على مدار الساعة

للإصلاح كلمة للتمييز لما أفسده من الإدارة الموريتانية عزيز

1 يونيو, 2020 - 00:42
بقلم الأستاذ / محمد بن البار

كلمة الإصلاح تدرك أن الشعب الموريتاني مجمع تقريبا علي أن الإدارة الأولي في موريتانيا بناها رجالها علي قواعد حضرية ثابتة من أرقى القواعد الحضرية آنذاك، وثبتت هي على ذلك تطبيقا ومراعاة لحفظها وعدم الانحراف عنها لا يمينا ولا شمال ، ولا سيما في الإدارة المركزية للدولة، وقد استمر هذا حتى يوم الانقلاب الأول على السلطة المدنية 10 يوليو 1978، ذلك الانقلاب المعروف إكراهات القيام به آنذاك، ففي ذلك الزمن الذهبي في الإدارة الموريتانية كان الجميع يدرك أن الوالي في الولاية كأنه رئيس عليها، فجميع من يتحرك أو يحيا فوقها من مدني أو عسكري هو تحت إمرة الوالي المباشرة، ومقابل ذلك فإن جميع ميادين الحياة في الدولة سياسيا وما تحت تلك الكلمة من معنى واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا كذلك، هو المسؤول عنه كله مباشرة، وليست لهيئاتهم المركزية مسؤولية إلا عن تمويلهم اللوجيستي، فالعسكريون بمختلف بذلاتهم والمدنيون بمختلف هيئاتهم، الجميع موضوع تحت تصرف الوالي، يرعي فقر الفقراء، وصحة المرضي وتصرف الأغنياء إلى آخره، ولا علاقة للجميع في الإدارة إلا بما هو خارج عن صلاحية الوالي .

 

وفي ذلك الوقت فعمل كل هيئة عسكرية أو شبه عسكرية أو مدنية بمختلف أنواع عملهم منظم طبقا للأعراف الدولية بحيث أن الأجنبي المتحضر إذا دخل موريتانيا يعرف صلاحية كل هيئة نوعا ومكانا، فمثلا هيئة الشرطة يغطي عملها جميع السكن الحضري أي تغطي ما تحتاجه الدولة من رعاية الحضر أمنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا تحت سلطة الوالي مباشرة وعندها علاقة استعلامات فقط مع إدارتها المركزية، وكذلك هيئة الدرك عندها نفس الشيء في بادية الولاية تحت رعاية الوالي، والقواعد العسكرية جانب تدخلها في الولاية لا يكون إلا بأمر من الوالي الذي تكون تحت أوامره في تلك الحالة، أما عملها العسكري فهو بينها وقيادتها العسكرية، أما هيئة الحرس فهناك حراس الولاية وحراس الحكام وحراس الأماكن المهمة في الولاية التابعة للدولة كما أنهم موضوعين تحت تصرف الإدارة في ما بين الإدارة وروادها في المكاتب من الشعب، فهم الذين يتولون العلاقة بين الإدارة والشعب داخل الإدارة وهكذا، وهنا لا صوت يعلو فوق صوت القوانين المحددة للعلاقة بين كل هيئة وأخرى.

 

