على مدار الساعة

للإصلاح كلمة للعقلاء: تدعوهم لمسيرة بيضاء

7 يونيو, 2020 - 18:21
بقلم الأستاذ / محمد بن البار

كلمة الإصلاح: بما أنها لا تتهم نفسها بسلوك أي طريق لا يمينا ولا يسارا إلا طريقا تتيقن أنها سالكة إلي مصلحة عامة لهذا المجتمع الذي ليس فيه أو غالبيته قطعا أي لون كانت نزعة تكره الإصلاح علي الطريقة التي يدعو إليها الإسلام وتنتج هذا الإصلاح مهما كان وأيا كان.

 

وعليه فقد كتبت سابقا مقالا فيه حقائق تاريخية عن هذا الشعب نتفق عليها جميعا وهي وحدة الشعب الشنقيطي، والآن أؤكدها وأطلب العمل بمقتضاها، فنحن هؤلاء الموريتانيين كنا وما زلنا نطلق علي أنفسنا وتطلق علينا المجتمعات القريبة والبعيدة اسم الشناقطة وميزتنا في ذلك هو التوحد والوحدة في اللهجة والعادات والتقاليد، وأي مجتمع اجتمعت في أغلبيته هذه المميزات فهو شعب واحد وموحد تلقائيا ولو كانت لا تجمعه جنسية واحدة، وعلى من يشكك في هذه المسلمة أن ينظر إلى دولة قبرص: فاليونان الدولة تحرس قبرص اليونان، وتركيا الدولة تحرس القبارصة الأتراك، فكل دولة حامية للشعب الذي يشاركها في تلك المميزات، وبالنظر إلى هذه الحقيقة فقد حان لدولتنا الموريتانية الشنقيطية أن تراجع ما فعله جيشنا في شأن شمالنا الشنقيطي الذي يقرأ كل مؤرخ أن شنقيطيتنا تمتد غربا إلى الساقية الحمراء وشرقا إلى تمبكتو، وبما أن الشعب الشنقيطي في تمبكتو أدارته كثيرا من الزمن القوة الاستعمارية الفرنسية بوصفه جزءا من الدولة المالية، فإن الصحراء الغربية كانت تديرها القوة الاستعمارية الاسبانية غير مدعية لضمها إلى أي جنسية أخرى مع أن الشعب الشنقيطي في تمبكتو من استقلال دولة مالي وهو يحاول الانفصال عنها مجسدا ذلك في الجبهة العربية لتحرير شعب أزواد بالاتفاق مع الجبهات الأخرى الأمازيغية، والجميع متفق أن وجهتهم هو الاتحاد مع موريتانيا، فهو اتحاد طبيعي واقعي ولو لم يعلن رسميا بمعني أن مسألة شعب أزواد وضمه إلى موريتانيا هو هدف له هو وتحقيقه له غير مكلف بإذن الله.

 

أما قضية الشعب الشنقيطي في الصحراء فلا شك أن أحسن طريق للوحدة معه السلمية هي ما فكر فيها ونفذها المرحوم المختار ولد داداه رحمه الله وكانت بالتدريج، ولكن القرآن يصرح بوجود إكراه الإنسان للإنسان ليصرح بالباطل يقول تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليه غضب من الله ولهم عذاب عظيم}، وهذا الإكراه وارد في قضية الجيش لأن الجزائر أكرهته على ذلك، فأنا لا أشك أن أي موريتاني أو أقول شنقيطي انشرح صدره لما فعل الجيش الموريتاني عندما حكم بالتنازل عما أضافه له المرحوم بذكائه من الشناقطة لأصلهم نسبا ولغة وتقاليدا وجغرافيا، ولكن يبقى سؤال مطروح وهو: كيف الاستقالة مما فعل الجيش ونحن أضعف بكثير مما كنا فيه أيام المرحوم المختار؟ وضعفنا الآن يتمثل في محاولة دمقرطتنا التي لا نتقن منها إلا سرعة تمردنا على قرارات السلطة الحاكمة إن لم يكن بالسلاح فبسلاح القلم والألسنة الحداد والجواب: أنه الآن أصعب ما يكون لكثرة الاستعداد للارتزاق وعند الشعب الليبي تفسير ذلك، ولكن عندما نراجع أنفسنا بعقلية المسلم الذي يعرف محدودية وجوده في هذه الحياة وأنها مهما طالت فإما ذاهب إلى جنة عرضها السموات والأرض وإما إلى نار تلظي فسيفكر حينئذ أن الغاية حقا تبرر الوسيلة والغاية هي وحدة أكبر عدد من المسلمين متحد كله في الأصل والعقيدة الإسلامية ليتعاون على الدنيا بأنواع المطلوب فيها من المسلم وهو أن يكون آمنا من الجوع وآمنا من الخوف.

