9 مايو, 2021 - 13:44
الأستاذ محمدو بن البار

هذه الحلقات ما زالت تتكلم في قضية الإنسان الذي هو موضوع الإسلام ولا سيما في الآخرة.

 

وقد تكلمنا على بعض حقائق الإنسان عند الله فقلنا في الحلقات الماضية إن هناك حقائق عند الله للإنسان يجتمع فيها الإنسان كل الإنسان مهما كان سواء كان نبيا أو صالحا إلى آخره، ونعود إلى بعضها هنا لنركزها في الأذهان لأن عدم اعتقادها من أعظم ما يكب الناس على وجوههم في النار يوم القيامة، فدائما يحاول فيها الإنسان أن يجعل لبعضه بعضا من خصائص الله التي لا يشاركه فيها إنس ولا جان.

 

ومن هذه الحقائق عدم قدرة الإنسان على خلق أي شيء من العدم إلى الوجود، ومن هنا عجز الإنسان عن جلب أي نفع أو ضر لغيره، ومنها عدم معرفة أي شيء عن الغيبيات إلا من بعد أن يخبر الله به خاصيته من الإنسان أو الملائكة، وهذا كله مع أنها نصوص محكمة في القرآن إلا أنها لخطورة اعتقاد عكسها علي الإنسان، استطاع الشيطان أن يقذفها في قلوب بعض الإنسان ليهلكه بها وليصدق بها ظنه في الإنسان وهو اتباعه له في كل ما يهلكه به كما قال تعالى: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين}.

 

أما في هذه الحلقة فسوف نضيف حقائق أخرى عند الله للإنسان لا قدرة للإنسان على تجاوزها.

 

من هذه الحقائق اقتصار دنياه كلها على مدة حياته التي غائب عنه مدتها ولا يعرف متى تنتهي فجأة عند أي عمر له، ويتيقن أنه عندما يتجاوز السبعين يبدأ في أرذل العمر بمعني انسحابه من العمل الفعال في الدنيا إجباريا، فهو قبل ميلاده لا وجود له في الدنيا وبعد مماته أصبح في أول منزل من منازل الآخرة بمعني أن جميع دنياه هو ما بين ميلاده ومماته.

 

ومن هذه الحقائق أن أي شخص بعد مماته لا يمكنه أن يلتقي مع أي شخص آخر لأن الإنسان لا حقيقة له فاعلة دون روحه، والروح التي أرسل الله ملائكته لزرعها في الإنسان وهو في بطن أمه ستعود إلى ربها بمجرد موته مهما كان هذا الشخص فلا نسب ولا قرابة ولا خصوصية لأي شخص مع الله يستثني بها من هذه الحقيقة، يقول الله تعالى: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون}، إلا أنه إذا كان هذا الإنسان ممن توفاه الله ونفسه طيبة ستذهب إلى مكان النزل الذي أعده الله للمصطفين الأخيار من عباده كما قال تعالى: {وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم}، ويقول تعالى: {إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا}، وفعل " كانت" الماضي تعني أن أصحاب الأعمال الصالحة الخالصة لله وحده بعد موتهم يصبحون من يوم موتهم وهم في ضيافة الله إلى ما لا نهاية لقوله تعالى: {إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا}، وأي شخص لا يرضى الله عن أعماله فهو ضائع أي هالك من ساعة موته إلى ما لا نهاية لقوله صلى الله  عليه وسلم: (القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار).

 

ومن هنا نلفت انتباه جميع الإنسانية التي تدرك جيدا عدم اختيارها لوجودها في الدنيا أو عدم وجودها أنها لا تستطيع التصرف أو لم يؤذن لها في التصرف في نفسها ولا في غيرها في هذه الدنيا ولا بعد موتها، فأي معلومات سواء كانت شفهية أو مكتوبة لا أصل لها في القرآن أو أوحى الله بها وحيا خاصا لقوله صلي الله عليه وسلم: (لقد أوتيت القرآن ومثله معه)، وتزكية الله لجميع ما ينطق به لقوله تعالى عنه أنه لا ينطق عن الهوى ولكن بشرط أن يصح عنه صحة بأعلى ما استنتجه علماء الحديث من صحة نسبة الحديث إليه صلى الله عليه وسلم.

 

أما غير ذلك فإنه يعد من وحي الشيطان كما قال تعالى: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}.

 

فبما أن ذات الله لا تدركها الأبصار حتى يمكن تشبيهها بأي شيء كما بين المولى ذلك في قوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} فإن ما وراء الغيب في حياة الإنسان وما بعد موته لا يقع فيه إلا ما جاء في النصوص القرآنية والأحاديث الصحيحة كما قال تعالى: {ما يبدل القول لدي} وكما قال تعالى: {من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا}، والفاعل فيما بعد الموت هو ملائكة الله وحدهم بأوامر من الله وحده، وهذا ينص القرآن عليه في قوله تعالى: {وكنتم أمواتا فأحياكم ثن يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون} كل هذه المراحل لا دخل للإنسان فيها.

 

فمن تأمل قليلا واستعمل ذهنه وعقله ونظر إلى أنواع أهل الأرض الآن وغدا وما يخوضون فيه من مشاكل وما تنادي به أفكارهم في عالم الدنيا فرادى وجماعات مع أنهم ما بينهم مع الوصول إلى نهايتهم النهائية ومصيرهم المحتوم المسجل في القرآن ويقرأ عليهم آناء الليل وأطراف النهار في قوله تعالى: {ويوم تقوم الساعة يومئذ يبلس المجرمون ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين}، فمن تأمل هذا يدرك أن هناك يد خفية تحاول تسيير هذا الإنسان علي غير الطريق المستقيم بكل الوسائل تارة عن طريق تتبع فعل الآباء وتارة استنتاج الطرق للسير عليها خارجة عن أي دليل منصوص في الإسلام بوحييه القرآني والسني، وفي نفس الوقت تكون النفس مشدودة إلى تنفيذ ذلك الخارج عن الطريق المستقيم، أما من تحمل مسؤولية هذا التوجيه الخاطئ للإنسان أمام الله جل جلاله فهو الشيطان وسوف يكون موضوع المقال الآتي بإذن الله كما قال الله تعالي على لسان الشيطان: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم}.