على مدار الساعة

أزمة كورونا وتداعياتها على الاقتصاد الموريتاني

31 مايو, 2020 - 16:04
بقلم الدكتور: محمد عبد الجليل المصطفى

قبل أزمة كورونا ورغم الوضعية المالية الصعبة للبلاد كانت كل المؤشرات تدعو للتفاؤل:

- توقع ارتفاع النمو الاقتصادي 6,9%.

- تناقص عجز الميزانية بحدود 5,9%.

- ثبات التضخم في حدود 3%.

 

وتراجع مؤشر الدين العمومي مقارنة بالناتج الداخلي الخام من 8,4% 2018 إلى 7,7% 2019.

 

اكتشاف احتياطات معتبرة من الغاز والبدء في إجراءات الحفر والإنتاج على الاستخراج سنة (2021 - 2022) من الطرف الشركة الإنجليزية (BP).

 

وفي ظل هاذه المعطيات التي تدعو للتفاؤل ظهرت جائحة كورونا لتجد الحكومة نفسها أمام تحد حقيقي وعدو خفي أنهك اقتصادات دول عظمى من حولها رغم الفارق الكبير في الوسائل المادية واللوجستية بينها وبين هذه الدول. وبما أن التنبؤ بحجم التأثير لا يتأتى بغير تجربة سابقة كانت الدولة حازمة في اتخاذ إجراءات سريعة للحد من انتشار الفيروس واضعة نصب أعينها المحافظة على صحة المواطنين أولا واتخاذ إجراءات تزامنية للحد من تداعيات الأزمة على مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية.

 

بيد أن تشكيلة القطاعات المساهمة في الناتج العام لم تترك للحكومة خيارات واسعة للمناورة:

فحسب المكتب الوطني للإحصاء تتوزع هاذه القطاعات إلى ثلاث قطاعات وقد كانت مساهمتها في الناتج لسنة 2018 - آخر تحديث - كالآتي:

- قطاع أولى (الزراعة والثروة الحيوانية والصيد) حدود 50,391 مليون جديدة.

- القطاع الثانوي (الصناعات الاستخراجية، الحديد، البترول، المعادن الصلبة والنحاس حدود 61,557 مليون جديدة.

- القطاع الثالث (النقل، الإعلام الاتصال، التجارة والخدمات الأخرى) 114,023 مليون جديدة منها ما يزيد على 80,000 مليون من التجارة والخدمات فقط.

 

ومع ما تمثله التجارة والخدمات من الناتج الداخلي ومع ما يشارك به هذان القطاعان في التشغيل بالبلد وجدت الدولة نفسها مجبرة على الحد من الإجراءات لصالحهما حتى تخلق توازنا بين صحة المواطنين، وضعيتهم الاقتصادية وكذا الاقتصاد العام..

 

ورغم أن قرار الإجراءات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية للحد من وقع الجائحة اتخذ سريعا، فإن تنفيذ بعض هذه الإجراءات أخذ وقتا طويلا ما يقارب شهرين ورغم أن السبب المعلن هو التخطيط الجيد للأزمة إلا أن الخوف من القادم وتمنى انحسار الفيروس في الإصابات الأولى ربما يكون لهما دور في تأخير التنفيذ.

 

بعد ذلك دخل البلد في مرحلة تفشى الفيروس بطريقة أوسع وأكثر من ما كان متوقعا، لكنه أقل ضغطا على المنشآت الصحية من الدول الأخرى، وهو أمر متفهم نظرا للكثافة السكانية المنخفضة من ناحية والمعدلات العمرية المنخفضة من ناحية أخرى.