 

وبناء على ذلك فعلينا أن نسير مسيرتين بيضاء: مسيرة من الشرق تبدأ من العصابة والحوضين مرورا بتكانت وآدرار لتنطلق من تيرس إلى شناقطة الصحراء في تيندوف، ومسيرة أخرى تبدأ من كيديماغا مرورا بكوركل والبراكنه واترارزة وإينشيري لينطلق الجميع من داخلة انواذيبو وتتوجه إلى شناقطة واد الذهب والساقية الحمراء.

 

فالمغرب قد قام بمسيرة خضراء يريد أن يلحق به شعبا قد كانت له كما يقول بيعة مع ملوك المغرب ولكن بدون الاتفاق في اللغة ولا العادات ولا التقاليد، ونحن نتفق مع الشعب الصحراوي في الجميع، فمسيرتنا البيضاء للوحدة مع الشناقطة أولى من مسيرة المغرب الخضراء لأجل ذلك، ولا شك أن مسيرة الشرق ستتلقاها الجزائر ومسيرة الغرب ستتلقاها المغرب وعندئذ يبدأ الحوار مع هاتين الدولتين، فالجزائر نقول لها: أثبتت 45 سنة من تجارب وجود الشناقطة أن لا حل لقضية هذا الشعب الذي أصبح ما في باطن أرضكم منهم أكثر مما على ظهرها بما فيها القادة وأفراد الشعب وإن السجن المؤبد لا بد من الإعلان بالحكم به، والتأبيد هنا دون الإعلان عنه أصبح ظاهرا للعيان، وسجن هذا الشعب الشنقيطي الذي لولا تنفسه بجوار الشناقطة في جنوبه لتجمدت أجسامه في 5 سنوات من هذا النوع من السجن بالسكني في المخيمات وإلي الأبد، مع أن قضية هذا السجن من جهة أفرغت اتحاد المغرب العربي من أصالته ورجولته ووجود أي معني فيه، حتى أصبحت دولة الامارات التي لا تحمل من القوة إلا الدولارات تؤجر بها فساق اللقطاء من العالم لضرب الشرفاء منه حتى أصبحت تهدد بهؤلاء اللقطاء شرفاء ليبيا بالطائرات والسلاح وتهدد شرفاء تونس بالوعيد في الإذاعات، وكذلك شرفاء الجزائر والمغرب بمد أذرعتها بالقوة الأجنبية المأجورة على حدودهما من كل جهة.

 

أما موريتانيا فلم يذهب رئيسها السابق حتى زرعت به الإمارات في رئيسها الحالي شبكة ألغام عن يمينه وشماله لا يعرف كيف يتخلص منها بدون انفجارها في أي لحظة.

 

وبعد الانتهاء من هذا الحوار مع الجزائر التي لا شك فهمت الآن أنها هي والمغرب توأما رضاعة لأم واحدة اسمها التعنت غير الإيجابي والاكتفاء بمسك أطراف الحبل ساعة شده الذي لا ينتج إلا تقوية شده فقط، وبوصفهما هذا ضاع الشعب الشنقيطي ولا سيما ما في الجزائر منه، وضاعت قوة اتحاد المغرب العربي، وعندئذ نرجو من الله أن تتفهم الجزائر عواطفنا وحنونا على شعبنا الذي اختارها ملجئا في هذه المدة الطويلة التي بقي تحت أرضها منه ما يكفي لتتذكر به ما قامت له به من الحماية، ونؤكد في نفس الوقت للجزائر أن مسيرتنا جاءت لشعبنا الشنقيطي لا يريدها هو ولا نريدها نحن للمغرب، وأن موقع موريتانيا لم يتغير فجغرافيتنا مع الجزائر لم تتغير فكذلك حسن جوارها والتعاون معها إلى آخره لم يتغير كذلك.

 

أما مفاوضتنا مع المغرب فسوف تكون أسهل من ذلك: فالمغرب مملكة دستورية مثل اتحاد ماليزيا فيها ملك ولكن يحكمها رئيس حكومة جمهورية منتخب حسب سنوات الدستور لا تريد إلا هذه الأبهة والسمعة والمعنى، ونحن نريد أن نخلصها أولا من دوامة حالة الطوارئ مع الجزائر، فعليها أن تعرف أننا لنا 60 سنة ونحن دولة لنا دستور ولنا راية ونواب إلى آخره نحرص على ذلك كله، ولكن لا شك ينقصنا شعبنا الذي رفع هو فوقه رايته وأرسل إليه إداراته، ولكن مع ذلك هو منا ونحن منه، إذا علينا أن يقترح علينا ونقترح عليه لنتوافق معه على أي شيء يترك لنا اتحادنا مع شعبنا ومقابل ذلك فأي إجراء يوصل إلى ذلك فتمكن مناقشته.

