على مدار الساعة

للإصلاح كلمة: مؤازرة لولاة الدولة بعد بعث مهمتهم من جديد

23 نوفمبر, 2020 - 14:27
بقلم الأستاذ / محمد بن البار

كلمة الإصلاح لم تطلع علي المنهج الذي استدعي الولاة للتكوين عليه لتطبيقه، ولم تحضر لتوجيه السيد الرئيس الذي وجهه إليهم بعد التخرج، ولم تحضر كذلك للتوجيهات التي قدمها إليهم السيد وزير الداخلية بعد انتهاء تكوينهم، ولكنها بناء على عملها السابق الذي يحتم عليها معرفة ما على الوالي أن يفعله فهي تعرف أن دستور كل دولة يجعل رئيس الدولة هو المتحمل لنشر الهدوء والسكينة للدولة والضامن لحفظ الأرواح والممتلكات لكل من دخل الدولة من أي جهة من حدودها، وبما أن الرئيس شخص واحد فقد أسند القانون هذه المهمة مع بقائها في عنق الرئيس إلى وزير الداخلية خاصة من السلطة التنفيذية، ولنفس العلة وهي أن وزير الداخلية شخص واحد مكلف بإدارة وزارة الداخلية كلها، فقد قسم القانون مهمته هذه على ولايات الوطن، فكل دائرة من الوطن فيها وال، يكون هو المتحمل فعلا تحملا شخصيا مباشرا لمهمة الرئيس ووزير الداخلية الدستورية تجاه الشعب، وهي نشر العدالة والسكينة والهدوء وحفظ الأرواح والممتلكات لكل داخل في أي شبر من هذا الوطن، وتسمي كلها بالإدارة الإقليمية، فهي نائبة فعلا عن وزير الداخلية النائب عن رئيس الجمهورية في كل المسؤوليات أعلاه .

 

هذه المعطيات الضرورية هي وحدها التي يستفيد منها كل مواطن في الدولة، وكما قلت فبسبب وظيفتي الأمنية حضرت وعشت الأيام التي كان فيها الولاة الموريتانيون يعرفون مهنتهم، والدولة كذلك تعرف خصوصية مهنتهم، ومحملة لهم إياها وهم لها فاعلون، وتاركة التدخل لهم في خصوصياتهم وهؤلاء الولاة الذين هم بمثابة رئيس كامل الصلاحية في الحيز الجغرافي لمسؤوليته، فعينت لهم الدولة أعوانا مدنيين وعسكريين وأمنيين من جميع القطاعات العسكرية والأمنية، ورئاستهم عليها تشبه بالتمام والكمال رئاسة الرئيس على الجميع، لأنهم نواب عن وزير الداخلية النائب الأول عن رئيس الدولة في المهام أعلاه الشاملة لجميع ما يتحرك فوق الولاية تابع للدولة، سواء في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي وما يتبع هذه المسميات من فروع.

 

كل هذه المعطيات خلقها الله راشدة في زمن النخبة الراشدة التي وهبها الله لهذه الدولة لتبدأ حياتها راشدة في كل قطاع في ما قبل انقلاب 1978.

 

وهذا الرشد بالنسبة للوالي آنذاك هو أن جميع قطاعات الدولة المدنية والعسكرية بعدما يوقعون وثيقة تحويل العامل في قطاعاتهم انتهت مسؤوليتهم عليه في الأوامر والمراقبة والإذن إلى آخره، وتحولت إلى الوالي، والوالي ومعاونوه المدنيون والعسكريون دائما في يقظة فيما بينهم، وفيما يعني كل قطاع سواء داخل المدينة أو في الأرياف إلى آخره، فيجب يوميا على كل قطاع أن يكون الوالي على علم بكل ما طرأ فيه من ما يعني المسؤولية العامة والأمنية.

