على مدار الساعة

للإصلاح كلمة موجهة إلى مسؤولي حــقــــوق الإنـســــان الموريتانيين

19 أبريل, 2017 - 17:42
بقلم الأستاذ / محمدو بن البار - بتاريخ: 19 - 04 - 2017

كلمة الإصلاح هذه المرة تريد أن تـنبه قراءها الكرام بأنها لا توجه أي كلمة أبدا إلا إلى المسلمين { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} لأن غير المسلمين أوضح المولى عز وجل للمسلمين صورة كاشفة لأخلاقهم وهي أنهم {إذا ذكروا لا يذكرون}.

 

ولذا فإن موضوع كلمة الإصلاح أجعلها دائما تعالج قضية تهم المسلمين جميعا لأوضحها حسب البضاعة المجزاة عندي جدا المتعلقة بما يريده الإسلام من المسلم ـ فإن وفقـني الله لمعرفة ذلك فهو تفضل منه وإن كانت الأخرى فبعدله {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم}.

 

وبادئ ذي بدأ أنبه المسلمين على أنني كل ما أردت أن أكتب في موضوع من المواضيع المعيشة في زمانـنا الحالي نجد أن سلوك المسلمين في شأنها قـد تـنـبأ به الصادق المصدوق وأوحى الله إليه به من قبـل ـ في شأن ما سنـفعل نحن المسلمين في موضع تـلك القضية وهي أنـنا سنـتـبع فيها سنـن من قبـلنا وهم اليهود والنصارى كما هو مفسر في الحديث الصحيح.

 

ونأسف على أن من أراد أن يجرب صحة هذا الحديث في أي موضوع فسيجدنا نحن المسلمين الموريتانيين أتبعنا فيه أهل الكتاب شبرا بشبر وباعا بباع إلى آخر الحديث.

 

ومن الشواهد الماثـلة حاليا الآن على ذلك ما قرأت اليوم في مواقعنا التواصلية وهو أنه توجد امرأة حكم عليها بالسجن بسبب إكرامها لبنت بمعنى خـتـنتها.

 

ومن المعلوم أن خـتان النساء وردت فيه أحاديث وأنه مكرمة للنساء ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "يا عائشة أخفضي ولا تنهكي" الخ الحديث.

 

وهذا الحديث وإن كان العلماء المفتون لليونسف قد تكلموا في صحته وأفـتوا بغير معناه فإنه من المتفق عليه أن هذه القضية كانت تميز إلى تاريخ قريب النساء المسلمات عن النساء الكتابيات كما يميـز ختان رجال المسلمين عن رجال النصارى لأجل تطبيق السنة على رجال المسلمين، ولا شك أن الأجيال القادمة من المسلمين ستـشاهد قريـبا رجال المسلمين غير مخـتونين مثـل النصارى وبأيديهم فتوى بجواز ذلك.

 

وبناء على أن هذا مثالا قـليلا في قضية حق من حقوق الإنسان، فإني سوف أتوسع في مناقشة قضية حقوق الإنسان كما يضعها الإسلام، وحقوق الإنسان كما تضعها الأمم الأخرى غير مراعية للنصوص الإسلامية في الموضوع.

 

فمن المعلوم أن الله تبارك وتعالى أنزل هذا القرآن وكأن موضوعه هو هذا الإنسان، فالله خلق هذا الإنسان من طين ونفخ فيه من روحه ليكون خليفته فوق هذه الأرض وتحت هذا السماء المخلوقـتـين قبل الإنسان وسخر له كل ما فيهما لينـتـفع به في حياته، وقد فصل لهذا الإنسان كيف خـلقه بعد أن صوره من طين، ولإظهار تكريمه له عند بداية خـلقه أسجد له ملائكـته الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون.

 

وقـدر له أجلا لا ريب فيه ينـتـهي عنده حياة كل نفس خـلقها وضرب له موعدا بعد نهاية عمره هذا للمقابـلة معه منفردا ولن يخلف الله وعـده.

 

فالله يقول {ولقد جئتمونا فرادى كما خـلقـناكم أول مرة} ويـفسر النبي صلى الله عليه وسلم هذا المثول أمام الله منفردا معه فيقول في الحديث الصحيح: "ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بـينه وبينه ترجمان" الخ الحديث.

 

ومن بـين هذه الإنسانية التي ستـتـقابل مع الله وجها لوجه وهي مسلمة مسؤولي حقوق الإنسان المسلمين، فعـلينا وعليهم أن يعرفوا من الآن هل هم سيقابلون الله وفي سجلهم أن المرجع الذي كانوا يرجعون |إليه في عملهم هو حقوق الإنسان الصادر إعلانه من الأمم المتحدة سنة 1948 حيث أقرت الأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وألـزمت بالأخذ به كل أمم العالم الموقعة عليه سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة، أو سيتبعون فيه الآيات القرآنية التي أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وبلغها مبـينا لفحواها أحسن تبـيـيـن وقد جاء فيها جميع حقوق الإنسان سواء كان محكوما أو حاكما وحقوق الطفل قبل البلوغ وبعده وحقوق المرأة قبل الزواج وبعـده وحقوق الزوجين فيما بـينهما وحق ذوي القربى واليتامى والمساكين إلى آخره.

