على مدار الساعة

للإصلاح كلمة تسأل هل موريتانيا دولة حقيقة؟

11 يونيو, 2020 - 01:53
بقلم الأستاذ / محمد بن البار

كلمة الإصلاح تريد أن تجيب على هذا التساؤل: وهو ما هي حقيقة إدارة موريتانيا الحالية؟ وهذا الجواب الذي سيكون مفصلا بإذن الله موجه للرئيس الحالي الذي يظن فيه الجميع أنه يحمل فكرا غير ملوث بحب المادة ومن على شاكلته في هذه الفكرة ولا شك أنهم قلة وذلك لأسمعهم ما يلي:

 

فدولة موريتانيا هي تلك الدولة التي خلقت عند إنشائها على يد رجال لا يريدون إلا خلقها دولة قابلة للنمو والبقاء، فلا طمع فيما وراء الراتب، ولا راتب إلا بشهادة موجودة ترى في الخارج للعيان، أو مهنة موجود صاحبها يزاولها، ومن الصدف أن هؤلاء الرجال هم من كل النواحي الموريتانية ومن كل لون من ألوان المواطنين: اتفقت فكرتهم على النزاهة في العمل والعفاف في السلوك عما ليس لهم فيه حق في الدولة، وقد عينهم رئيس هو من جنسهم تماما موريتاني الدين والأخلاق والعفاف فاختار حكومة تمثله صورة طبق الأصل.

 

وهنا أرجو أن يسمح لي القارئ الكريم أن أذكر أسماء بعضهم ليمتلئ سمع الجميع من ذكر اسم رجل سمعته شائعة أثناء عمله، ففي ذلك الوقت أعطت الدولة صفة لمسميات وزاراتها وهي السيادة، وفعلا كان وزراء السيادة فوق سيادتها بمعني الكلمة، فسيادة الداخلية كان عليها أحمد بن محمد صالح أطال الله عمره، وهي تضم وزارات السيادة الأربع فأداراها حتى استحالت غربا في مدة قصيرة.

 

 وكانت سيادة وزارة الخارجية يديرها رجل لا كالرجال السيد حمدي بن مكناس رحمه الله تعالي الذي رفرف راية الدبلوماسية الموريتانية في زمن وجيز فوق قارات العالم كله سمعة وأخلاقا للفت أنظار العالم إلى موريتانيا الوليدة وكأنها ولدت امبراطورية الرومان أو الفرس، وعند قضايا أقطار الدول العربية المنفوخة في الهواء دائما بلا أساس الخبر اليقين فيما فعل ذلك الرجل أيام النكسة أو الهزيمة أو قدر الله في غير المعتمدين عليه.

 

أما الحزب الوحيد الحاكم فكان عليه الرجل العملاق الصافي السريرة والعمل والفكر السيد صال عبد العزيز لا يعرف لونا عن لون ولكن يعرف أنه موريتاني ووهب نفسه لكل الموريتانيين، وعند أهل إنشيري التي عمل فيها قبل ذلك حقيقة ما في تلك الروح من الطيبوبة حيث أصبح هو الملجأ الآمن لهم في العاصمة.

 

وبما أنني لا أستطيع في مقال واحد أن أمر بالرجال الموريتانيين الحقيقيين آنذاك وبخصائص كل فرد منهم فإني أقتصر على ذكر شباب جاء آنذاك كان هو الآخر صورة طبق الأصل لأولئك الرجال حقا وهم: أحمد ولد سيدي باب، وسيدي بن الشيخ عبد الله، ومحمذن ولد باباه، إلى آخر أسماء ذلك الصف الثاني الصالح للاستخلاف بعد الصف الأول، وهنا وصلت موريتانيا إلى سنة 1978 وهي دولة مولودة وهي بالغة الأشد قائدة لجميع دول المنطقة عربا وزنوجا.

 