 

فهذه الأعوان أنا لا أطيل الموضوع في تحديد مهمتها لأنها معروفة عند الجميع ولكن أذكر ماذا عليها أن تفعل وماذا كانت تفعل من قبل، وماذا أصبح فعلها في العشرينية الجوفاء البهلوانية في موريتانيا، العشرية الأخيرة من حكم معاوية والعشرية الأخيرة الشرعية من حكم الرئيس السابق (فهذه العشريات اسمهما المطابق للمسمى عشريات الحكم الديمقراطي الشخصي الفوضوي).

 

ومن هنا أعود لما كان الولاة وأعوانهم يقومون به في العهد الذهبي لميلاد موريتانيا :

أولا: الوالي هو رئيس الجمهورية الفعلي المتصرف في جميع ما يتحرك فوق الحيز الجغرافي لولايته، فلا عسكرية ولا حزبية ولا سياسة ولا ولا.. تحول بينه وبين أي موضوع يطرأ ليزعزع الأمن العام أو يمس من الأمن الداخلي للجمهورية في الولاية، مع رعايته لكل القطاعات الأخرى، فأعوان الوالي الأمنيون أصحاب البدلات كل في قطاعه يوزع أفراده على السهر واليقظة على سلامة المواطنين أمنيا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا إلى آخره تحت رعاية الوالي.

 

والوالي في كل أسبوع (إذا لم يطرأ مستعجلا) يجتمع بالجميع لدراسة الوضع كما هو، وكان من وراء هذا الوالي وزارة داخلية عندها "حذامي" واحد وهو الوالي، فلا تدخلات يعكرن صفو عمل الوالي في ولايته، كما أن أعوانه المدنيين والعسكريين لا يسمح لهم بمجرد وجودهم معه في الولاية تلقي أوامر تصدر إليهم من رؤسائهم من خارجها إلا ما يتعلق بمهنتهم العامة الإدارية واللوجيستية، فجميع الوزراء عندما يسلمون مذكرة عمل لموظفيهم محولين إلى ولاية، انتهت رئاسة وزارته عليه إلا بتحوليه من الولاية، فمشروع الدولة حقيقة هذا استمر بداية مع ميلاد موريتانيا وإنباتها من طرف رجالاتها الأول نباتا حسنا وإلى سنة 89 أي بعد محاولة الانقلاب الجهنمي الذي أنقذ الله موريتانيا من تنفيذه، وقبل ذلك كانت تلك الصورة البيضاء اللامعة تنقص شيئا فشيئا بعد انقلاب 1978، لأن أعوان الوالي يرونه أصبح مشاركا مشاركة رئاسية تارة تحد إلى الحضيض من رئاسة الوالي عليهم، فأصبحت القاعدة العسكرية إذا كانت موجودة في الولاية هي التي تقود الوالي وأعوانه سياسيا على الأقل، وهي لا تعرف قيادة استتباب الأمن ونشر الهدوء والسكينة في الداخل لأن ذلك ليس من عملها أصلا، وأصبحت القيادة في الشرطة والدرك والحرس تأخذ نصيبها من أوامر رؤسائها العسكريين، وهكذا تدهورت مسؤولية الرئيس الدستورية بإضعاف الدولة لأعوانها في الولاية.

 

فتدهور التعليم والصحة والتنمية لعدة أسباب منها تعيين مديرين عامين في المؤسسات أعطيت لهم الميزانيات كلها التي حولوها على مرأى ومسمع من جميع أجهزة الدولة إلى أملاك خصوصية، وأًصبحت ولاية الرئيس (الوالي) شبه شكلية في الولاية، لأن جميع القطاعات فتحت المسؤولية بينهم وقطاعاتهم، أما القطاعات الأمنية والعسكرية فأصبح رؤساؤها في اعتقادهم أن لا مسؤول يمكن أن يحول بين أوامرهم ومعاونهم الأمني والعسكري مهما كان، فلا والي ولا وكيل الجمهورية ولا قاض إلى آخره، إلا أن هذا تدرج في التدهور حتى وصلنا إلى العشرية الأخيرة من زمن معاوية أي بعد الانقلاب الجهنمي وما تبعه من أحداث، فقد كشف الرئيس معاوية الغطاء الدستوري والقانوني والأخلاقي عن جميع القطاعات وسلمها بعد سنة 92 أي بعد خلق الديمقراطية الفوضوية تسليما فوضويا للمنتخبين ورجال الأعمال، فأصبح أي عامل يحول من الولاية مدينا أو أمنيا أو عسكريا بأوامر وأغراض المنتخبين، فلا متابعة ولا عقوبة على التغيب عن الوظيفة أو الشطط فيها إلى آخره.