 

وبما أن مسؤولي حقوق الإنسان لم يكن في ملفاتهم إلا ملف مجرم قبضت عليه السلطة وسجنـته، فأكثر النصوص المتـعلقة بحقوق الإنسان تـتـكلم على حق هذا النوع من المجرمين والمعلوم عند كل عاقـل أن السجين المسلم لم يسجن إلا بعد أن لم يحترم هو حقوق أخيه الإنسان الذي جاءت مفصلة في الآيات القرآنية ولخص الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الحقوق الإنسانية الموجودة في الإسلام في آخر حجة وداع في حياته الدنيوية بين المسلمين: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بـلدكم هذا" الخ.

 

ولتوضيح الفرق الشاسع بـين النصوص المكتوبة في حقوق الإنسان في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان وبين حقوق الإنسان المنصوص عليها في الآيات القرآنية، فإني سوف أكتب نموذجا من كلا الجانبـين لموضوع حقوق الإنسان مع التـنـبـيه أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا يخاطب إلا السلطة ولا يعاقب على المخالفة لحقوق الإنسان إلا السلطة التي انـتـهكت حقوق هذا الإنسان، أما الآيات القرآنية فتخاطب الأفراد كأفراد وتخاطب السلطة كسلطة كما أنها تجازي كل من احترم حقوق الإنسان، أما مواد القانون العالمي فلا تهتم إلا بحقوق الإنسان بعد أن ينـتـهي من إجرامه ويقبض عليه.

 

فأول مادة من مواد حقوق الإنسان تـقول: يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلا وضميرا وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء.

 

المادة: 2: لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تميـيز كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر أو الأصل أو الوطن أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر دون أي تـفرقة بين الرجال والنساء إلى آخر ما جاء في هذه المادة.

 

المادة: 3: لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.

 

المادة: 4: لا يجوز الاسترقاق أو استعباد أي شخص ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما.

 

المادة: 5: لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات والمعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة من الكرامة.

 

هذه مواد عامة من مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ـ وعلينا أن نحتـفظ بمضمونها لنقارنها مع الآيات القرآنية التي تشير إلى المعاني التي جاءت بها تـلك المواد مع زيادة عميقة لا يكتمل تـنـفيذ ما جاء في تـلك المواد إلا بمراعاتها مراعاة دقيقة، يقول تعالى {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيـبا}.

 

فالمادة الأولى من الإعلان العالمي لم تأمر أصلا بالتقوى الذي يترتب عليه صلاح المرء في كل ما يقول وما يفعل ولم يدع المقـنن لهذا الإعلان ولا يمكنه أن يدعى أنه هو الذي خلق الإنسان ووهب له ضميرا وعـقـلا ليعامل أخاه بالمثـل.

 

فالقرآن ذكر بعد أمره لكل إنسان بالتقي بأنه هو الخالق للجميع ومن نفس واحدة وهي التي خلق منها زوجها لئلا يتـكبر أحد على أحد بأب أو أم فالجميع من نفس واحدة وثنى لهم أمره بالتقوى وذكرهم أن الطالب للتـقوى هو الله الذي يسأل بعضكم به بعضا وتتواعدون وتـتوافقون باسمه في أموركم مثل ما تـتـساءلون وتتوافقون بأرحامكم وختم الأمر برقابة لهم بعد ذلك كله: الشيء الذي لا يوجد مثـله في الإعلان العالمي.

 

أما المادة الثانية من الإعلان العالمي فيقابلها قوله تعالى {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنـثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتـقـاكم}.

 

فبعد نزول هذه الآية التي انحصر فيها التفاضل بالتقوى ذهب التفاخر باللون أو الجنس أو اللغة إلى آخره واستوت الناس بعد الخلق من نفس واحدة في الشعوبية والقبـلية الخ، أما الأمر بعدم التفرقة بين الرجال والنساء الموجود في المادة الثانية للإعلان فإن هذا الإنسان المقـنن لم يخلق هذه المساواة ساعة التكوين في الرحم وتميـيز كل وظيفة لجنس عن غيره مثـل الإنجاب وزمنه إلى آخره فلا يستطيع أن يسوي بينهما قبل الميلاد بنسج خلاياهما على نمط واحد ولم يوحد بعد خلقهما الوظيفي البيلوجي لكل منهما الخ.

 

أما حقوقهما في أبدانهما وأموالهما وحياتهما العامة فإن الجميع داخل في حديث حجة الوداع المتـقدم فالرجال والنساء سواسية في كل ما طلب من المسلم يوم ذاك.

