على مدار الساعة

عن قانون التلاعب بالمعلومات: هل هو الخوف على الحرية.. أم هو رفض الانضباط..؟!

27 يونيو, 2020 - 02:26
أحمد ولد الحافظ

كلما استجد النقاش، أو الجدل، حول إشكالية وطنية ما، برزت وجهة نظر جلية ومتسعة؛ وجهة نظر أساسها الرفض المبدئي للانتظام وللضوابط، والدفاع - المبدئي أيضا - عن العشوائية وعن الفوضى.. إنه – ربما - جزء من إرثنا الثقافي "الصحراوي الحر" ذلك الإرث الذي ظل قرونا حائلا دون كل المحاولات التنظيمية "الجادة" في هذه الأرض؛ بدءا من مشروع أبي بكر بن عامر، وليس انتهاء بمحاولات ناصر الدين بن أبهم..!

 

إن روحا من الرفض للانتظام والانضباط تتلبس جل ساكنة هذه البلاد؛ هي - في تقديري - السبب الأساسي في الحؤول دون بناء دولة وطنية حديثة؛ دولة يسودها القانون وتحكمها المؤسسات، وعلى الأرجح سيظل مشروعنا مرتبكا ومتعثرا ما لم نتغلب على تلك الروح البدوية الفوضوية..!

 

لقد تعاطينا - في نقاشنا العام - مع "قانون مكافحة التلاعب بالمعلومات" انطلاقا من الروح الآنفة؛ فلم يكن النقاش بدافع "تحسين القانون" ولا تغييره... لم يكن ثمة اعتراض على مواد معينة، ولا مقترح بإضافة مواد أخرى معينة.. كان الاعتراض على "القانون" فقط، وبمجموعة من السرديات الفضفاضة؛ ذات الموقف من "قانون النوع" وقبله "قانون الجريمة السيبرانية"..!

 

قلنا - بكل وثوقية ويقينية - إن "قانون النوع" مناقض للشريعة الإسلامية؛ رغم أن الغالبية رجعت - بعد ذلك - لتعتذر عن سوء فهمها أو تسرعها، أو عدم اطلاعها على القانون... وها نحن - بذات الوثوقية واليقينية - نقرر – أيضا - أن "قانون مكافحة التلاعب بالمعلومات" ضد الحرية؛ مع يقيني أن الغالبية لم تبن آراءها حياله على قراءة ولا تبصر؛ وإنما بنت على الاعتبارات الثقافية الآنفة، أو اعتبارات سياسية أخرى، أساسها أنها "ضد الدولة" الداعمة للقانون؛ وبالتالي فهي ضده.. أو مع فلان الرافض للقانون؛ وبالتالي فهي ترفضه..!

 

"هذا القانون" في تقديري؛ لا يكمم الأفواه، ولا يضايق حرية الرأي؛ لكنه ينظم النشر ويقونن الحرية، وهي أشياء لا تستقيم الحرية (المحتاجة كثيرا للأمن) دونها.. فأي تكميم لحرية الرأي، أو حرية النشر؛ حين يطلب من الناشر عدم اعتماد الإشاعات أو الأكاذيب مصدرا لمادته..؟! أي مضايقة للحرية أو للنشر حين يطلب منك أن لا تتلاعب (تحريفا أو إضافة) بالمعلومة؟! أي خطر على الحرية حين يطلب منك تقدير المؤسسات الأمنية - لدورها المركزي في كينونتنا - أيام الحروب والكوارث..؟!

 

في أرقى الديمقراطيات، وبين أكثر شعوب العالم وعيا وتحضرا؛ ثمة قوانين تضبط وتنظم الحريات؛ فما بالك حين يتعلق الأمر بأمة أكثر من نصفها يعيش الأمية الأبجدية، وأكثر من ثلاثة أرباعها يعيشون خارج دائرة الوعي، وتفتخر بإرث عشرة قرون من الفوضى و"السيبة"...! إن عدم أخذ هذه الاعتبارات - من قبل المشرعين على الأقل - على محمل الجد مغامرة كبرى؛ وعلى رأي الأديب الفرنسي "فيكتور هوغو" تبدأ الحرية حيث ينتهي الجهل؛ لأن منح الحرية (خصوصا الحرية المطلقة) لجاهل مثل منح سلاح لمجنون...!

 

وغير بعيد عن هذا الذي كنا فيه (رفضنا للانتظام والانضباط) يتنزل اللغط الذي أثاره "تجريد مديرة سوما غاز" ذلك "التجريد" الذي رُبط بحديث منسوب للمعنية يحاول الانتقاص من شخص الوزير الأول، ورغم أنني أستأنس – أكثر - للرواية القائلة إن قرار "التجريد" سابق على "الحديث" وأن دوافعه تتعلق بملاحظات تسييرية؛ بل وأن "الحديث" كان خطوة – ذكية - من المديرة ابتغت من ورائها إحدى حسنيين:

  • إيقاف القرار، أو تأخيره؛
  • ربط التجريد بـ"الحديث" وليس بالتسيير.

 

رغم استئناسي - كما أسلفت - بهذه الرواية؛ فإنني حين أسلم – فرضيا - بالعلاقة بين "الحديث" و"التجريد"؛ فإن الأمر - يبدو لي - طبيعي؛ فالمناصب السامية (خصوصا المناصب غير الفنية) يجب على أصحابها الانسجام التام مع خيارات النظام المنتمية إليه.. غير ذلك يعتبر استقالة ضمنية؛ هذا إذا كان "الخلاف" يتعلق برؤية تسييرية مغايرة، أما وهو لا يعدو انتقاصا شخصيا عائما وفجا؛ فإنه استقالة صريحة، ووقحة أيضا..!

 

إلا أن ما عبرت عنه السيدة - في حقيقته - لا يعدو نوعا من ممارسة تلك "الحرية" التي دأبنا عليها، والتي حالت – وتحول - دائما بيننا مع تأسيس كيان طبيعي صلب، يقوم على المؤسسية والقانونية... إنها تلك "الحرية" القائمة على الفوضى والعشوائية وغياب المسؤولية... إنها ذات "الحرية" التي جعلتنا نقف – بالأمس - في وجه قانون يحمي بناتنا وأخواتنا؛ بل وأمهاتنا... لأننا نريد - ولو في لا وعينا - أن نظل نتزوج متى نشاء، ونطلق متى نشاء، ونضرب متى نشاء، ونشتم متى تشاء..! إنها نفس "الحرية" التي جعلتنا – اليوم - نشتم قانونا جاء ليحمي أعراض بعضنا من بعض، وليحمي لحمتنا وانسجامنا من طموحات ونزعات بعضنا، وليحمي جيشنا وأمننا من تجاذباتنا واصطفافاتنا..!

 

باختصار؛ إن موقفنا من القوانين ومن النظم ومن الانضباط لا تزال تحكمه منظومتنا الثقافية الصحراوية "الحرة" التي ورثناها منذ الأزل؛ منذ بواكير علاقتنا بمجال الصحراء المفتوح؛ إنها تلك الثقافة التي صممت بيوتنا مفتوحة من كل الجهات.. وملابسنا مفتوحة من كل الجهات.. وأسرنا مفتوحة لكل الوافدين... لست ضد الانفتاح؛ لكنني مع القوننة والتنظيم..!