 

وهنا والحق يقال تمايزت أخلاق الولاة في التكيف مع الوضع، فبعضهم فهم أن الدولة وجميع أملاكها أصبحت غنيمة، ففعل ما يقال عن "جحا" أنه عندما رأى اللصوص يسرقون منزله أخذ بقيته وخرج معهم، فأجهز الوالي على ما يستطيع وأحاله إلى الملك الخاص له، ولكن بعض الولاة والحق يقال أيضا لم تكن طبيعته مادية فاقتنع بما بقي عنده من السلطة المنحوتة من كل جهة فيما بينه، بل يصدق عليه قول النبي صلي الله عليه وسلم في صهيب عندما قال (نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه)، إلا أنه في آخر أيام معاوية كان فيه استحياء من إعلان إعفاء الوالي من مهمته، حتى جاء عهد الرئيس السابق الذي أعلن في أول رئاسته أنه جاء لمكافحة الفساد، ولكنه جعل على رأس لائحة المفسدين الولاة، فوصفهم بأنهم أكلوا الأخضر واليابس ومثل بقضية تصرفهم في مسؤوليتهم عن القطع الأرضية، ولذا أعلن نزع صلاحية الولاة في إعطاء القطع الأرضية، وأعطيت الصلاحية دون مرسوم أو قانون للدرك والحرس في التصرف مع المواطنين مباشرة .

 

أما الشرطة أولا نزع منها هيبتها بالهجوم عليها بلسانه في المناسبات والمبالغة في تخوينها، وبذلك انتهى عمل ما يسمي في الدولة بالإدارة الإقليمية، فقد تفككت العلاقة بين مكونيها، فالولاة نسبوا إلى الفساد، والعسكريون الدرك والحرس أصبح تعاملهم مع المواطنين مباشرة في كل ولاية، والشرطة نزع منهم أهم مهمة تعاونهم في مراقبة الأمن العمومي مثل شرطة المرور، فالجرائم أغلبها يقع بالسيارات وانتهت ملاحظة الإجرام بالنظر إلى الركاب ووقت التحرك وأماكنه إلى آخره.

 

وفي الأخير اسمحوا لي أن أضرب مثلين: الأول وقع في آخر الزمن الذهبي لمسؤولية الولاة، وكان في أول زمن معاوية أي بإظهار مسؤولية الوالي العامة على ولايته: ففي الحوض الشرقي جاءت بعثة من اسنيم للنعمة لإنارة المدينة، وكان رئيس الدولة معاوية آنذاك سيزور الولاية، فأمر الوالي مدير الأمن الجهوي بأن يطلب باسمه رئيس بعثة اسنيم عرية المولد الكهربائي للإنارة به لزيارة الرئيس، فرد رئيس البعثة أنه حتى يستشير مدير اسنيم في نواذيبو فرد عليه مدير الأمن الجهوي مباشرة بأنه من عند اعوينات ازبل غربا إلى فصالة شرقا وإلى الحدود المالية جنوبا وحدود الولاية الشمالية كل هذا فيه رئيس واحد ومدير واحد وهو الوالي لأن البعثة نفسها تحت رعاية أمن الوالي، وأن طلب الوالي العرية أدبا فقط، إذن عليه أن يأمر عماله بوضع المولد الكهربائي في سيارة الشرطة، وإلا فأفراد الشرطة سيحملونه مع متابعته هو في الجواب في الموضوع، فاستسلم للوضع القانوني للوالي، ومقابل هذا في زمن الرئيس السابق قامت شركة (أنير) بجراراتها لتعبيد طريق في توجنين فكسرت جميع الأنابيب المائية في الحي، وعندما هرعوا إلي الحاكم لمنع الشركة من تعطيشهم وإصلاح ما أفسدت أجابهم بأن (أنير) وشركة المياه عندهما مديرين وعليهم أن يتوجهوا إليهما، علما أن مقراتهما خارج توجنين، وعندما نبهوه أنه كان على المديرين أن يخبراه هو بدخوله في مقاطعته، سخر هو من هذا التفكير رافضا له ومحيلا للمشتكين إلى المديرين فقط.