 

وبعد هذا نتجه نحن إلى أنفسنا لنعترف بحقائقنا لنجسد كرامتنا مع ما يتفق مع تلك الحقائق.

 

فنحن قد مضى على استقلالنا 60 سنة وما زلنا غير دولة في الحقيقة، فبعد إجهاض عقول العقلاء منا في أول بناء لهذه الدولة الشنقيطية الموريتانية التي لا شك أنها لو تركتها الجزائر خاصة هي وشأنها لكنا مثل الصين الآن في الاقتصاد ومثل كوريا الشمالية في القوة العسكرية ومدينة بخارى في الإيمان بالله واليوم الآخر، فدولة لا تستطيع حماية دستورها من التغيير بأبسط فكرة خارجه عليه، ولا حماية لغتها من عبث المسؤولين منها بها، فهي دولة سائرة بقوة حركة الليل والنهار فقط (اباش جات غزات).

 

دولة أعطاها الله غناء ذاتيا فأرضها مليئة بجميع أنواع المعادن وسماؤها ممطرة وأرضها خصب لكل زراعة ومحيطها ساق الله إليه ما تشتهيه الأنفس من اللحم الطري، وتعاقب على تسييرنا أسماء معدودة من الأفراد تحكمنا برجالها ونسائها، وأسماء معدودة من رجال الأعمال تكتسب خيراتنا ونحن الآخرون بأغلبيتنا شعب فقير حتى ظهرت فقار رقبته، ولنا فقط ألسنة أحد من السيف وأطول من أيام الله، ولا يرجى لنا أبدا تأسيس دولة بمعنى الكلمة، فنحن نتذكر عندما أصدر رئيس الوزراء قرارا بتعريب الإدارة طبقا للدستور ظهرت ضده مظاهرة مدتها قليلة وعددها أقل فاقدة للمتكل، فقررت الحكومة سحب قرارها ورجعنا عجمي الادارة، عروبتنا بالشارع فقط وبقوة ورسوخ أًصالتنا في العروبة، فأعجمنا خوار إدارتنا ولكن لله الحمد داخل مكاتبها وخنوع مسؤوليها هي فقط.

 

فإذا جلسنا شهرا واحدا من المفاوضات مع المغرب فسنبقي نحن نحن وهو هو في أي شكل من البقاء، فعندئذ سوف ينطق جميع شعب الشناقطة من عيون الساقية الحمراء إلى حيث لا ناطق بالحسانية جنوبا إلا بلغة الأم أو بلغة الاتحاد الملتحم مع جنوبنا، وسوف نقول جميعا:

 

عم صبحا أفلحت كل صباح    في اجتماع الشناقطة في المساء والصباح

 

وعندئذ سوف تصبح أرض موريتانيا جميعها حديقة واحدة تؤتي أكلها بإذن ربها في كل ساعة ولم تظلم منه شيئا، وسوف يعرف رجالنا نحن الموريتانيين الشناقطة كيف التصرف في إخراج خيرات الأرض وحجزها عن الشركات الأجنبية لا لردها إلى من ترك منا الجلوس على أريكته واكتفى بالاختلاس يمينا وشمالا على شعب أعمه لا يسمع ولا يبصر إلا ما أشرب من حب القيل والقال، وتزويد شركات الاتصال بأموال الحرام والحلال، لتعود الخيرات إلى الشعب فلان وفلان وحينئذ سوف لا شك تحمد المسيرة البيضاء السرى.

 

هذه الخطة كان أسهل أن يكون بطلها مع المغرب الرئيسان السابقان المحمدين العزيزين عزيز الشمال وعزيز الوسط والجنوب، ولكن حب الرئاسة يعمي ويصم، فالأول رحمه الله والآخر زار أخيرا الامارات فهالته بهرجة كثرة تملك الدنيا العقيمة من غير الدنيا، فظن أنه يستطيع البقاء في جوها مثل ذلك في موريتانيا أو يترك له صديقه مكانا لذلك بدون أي تفكير في قدرة هذا الشعب الفقير، ولكن الرئيس الحالي سيرته تصلح أن تكون مفتاحا لكل خير ولا خير أعظم من جمع الشناقطة تحت راية واحدة بأي وسيلة وتحت أي مسمى، وقبل أن يقول قارئ أن هذه المسيرة فكر خيالي فإن موضوعها يوجد من رجال الدولة في موريتانيا على قلتهم من يستطيع أن يحقق موضوع الفكرة الخيالية، فهي وحدها صمام مستقبل آمن ووادع لهذا الشعب وسيقول الجميع في الدنيا: {الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} وفي الآخرة: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور}.