وعندما كان قانون الإدارة يسير سيرا منتظما ومحددا جاء الانقلاب ليهز الإدارة المدنية من جذورها وتركها لتقوم بمهامها ولكن تحت إشراف الإدارة العسكرية فيما تريد أن تتدخل فيه، فأصبح الوالي هو الشخص الثاني في الولاية لأنه فوقه إداريا قائد المنطقة العسكرية يحمل صفة السلطة التنفيذية الأولى في الولاية والسلطة التشريعية نيابة عن شعبها، وهكذا اضطرب سير الإدارة، وأصبح قائد المنطقة العسكرية يطلع على تقارير الهيئات العسكرية وشبه العسكرية المتعلقة بالمدنيين التي كانت خاصة بالوالي، واستمرأ العسكريون في هذه المسؤولية التي تقربهم من مشاكل المدنيين التي كانوا لا يعرفون عنها شيئا، وأصبح التدخل المبني على الصفة العسكرية فقط في شؤون المدنيين هو سيد الموقف، وأصبح القرار الإداري الصادر من القائد العسكري يحل محل بقايا الدستور والقوانين الأخرى إلى آخره، إلا أن العسكريين رؤساء الدولة أو قادة المناطق في ذلك الوقت يختلف اكتساحهم للإدارة بعضهم عن بعض، فبعضهم ذو أخلاق عالية يستحيي من التعرض للإداريين وصلاحياتهم حتى جاء زمن معاوية الذي انقسم على فترتين ما قبل الأحداث وما بعدها: أما ما قبلها فكانت ثقافته المدنية تتفهم الإدارة المدنية ويفضل السير طبقا للنظام المعمول به، ولكن ما إن وصلنا إلى ما بعد الأحداث (وجاءت فكرة الديمقراطية) حتى رجعنا وبسرعة فائقة إلي سيرة الموريتانيين البدويين فيما قبل الاستقلال، فلا صوت يعلو صوت القبائل والوجهاء ومن يحمل أو تحمل أصواتا إلى آخره، وأصبحت ميزانية الدولة سواء كانت للتسيير الأصلي أو للمشاريع أصبح كل ذلك يباع بالمزاد العلني لصالح السياسيين، وأصبحت الإدارة الممثلة في الوالي والحاكم وما معهم من العسكريين الجميع يدور في فلك السياسي وتوقفت التنمية الإدارية والتعليم المقنن نتائجه إلى آخره، وأصبح الوالي وجميع المصالح العاملين في ولايته تنحصر مهمتهم في تقسيم اعتمادات المصالح الواردة من الخزينة العامة إلى مصلحة كل وزارة بمفردها، فيتعاون الثلاثي على استخراج المبلغ من الخزينة (الوالي، الخازن، المرسل إليه أصلا) ولكن هذه المرة إلى جيبه مثل الآخرين بدلا من المصلحة، وهنا أعطي مثالا واحدا بمصلحة التنمية الريفية، فأبيح لمندوب التنمية تأجير الشاحنات (ما يقال له "بن" مثلا) لرجال الأعمال والرخصة يوقعها الوالي لتكون أجرة السيارة تدفع للخازن، ولكن الوالي يوقع الرخصة صلاحيتها شهرا من العمل ليدفع المؤجر أجرة يوم واحد للخازن، أما الأيام الأخرى فيتفاهم عليها ما بين رئيس المصلحة والوالي والمؤجر، وغالبا ينتهي عمر السيارة هذه في سنتين، وهذا إذا عممته على التعليم والصحة وغير ذلك من المصالح لم تكن راميا لهم بما لم يفعلوا، أما الإبلاغ عن هذا فيصل إلى من لا يقرؤه، ولا شك أن هذا الوضع وعمق فوضويته في الدولة آنذاك هو الذي حرك مشاعر انقلاب فرسان التغيير الذي لو لم يكن تسبب في وفاة القائد الخلوق النظيف محمد الأمين ولد انجيان رحمه الله لكان الانقلاب مثل مطر عام منهيا لصيف مميت .

 

ومن هنا نصل إلى الوصف الذي اخترعه النائب: محمد بوي فوصف به عمل الرئيس السابق عزيز فهو بذلك الوصف يملك حق الملكية الفكرية فيه، ولكن نستعيره منه فقط لنقول أن ذلك الرئيس جاء وفي ذهنه ما يلي :

