على مدار الساعة

أسطورة نبغوها!

25 فبراير, 2021 - 11:24
كتبه : سييدي سيدأحمد  أستاذ الفلسفة

السيدة نبغوها بنت محمد فال كريمة رجل أعمال جريء على غير عادة رجال الأعمال، كان له دور محوري في أحداث بارزة في تاريخ البلد،مهما كان الاختلاف مع بعض دوافعها يمكن القول إجمالا إنها ساهمت في التهيئة لتحولات أساسية.

 

خرجت السيدة فجأة وزيرة للتعليم في عهد المغفور له سيد محمد ولد الشيخ عبدالله برصيد  تجربة سابقة في أروقة المبنى الكئيب إبان فترة  تجذر الفساد في كل منظومات القطاع  خلال العهد الأول لرخاء مافيا العسكر والتجار والمنافقين.

 

لم تكن السيدة وهي تتصدر مشهد قطاع يجذب الانتباه لحساسيته المفرطة تمتلك من السمعة في نظر العموم إلا تاريخ والدها، لكن الكثيرين رددوا أن اللبؤة أنثى الأسد، وفساد القطاع يحتاج قوة خارقة، فقط وحدهم العارفون بحقيقة شخصية الوزيرة ربما لم يساورهم أمل كبير ، وأذكر شخصيا أن أحدهم قال لنا في جمع من الأساتذة غداة تحضير الوزيرة لامتحانات تشخيص وضعية المعلمين "لا تستبشروا كثيرا هذا القطاع لا تناسبه القرارات الفردية".

 

اكتشفت الوزيرة بحق أن للقطاع مشاكل ملحة من أبرزها غياب أرشفة عمال القطاع وتجاهل المعايير الخاصة بالترقيات والتعيينات والتحويلات ثم الوضع المادي العام المنهك داخل القطاع.

 

لم يكن هذا الاكتشاف طبعا ذكاء خارقا، فواقع القطاع يدركه بجلاء السيد الجاثم بين كثبان شرق ولاته تحسبا لقدوم القطيع، والاجراءات التي بادرت بها الوزيرة، حتى ولو كان بعضها حلما بالنسبة للكثيرين، لم تكن بصرامة ولا جدوى المتوقع من وزيرة قيل وقتها إن رئيس الجمهورية منحها كامل الصلاحيات مع أن صلاحياته شخصيا كما بدا لاحقا كانت محدودة بتأثير حارس يتربص بالمقعد الوثير.

 

أعلنت الوزيرة وقتها زيادة هزيلة للطبشور كانت في حدود عشرة آلاف أوقية بالحساب القديم، ثم باشرت في ترتيب معاييرها في تعيينات المديرين الجهويين ومديري ومفتشي المقاطعات في التعليم الأساسي ومديري مؤسسات التعليم الثانوي، وطفقت راجعة إلى المعينين من غير استحقاق الأقدمية من مديري الدروس، ومازلت أتذكر أنني وقتها كنت أسأل لماذا استثنت مفتشي التعليم الثانوي من تلك المعايير ذات الأثر الرجعي للقانون في بعض أوجهها مع أن وضع الزبونية في اختيار الكثير منهم كان جليا؟

 

أدت القرارات فعلا إلى تحريك مياه القطاع الراكدة منذ عقود، وحصل البعض منها على استحقاق كان بعيد المنال لغياب الظهير، وترتبت عليها أضرار، وشابها بعض القصور والظلم وهو أمر طبيعي، فقد قال آفلاطون إن أية عدالة غير عدالة السماء لا بد أن تحتفظ بقدر لا بأس به من الظلم.