أما بعد ذلك عندما جاءها الجيش وهو لا يعرف من الإدارة إلا إصدار القرارات المنفذة ولو كانت ضد جميع القوانين، ومن سوء حظه أيضا أنه وصل إلى السلطة والساحة ملآنة من شباب إيدولوجيات مختلفة ولكنها متفقة أنها لا تريد إلا الدنيا فذلك هو مبلغها من العلم والحركة، إلا أن هناك خاصية يختص بها الجيش الموريتاني وحده عن الجيوش الأخرى، وعندما نقول الجيش فأعني القوات المسلحة كلها ومعها رجال الأمن كلهم بمعنى كل من يرتدي الزي العسكري المميز له، والخاصة هي أن هؤلاء يدخلون العسكرية ومعهم إيمانهم أي دينهم ولا تنقصه عسكريتهم بينما الدول الأخرى مسلمة دولها أو غير مسلمة يعتقدون أن لبس البذلة العسكرية تتناقض مع إرادة الآخرة والسعي لها سعيها، ولذا تكون أفعالهم كلها فظة وغليظة القلب، وعند قوات مصر والمشرق العربي ومغربه حقيقة رقة الدين عند جيوشهم وأمنهم، ولكن موريتانيا ولله الحمد عكس ذلك وعلينا أن نلقي نظرة على بعض رؤسائها وضباط جيشها وأمنها فنجد معهم تربيتهم الشنقيطية الموريتانية، ثابتة تحت البذلة ونياشينها ولكن هؤلاء العسكريين مع الأسف عند تقلدهم للسلطة جمعوا بين السلطة التنفيذية والتشريعية في آن واحد، وبدأت الإدارة الموريتانية تتخلي نهائيا عن سيرها الأصلي فلا احترام لأي قانون وأصبحت الحالة المدنية فوضوية يصل الإنسان أمس أجنبيا ويصبح مواطنا والتوظيف فوضوي إلى آخره، فالعسكريون كما قلت اعتمد أكثرهم على رأي شباب الحركات الإديولوجية ولم تظهر لهم الأمور إلا ضحى الغد.

 

فكل هيئة عسكرية وجدت نفسها مليئة بالإديولجيات وبدأت تطرد كثيرا من جنودها المؤدلجين وضاع ضبط اختصاص كل وزارة، فمثلا علاقة وزارة الداخلية بالحرس والشرطة والدرك في عملهم المدني كل ذلك أصبح ضعيفا لا يعرف منه الوزير حقيقة ما يجري في الدولة، فأصبحت الدولة إدارتها تترنح هكذا بسبب الإدارة العسكرية التي لا تعرف أًصلا الإدارة المدنية، ولتدخل أفكار الإديولجيات الذين لا يعرفون إلا ما أشرب في قلوبهم من تزكية أفكارهم الحديثة، حتى جاءت الكارثة وهي الأحداث التي آلت فيما بعد إلى خلق الديمقراطية الفوضوية العسكرية التي وصلنا إلى عهد قريب ونحن نعيش معجزتها العالمية: الحكم الفردي الاستبدادي إلى النخاع والديمقراطية التي لها نواب وموالاة ومعارضة ومجالس مراقبة للدستور وهيئات اقتصادية واجتماعية دستورية إلى آخر المسميات التي صارت جميعا مثل (دميات) في يد صبيان لا يستعمل من نشاطها إلا التملق والنفاق، حتى أصبح صاحب أي شكاية لا يقف إلا عند باب الرئيس ولا يقع أي إنجاز إلا بالأوامر السامية من طرف الرئيس وبإشراف ورعاية مباشرة من الوزير الأول إلى آخر تلك المحفوظات الإدارية المسجلة تلقائيا على لسان كل متكلم، وهذه الأوصاف السيئة مع الأسف وهي النفاق والتملق هي التي أخذ داء كورونا طريقها فلم يستثن منها وزيرا بعد اختياره للوظيفة ولا مثقفا ولا إيديولوجيا ولا ولا، ولا يتذكر سفالتها إلا من أخرج بأي سبب من ظل مردوديتها.

 

هذا الوضع كما قلت بدأ عند ميلاد الديمقراطية العسكرية الفوضوية إلا أن الرئيس الأول فيها كان لا يريد إلا الخروج بها بسلام من مشكلة الأحداث التي كان التفكير فيها جهنميا وكان الرد بعد فشلها انتقاميا، إلا أننا بعد انقلاب 2005 على صاحبها اتخذنا منحى آخر هو الممثل تماما للمعجزة التي ذكرت آنفا: الحكم الفردي المستبد وبإزائه مسميات أدوات الديمقراطية صم بكم عمي لا يستشارون إذا حضروا ولا يتفقدون إذا غابوا، وداخل هذه المرحلة جاء للسلطة رجلان لو تركا لاسترجعت موريتانيا كثيرا من حياة إدارتها وهما: اعل ولد محمد فال رحمه الله وسيدي بن الشيخ عبد الله أطال الله عمره: الأول يكره الظلم بقلبه ولا يفعله، والثاني اقتصادي دولي قنوع عن المادة إلا أنهما جاءا ضيفين ورحلا عن الحكم لترك موريتانيا على ما هي عليه حتي يوم 07/06/2020 إلا تعديلات خفيفة صاحبها يكثر في سيره الالتفات إلى الوراء مع أن الحزم عندما يكون معتمدا على العزم تتحقق النتيجة ولو بعد حين.