 

وملخص مؤازرة الولاة هذه أو التنبيه على ما يجب أن يكون أنه إذا كان المنهج الجديد الذي تكون عليه الولاة هو إعادة لصلاحيتهم الدستورية والقانونية، وانفرادهم بالسلطة على جميع ما في الولاية من البشر والمدر عسكريين وأمنيين ومدنيين إلى آخره، مع انقطاع أوامر إدارات جميع مصالح الدولة العملية والرقابية وتركها في يد الوالي بالكامل يراقب ويعاقب ويطرد ويزكي كل من يعمل معه في الولاية إلى آخره، فهذه عودة حميدة مرجوة الخير للمواطنين، ففي هذا الزمن الأخير الفوضوي الذي انقطعت فيه العلاقة بين الوالي ومعاونيه وأصبحت الجرائم كثيرة لا يعرف من المسؤول عن منعها، فتنشر المواقع كل يوم جريمة قتل أو غصب وابتزاز، ولا يذكر شيئا عن الإدارة الإقليمية ماذا فعلت في الموضوع فتارة تذكر حضور وكيل الجمهورية ومعاينته فقط.

 

فالسذج من المواطنين يظنون أن مدير الأمن هو المسؤول عن منع الجرائم ومكافحتها ، والواقع القانوني أن المسؤول الأول عنها هو الوالي ومنه إلى أعوانه، فالمدير العام للأمن وقائدا أركان الدرك والحرس ليس عليهم مراقبة الأمن مباشرة، لكن عليهم توفير الأفراد وجميع اللوازم العملية في مراقبة الأمن بوضعها تحت تصرف أعوانهم الموجودين تحت رئاسة الوالي ومسؤوليته الأمنية، فتحرك الدوريات كل ليلة إلى مكان مظنة الجريمة والسرعة للوصول إليها عندما تقع ومراقبة ذلك كله على الوالي ونائبه في المقاطعة أي حاكمها وأعوانهم الأمنيين ومخابراتهم الرسمية وغيرها، فالمدير العام للأمن وقادة الأركان لا يعلمون عادة بالجريمة وأسبابها والتصرف فيها إلا عن طريق التقارير الواجبة الإنجاز كل يوم بكل طارئ، ولكن من طرف علاقاتهم الأمنية التابعة للوالي، بمعني أن النسخة الثانية من التقرير إذا كانت الأولي ذهبت من المدير الجهوي للأمن للوالي ، وبذلك يكون وزير الداخلية علم في نفس الوقت بالجريمة عن طريقين: الوالي الإداري، والمدير العام للأمن، فإذا كان التكوين الحالي أو المنتهي توا يعيد للوالي صلاحيته كاملة فعلي الشعب أن يتنفس الصعداء، فكل جريمة وقعت يسارع الشعب إلى الوالي ليعرف السبب ولماذا إلى آخره، وعندئذ فلينتظر الجميع إصلاح التعليم والصحة والتنمية إلى آخر مراقبة الولاة للجميع المراقبة المباشرة بأعوانهم المختصين في ذلك، وإذا كان الوالي سيعود إلى ولايته وهو ما زال كسير الضمير والجناحين والرجلين بالتقييد بالأوامر العليا إلى آخره فكأنه قيل له :

 

ألقاه في اليم مكتوفا وقال له *** إياك إياك أن تبتل بالماء

 

ويقول الشاعر الشعبي:

كَنتي يالعكل مالح *** وامقردي ماك أمالح

واصبحت يالعكل مالح ****  وامقردي ماك أمالح

 

هذه عجالة رأي، أرجو أن تكون له إفادة، ويستجاب لمضمونها، يقول تعالى: {إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون}.