 

المادة: 4: في عدم جواز الاسترقاق أو الاستعباد وتجارة الرقيق بكافة أشكاله: فمن المعلوم أن مقـنن هذا القانون لم يكن هذا هو تفكير الإنسان يوم نزول القرآن بل كان الاسترقاق آنذاك مقـنـنا بكثير من الأسباب تأباه الإنسانية كلها مثـل: غلبة الدين والفقر وضعف النسب إلى آخر الأربعينيات من منافذ الاسترقاق في الجاهلية مع عدم الاعتراض على أي معاملة يعامل بها الرقيق ولو كان سيده قطعه إربا إربا أمام الجميع، إلا أن الإسلام آنذاك قضى على جميع روافد الاسترقاق إلا رافد الجهاد المقـنن المنظم من طرف الرئيس العام للمسلمين لرد عدوان على عقيدة أو عن أرواح وممتلكات بالأمر في نفس الوقت بالمعاملة بما يعامل به المسلم ولده من نفقة وكسوة إلى آخره مع حرمة تعذيب الرقيق والقصاص من السيد كما في الحديث: "من جدع عبده جدعـناه" الخ.

 

وقد انتهى هذا الاسترقاق الشرعي بانتهاء أسبابه في وقت مبكر من التاريخ الإسلامي بسبب كثرة روافد الحرية التي جاء بها الإسلام حتى لم يهتم المسلمون بهذا النوع من التملك حتى قال عمر بن الخطاب في زمنه كلمته المشهورة: "كيف استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".

 

أما ما كان من الاستعباد أو الاسترقاق الذي حذر منه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فهو ما كان مشتركا فيه بين الإنسان والإنسان في جميع القارات وتأكد قارة إفريقيا وجميع دولها بما فيهم موريتانيا إلا أن هذا الاسترقاق غير الشرعي في الدول الإسلامية بما أنها وجدت اسمه معمول به في القرن الأول للإسلام فقد سمته عليه ولكن بفارق ما بين حرمة الميتة والمذكاة وكلها يطلق عليه لحم الأنعام لأن أسباب الاسترقاق في الشعوب الإسلامية والشعوب الوثنية متحد في هذا الاسترقاق غير الشرعي حتى أن الدولة التي فيها مسلمون ووثنيون كلهم كان يملك أرقاء بغض النظر عن اللون والأصل ملكا متساويا.

 

أما إسناد البحث عن بقاء الرق في الدولة الموريتانية إلى رجال حقوق الإنسان فهو تـفكير قاصر فالبحث عن وجوده لعدم شرعيته منوط بالدولة نفسها ويكفي أن تعامل الدولة وجوده كجريمة أو مرض فتبحث عنه بحملة واحدة بـيتا بيـتا ولمدة معـينة ولا داعي لمحاكم جامدة تستهلك الإنفاق عليها بدون إنتاج فإذا انتهت المدة المعينة للبحث الشامل فإن دعاة وجوده بعد ذلك أدعياء و لغرض ما.

 

المادة: 5: من الإعلان العالمي تقول: لا يعرض أي إنسان للتعذيب، أما الآية القرآنية فتقول {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص}.

 

هذا الخطاب موجه لكل فرد أحدث هذا بأخيه الإنسان سواء كان هذا الاعتداء باسم الدولة أو بالاسم الشخصي فإذا كان قصاصا فهو ليس اعتداءا واستعمال هذه النصوص وتفعيلها في المجتمع هو الذي يمنع التعذيب في المجتمع {ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تـتـقون}.

 

فمثلا إذا وجد مسؤولي حقوق الإنسان شخصا وقع عليه التعذيب وهو كان قد أوقع التعذيب على غيره ماذا سيفعلون أو يقولون أمام الله.

 

وملخص كل هذا أن على كل مسلم أن يعلم أن له حياتين والثانية يسأل فيها عن ما فعل في الأولى بدون أن يسأل هل هو كان تابع في حياته لمن؟ وبخصوص حقوق الإنسان فإن الإنسان يكون مجرما ويكون ضحية وأكثر حقوق الضحية من حقوق المجرم لأن الضحية لم يعتـد على أي أحد فإيجاد مؤسسة تهتم بحقوق المجرم ولا تهتم بحقوق الضحية فهو اختلال إسلامي يجب تصحيحه.

 

فحقوق الإنسان الضحية موجودة في تـنـفيذ حدود الله على كل مجرم في قوله تعالى {إنما جزاء الذين يحاربون الله} الخ {السارق والسارقة} الخ {الزانية والزاني} إلى آخر كل اعـتـداء.

 

فكان على المسلمين أن يقـنـنوا حقوق الإنسان الضحية وحقوق الإنسان البريء ويقدموا هذا التـقنين القرآني للعالم ليجد العالم فيه معنى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} {كل نفس بما كسبت رهينة}.

 

فعلى العالم الآن أن ينظر إلى حال كل قريب وكل من عاش مع أي واحد من أولئك الذين عاملهم الغرب بأنهم مجرمون فقتلهم وطارد أقاربهم وسائقيهم وحلاقيهم، أما مديرو ديوانهم أو وزيرهم أو الخادم معهم في أي خدمة فهو مجرم مثـلهم مثـل ما وقع لقادة العرب وقادة الحركات الإسلامية إلى آخره، فعلى مقـنني حقوق الإنسان المسلمين أن يزيدوا تفنين الغرب بتقنين الإسلام الضارب لكل مجرم شخصيا الحامي لكل بريء شخصيا أيضا مبـينين معنى قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}.