على مدار الساعة

"إصلاح التعليم أعمق من تقييم المعلم"

15 فبراير, 2021 - 18:41
الأستاذ: محمد المختار سيدي محمد - ثانوية بومديد

تزامنا مع احتجاجات المعلمين على قرار الوزارة القاضي بتقييمهم يوم العشرين من الشهر الجاري تنقسم مواقف الموريتانيين ما بين مؤيد يرى وجاهة هذا القرار مستدلا بعينات شاهدها ومعارض يحسب فيه استهدافا يقلل من قيمة المعلم، لكن الأمر أعمق من ذلك وله أبعاد تراكمية لا تبدو من أول وهلة لطالب الحقيقة.

 

لما تصاعدت الجريمة في صفوف المراهقين مع مطلع القرن الواحد والعشرين وأصيبت القيم الأخلاقية والدينية في الصميم تأثرا بالثقافات الأجنبية الوافدة عبر الشاشات الفضائية وقنوات اليوتيب وجدت حكوماتنا (المتعاقبة) نفسها في مأزق أمني عجزت قطاعاتها الأمنية عن السيطرة عليه فجمعت ساداتها وكبراءها في ورشات حوارية حول هذا المشكل فوجهوا أصابع الاتهام إلى قطاع التعليم، وكلفوه بتحمل المسؤولية والبحث عن الحلول فأقام الدنيا ولم يقعدها ونظم أياما تشاورية استدعى لها خبراء أجانب ومفتشين نسوا ما ذكروا به.

 

لقد كان ذلك الحراك توجه بوصلته (خفية أو علنا) يد الأمن وفق مقاساته، الأمر الذي جعل الحلول المقترحة فيه تجعل نصب أعينها الجوانب الإيجابية أمنيا وتهمل تلك السلبية تربويا.

 

فجاءت النظرية القائلة بعدم الرسوب إلا في السنوات الإشهادية سعيا إلى محاربة ظاهرة التسرب المدرسي، فكان لزاما على المدارس الاحتفاظ بالفاشلين وغض الطرف عن تصرفاتهم السيئة حتى لا ينفروا من المدرسة.

 

ذلك أن الإدارات الجهوية والمركزية تقلب لوائح التلاميذ الناجحين والراسبين رأسا على عقب بعد إعدادها حسب المستوى المعرفي من طرف المدرسين الميدانيين، ليتساوى المجتهد الخلوق الممتاز مع المهمل المشاغب الضعيف.

 

 وبما أن هؤلاء أسرع تأثيرا وأكثر عددا كان بقاؤهم مع النابهين المجدين من التلاميذ يصدق عليه قول الشاعر:

"عدوى البليد إلى الفهيم سريعة *** والجمر يوضع في الرماد فيخمد"

 

وإذا كان المدرسون قد فقدوا سلاحهم الذي يؤدبون به (خوفا وطمعا) المتمثل في النتائج المحددة لمصير التلميذ فمن الطبيعي جدا أن تطفو في نفوسهم جذوة الحماس والإتقان ويتسرب إليها الإحباط والكسل وتموت روح الاجتهاد لدى المتميزين من التلاميذ وتحيى فيهم روح الإهمال والاتكال وينجح الضعفاء والمشاغبون في التقليل من جدوائية الاجتهاد في التحصيل المعرفي فيتوارى الطموح في غياهيب الجهل وظلمات الفشل.

 

ومما يزيد الطين بلة أن الجهات المسؤولة بالدرجة الأولى عن هذا الواقع تسعى إلى تجسيد رؤيتها بالاعتماد على استيراتيجيات تربوية مستوردة صاغها قوم على مقاسات الواقع في بلدانهم ثم محاولة تطبيقها على واقعنا الميداني الذي له ما له من إكراهات يصدق عليها قول القائل: "ليس من رأى كمن سمعا"، وهو ما أدى إلى أن "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن" كأن يصبح التلميذ في السنة الأخيرة من الثانوية لا يستطع القراءة ولا الكتابة بلغته الأم.

 

ولقد أخطأ التشخيص من يرجع تدني مستوى مخرجات نظام تربوي هذه سياساته إلى ضعف مستوى المدرس، فلو كانت البيئة المدرسية بيئة علمية لما كان المدرس الذي لم يصل إلى المهنة برعاف حبره وعرق جبينه يستطيع أن يأخذ مكانه ويقنع الجميع بأنه مدرس.

 

ولا يخفى على أي متبصر موضوعي بروز تلك الآثار السلبية لهذه السياسات (الإصلاحية) والتي من أهمها:

1. قتل روح التنافس في التحصيل المعرفي نظرا لحتمية النجاح

2. تحويل المدارس من مؤسسات تعليمية إلى دور لحضانة الأطفال والمراهقين

3. خسارة المدرس لهيبته ومكانته الاجتماعية لفقدانه القرار المصيري للتلميذ

4. خلق تصور جمعوي يشرع ظاهرة الغش والاختلاس في الامتحانات الإشهادية (ختم دروس الابتدائية وختم دروس الإعدادية وختم دروس الثانوية) باعتبارها هي المراحل الوحيدة التي تعيق انسيابية التجاوز طيلة المسيرة الدراسية، لذلك يجب الغش عرفيا على من استطاع باءته بالنسبة لوكلاء التلميذ، كما يجوز المروق من أخلاقيات المهنة تحت تأثير وطأة الظروف والإغراءات المادية بالنسبة للمدرس.

 

وبناء على ما سبق يتضح أن الحكومات اعتمدت استيراتيجيات ومقاربات أثبتت فشلها في إنقاذ أجيال المستقبل من الضياع بل أكدت نجاعتها في زيادة ضياعهم، كما يظهر أن المدرس ليس هو المسؤول الوحيد عن تدني المستويات، مع أني لا أبرئه من الحاجة إلى التكوين وتحسين الخبرات والتي قد تكون ماسة في بعض الأحيان.