 

ولكن بما أن عنوان المقال هو التساؤل هل لموريتانيا إدارة حقيقة؟

فإن الجواب سيكون ملخصا لما هي فيه الآن وما ينبغي أن يكون، فنحن كنا قبل قليل نسير بسلطة تنفيذية محضة لا وزراء سيادة ولا اقتصاد ولا ثقافة إلى آخره، الجميع كتاب في هذه الوزارات وعلى الوزراء ومدرائهم وقبائلهم أن يشيدوا بكل عمل وينفخوا فيه روحا لا تمت إليه بصلة، فعندنا موالاة هي الشريك الوحيد في ميزانية الدولة حسب قوة ما تقوله ألسنتها من الثناء، ومعارضة تعتبر أجنبية تماما، فمن توظف منها ولو بالمسابقات وعثر عليه فهو سارق لوظيفته، وعلى كل فالجميع يعرف أن جواب السؤال هل موريتانيا دولة حقيقية؟ أن جوابه أنها في العشرية الأخيرة لم تبق دولة حقيقية، ومن يريد الاطلاع على حقيقة ذلك فعليه أن يقول للجنة البرلمانية أن لا يقتصر تحقيقها على الناحية الاقتصادية، فلتضف لتحقيقها حقيقة الإدارة العامة للدولة ولا سيما أيام ترأس الوزيرين الأولين قبل الأمين العام للرئاسة الحالي، فذانك الوزيران فهموا عقلية الرئيس واستباحا التوظيف في كل وزارة وكل شركة وكل هيئة وكأنهما يقولان لأقاربهما ومعارفهما: اتبعونا للتوظيف بسرعة ولذا لو وقع التحقيق في الوظيفة في تلك السنين لوجدوا أن الوزارات لم يوظف فيها أي أحد بدون وساطة حتى لو وقعت مسابقة فإن الناجح في الكتابي سوف لا ينجح في الشفهي للوصية على غيره، وباختصار شديد فإني أقول للسيد الرئيس إذا كان يريد وهو من أعلى رتبة في الجيش أن يصلح ما أفسده زملاؤه من قطاعه فعليه أن يفعل ما يلي:

أولا: أن يعود لأرشيف الدولة في عشرينيتها الأولي وتسييرها للدولة آنذاك.

ثانيا: الموالاة والمعارضة غير ضروريين خاصة مع شكلهما الحالي المقزز في نظر الإسلام: موالاة للمدح والأجرة بقدر المدح، ومعارضة للشتم ونكران الواقع والحرمان لأجل ذلك فلا فائدة في ذك كله.

 

فأي مسلم يتيقن أنه لا يعرف متى يموت ولا رجوع له للدنيا بعد الموت وأن أول من سيلقى بعد موته مباشرة هو الله جل جلاله ليريه في الحين جزاءه على عمله وهو ما زال يحتفظ بمن يتلقى به المسرة والألم وهو الروح التي لم تمت ولكن رجعت فقط إلى ربها، فالجسد الذي لا روح فيه لا يسر ولا يتألم، فمن يتيقن هذا {فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}، وكفي، والعمل الصالح المنظم العادل هو أن يستدعي الرئيس مثلا: وزير الداخلية ويضعا أمامهما جميع القوانين المحددة لعمل هذا الوزير ويعطيه الإشراف على جميع هيئاته ويفعل هذا مع كل وزير ويتركه هو المتحمل لمسؤوليته دنيا واخرى، ولا يقبل شكاية تتوجه إلى الرئاسة مباشرة ولا رسالة إلا ردها للمشتكي منه للتسوية.

 

وينهي كل موال عن الموالاة السابقة ويستمع لرأي كل معارض ويستشير الجميع وبعد ذلك يتوكل علي الله في التنفيذ، وعليه أن يجعل الأمانة العامة للرئاسة تتولي الإشراف على كل الهيئات الكثيرة المكلفة ماديا دون أي نتيجة مثل المجلس الأعلى للشباب وجميع الهيئات التشريعية منها والادارية والاجتماعية إلى آخره، وأولى من ذلك كله الرجوع إلى أحكام الله عل عباد الله فوق أرض الله، وليس معنى ذلك إقامة الحدود إقامة فوضوية بل إقامتها بالتشاور مع من يعرف المصالح المرسلة ومقاصد الشريعة معرفة دقيقة إلى آخره، ومن قتلته الشريعة فلا أحياه الله.

 

ومن لم يستطع فالاستقالة في الدنيا قبل الآخرة هي الفرار المستقيم إلى الله يقول تعالى: { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}.