 

أقدمت الوزيرة لاحقا على ضخ أموال طائلة داخل القطاع، وهي خطوة استهدفت استبقاء طواقمه، فقد كان وما زال قطاعا طاردا، لكن تلك الأموال للأسف أخطأت الهدف،فقد كانت ميزانيات هائلة للمديرين الجهويين ولمفتشي المقاطعات،ولمديري بعض المؤسسات الثانوية ما فتئت أن تحولت إلى قطعان ودور وتبذير، ولم يستفد مدرس الميدان أي جديد غير العشرة آلاف اليتيمة التي قدمتها الوزيرة كعربون للتعيين، وفجأة ظهر"كرطابل التلميذ ووراقة دفاتر الغياب والتحضير"!

 

لم تدرك الوزيرة للأسف-كما لم يدرك بعد الجالس على المقعد في المبنى الكئيب- أن تغييرا حقيقيا في وضعية القطاع يبدأ بالمدرسين، فعليهم يقع عبء الإصلاح، ومن مأمنه يؤتى الخلي كما جاء في المثل القديم.

 

رفضت السيدة "القوية"-والقوة من الصفات المحمودة لربات الأسر في ميتولوجيا المجتمع-فتح النقاش حول العريضة المطلبية لأكثر نقابات التعليم الثانوي حضورا في الميدان  وقتها، وبالمقابل لم تقدم على تحسينات، ولو بقرار أحادي، يمكن أن تؤثر على وجاهة مطالب النقابيين: وحدها الوزيرة تعرف هل كان رفض الحوار قرارا مبنيا على العناد الشخصي أم نتيجة مشورة من المقربين، وفي الحالتين تدرك الوزيرة الآن أن القرار كان خاطئا، فقد كان الرصاصة التي أصابت مشروعها في الصميم.

 

واصلت الوزيرة نهج مقاطعة الحوار، وهو أمر لا يليق بوزيرة تتبنى نهجا حداثيا في حياتها، وتتمثل سياسة نظام ما زال كثيرون يعتبرونه نقطة مضيئة في تاريخ ديمقراطية هذا البلد، وشيئا فشيئا تعقدت الأمور ولم يكن أمام النقابيين الجادين ساعتها، ممن لم يضعوا في اعتباراتهم حسابات سياسية ولا جهوية ولا قبلية غير الدخول في الإضراب، حتى بعض المقربين عائليا ومناطقيا من الوزيرة شاركوا بقوة في الإضراب لأنهم اقتنعوا أن طريقة إدارة ملف العلاقة مع المدرس الميداني لم تكن مفيدة.

 

أخطاء كبيرة ارتكبتها الوزيرة في إدارة ملف التعامل مع الإضراب ليس أخطرها التصامم عن المطالب، واستغلال علاقات النافذين في التأثير، بل كذلك السخرية من المدرسين، فمازال أساتذة انواذيبو يتذكرون تهكمها على البعض أثناء جلستها المثيرة شكلا ومضمونا أثناء الاجتماع بمركز معاوية، ويتذكر الجميع تلك العبارات التي رددتها بحسانية خشنة وهي تعلق على الإضراب في آخر ظهور إعلامي لها حول الموضوع.

 

سيئتان أحتفظ بهما للسيدة الوزيرة: الأولى نقابة حماية المدرس التي جذرت ثقافة الابتذال النقابي، والتي ظهرت بدعوى تطبيق القانون بأثر رجعي على مديري الدروس، والثانية وزير المالية في عهد عزيز الذي استقدمته كمستشار، وأخشى أن تلاحقها أفعال هاتين السيئتين إلى آخر الدهر.

 

اليوم تعود الوزيرة-الأسطورة في ثوب جديد: مجلس استشاري للتهذيب جمع إلى أصحاب التجارب الفاشلة في القطاع من يتولون بعض إدارات الفشل المقيم، إضافة إلى خليط ممن يعنيهم الأمر من بعيد، ومن لا يعنيهم مطلقا.

 

كل ذلك في عهد الرجل الذي كان الساعد الأيمن لمن أصدر القرار بوأد المشروع الذي حملها إلى الواجهة، وهو الآمر الأعلى لمفرزة الشرطة التي صفعها أحدهم ذات يوم في أول مظاهرات رفض الانقلاب الجديد!

فما عساك سيدتي تفعلين؟