أولا: أنه هو أعلى رتبة في الجيش التي وصلها رسميا بسرعة، والجيش هو المتحكم في الدولة أمنيا وسياسيا واقتصاديا إلى آخر كل ما سكن أو تحرك في الدولة، فلا اختصاص لأي هيئة تسير على قوانين خاصة بها، وكثير من أهل الثروة هم حراميون والولاة كذلك في عملهم وشبه العسكريين في الدولة لا مكان لهم فيها فعملهم فيها يقوم به العسكريون المتخصصون فيه مثلهم، فحول عمل الشرطة في الحضر إلى الدرك، وبما أن العالم لا يعرف الدرك تزاول مهنة تنظيم المرور داخل الحضر أنشأ لذلك التجمع الوطني لأمن الطرق ليستغني بذلك عن الشرطة نهائيا، وصلاحية الولاة والحكام في إدارة مشاكل الشعب تولاها الحرس الوطني، فأصبح الحرس هو الذي يتدخل في حل النزاع في مشاكل الشعب فيما بينه، وأصبح لسان حال الإداريين يقول ما قالته المرأة التي غضب عليها الرجل حين ولدت له أنثي: "وهل نعطي إلا ما أعطينا" أصبحوا يتحركون بخجل فيما ترك لهم من الصلاحيات وما أقله، فتقارير الشرطة والدرك التي كانت تصلهم كل يوم عن جميع ما يهم الدولة في الولاية أصبحت أثرا بعد عين لا مكان لها في الإدارة، فجميع الهيئات النشطة في الدولة أًصبحت لا فضاء لها تكتب عنه وإذا كتبت فالإدارة لا تعرف أين تحول الكتابة للانتفاع من فحواها لأن الفاعل في الدولة شخص واحد واهتمامه بالإدارة قليل، فالمشاكل التي تشغل باله هي المشاكل الاقتصادية المسجلة في خانة الصفقات إلى آخره، وبما أن مقالا واحدا لا يمكنه استيفاء ما وقع في عشرية عمالها من عسكريين وشبه عسكريين وجميع المدنيين لا يعملون إلا خارج ما تعارفت عليه كل دولة في اختصاص كل هيئة في عملها المعروف لدى الحضارة الدولية فإني أقترح أن تشكل لجنة إدارية ويكون عملها أسرع من لجنة التحقيق البرلمانية وتلزمها الدولة بشيئين :

1. تشخيص ما وقع للإدارة الموريتانية بعد انقلاب 78 من وضع خطوط ذاهبة يمينا وشمالا لتمحو بذلك الخطوط الأساسية للإدارة وعملها الإداري مع معاونيها الأصليين

2. تضع اللجنة الإدارية بإشراف خبراء إداريين خطوطا عريضة ومؤصلة بالقوانين على عمل الإدارة وعلاقتها المتشعبة بالشعب بجميع طبقاته وجميع أحواله المتعلقة بحياته فوق أرض الولاية وعلاقتها بالمعاونين لها في الموضوع.

 

ويمكن لقائل أن يقول إن إدارة الجيش للشعب ما زالت مستمرة والتركة لا تقسم ما دام الموروث عنه حيا، فقائد الدولة الآن خلفيته العسكرية ما زال يسمع قرع نعالها في أعلى رتبة عسكرية قاد فيها جميع العسكر، والجواب أن هذا القائد نظرا لتربيته الأصلية التي تحدث عنها في خطاب الترشح يمكن اعتباره صالحا للتحول بقيادته بسلاسة من قيادة عسكرية إلى قيادة مدنية تعيد لموريتانيا مكانها الأول عند ميلادها الذي اكتسحت به بحنكة رجالها الأول الأفذاذ جميع الدول العربية والإفريقية ليعترفوا بأنها خلقت رائدة في كل مجالات العلاقات الحضرية إلى آخره.

 

إلا أن على الموريتانيين أن يفهموا أن هذا القائد لا يريد أن يتخلص من الآثار الملغمة من طرف سابقه عن طريق تفجيرها في ساعة واحدة، ولكن يريد إزالتها بالمرور من الطرق السالكة داخلها حتى يكون تفجيرها من خارجها، وعليه فأنا أقترح أن على جميع السياسيين الموالين والمعارضين أن يتفقوا على أن هذا القائد ما دام مأمونة بوائقه فهو يستحق زيادة ستة أشهر لكل سنة من سنين استحقاقه لتصل فترته الأولى بالنسبة له سبع سنين ونصف، فهو ولله الحمد ما دام مؤتمنا عند كل من الموالاة والمعارضة والمشي بسرعة على غير خطى ثابتة ليس بخلق له فعند الصباح يحمد القوم السرى، يقول تعالي: {وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور}.