 

 وهو ما جعل السلطات ممثلة في الرئيس ووزير الصحة يعلنان أن الوضع تحت السيطرة ويعلن الرئيس بدأ تنفيذ الإجراءات وبما أن غالبية هذه الإجراءات سيتم عن طريق صندوق كورونا ورغم أهميتها فإن نتائجها متعلقة بشكل كبير بتحقيق الشروط التالية:

-  التخطيط الجيد للتوزيع حول بنود الاستفادة ووضع آليات شفافة ومدروسة لتحقيق الأهداف المرسومة مسبقا.

- تقييم دقيق لتأثير التدخل على الاقتصاد بشكل عام.

 

غير أن غالبية هذه الإجراءات موجهة للاقتصاد الجزئي على حساب الاقتصاد الكلى.

 

وكما أن التحكم في وضعية الفيروس وانتشاره أمر بالغ الأهمية إلا أنه يشكل فقط طرفا من أطراف المعادلة، أما الطرف الثاني فهو الاقتصاد الكلى.

 

فمع التركيز على الطرف الأول فقط ستكون هنالك مخلفات، مباشرة وغير مباشرة، بالغة الأهمية على الطرف الثاني يتمثل بعضها في النقاط التالية:

- ستتأثر قطاعات خدمية واسعة بشكل كبير بل ستتجه لكساد شامل كقطاع الفندقة، والسياحة ووكالات الطيران وشركات النقل إلى غيره، خصوصا إذا طالت الأزمة، سواء من خلال تراجع مشتقاتها من القطاعات أو من خلال البطالة الناجمة عن الركود.

- معاناة موظفي الشركات الصغيرة والمتوسطة والقطاع غير المصنف من البطالة والإجازات الطويلة غير المدفوعة في أحسن الأحوال نتيجة ضعف الإمكانات المادية للمؤسسات المشغلة حتى لا تعلن إفلاسها.

 

وبالنظر للنسبة الكبيرة لهاذه المؤسسات ومردودها من حيث الناتج الداخلي والتشغيل فإنه لا يمكننا أن نتخيل حجم البطالة المحتمل في حالة الركود.

 

ما دامت نهاية الأزمة لم تلح بعد في الأفق فإنه من الوارد أن تصبح تكلفة دعم الدولة للمواد الغذائية والدوائية أكبر من دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي بدورها ستساعد في المحافظة على القوة الشرائية للمواطنين وكذا دعم المزارعين  لزيادة الإنتاج واستقرار أسعاره.

 

كل هاذه العوامل تجعل الدولة وهي تحاول أن تخفف من الوضعية الوبائية يجب أن تترك عينا مفتوحة على الوضع الاقتصادي المتأزم حتى لا يكون ناقلا للتأزم لكل من الوضع الاجتماعي والأمني والسياسي.

 

فالعلاقة بين طرفي المعادلة هي علاقة عكسية وتحديد نقطة التوازن هو المحدد الأساسي لنجاعة التدابير المتخذة.

 

صحيح أن الدولة لا تملك صناديق تنفق منها كيف تشاء وأن دخلها مرتبط بحجم نشاط المؤسسات التجارية لكنها تملك الكادر البشرى والمعلومة، وهما الآليتان الوحيدتان للتخطيط والدراسة حتى تكون كل القرارات متخذة على بيًنة:

- فحساب تكلفة الحجر الصحي وحالات الشفاء وكذا تكلفة الحالات المتوفاة جراء الفيروس بحساب الخسارة الناتجة عن توقف الإنتاج لكل هذه الفئات هي معايير تدخل في إطار البحث عن نقطة التوازن.

- معرفة المحفزات القادرة على توجيه الفاعلين الاقتصاديين لما من شأنه أن يخلق ديناميكية تخفف من وطأة الوضعية وتفادى أي ركود محتمل خصوصا في غياب أي معلومة عن أمد الأزمة هي أيضا معايير تدخل في إطار الموازنة بين أطراف المعادلة؛

- توفير المعلومة من وإلى كل الجهات ومصارحة المواطنين والشركاء الدوليين بالمخاطر الصحية والاقتصادية لها أيضا تأثيرها في المعادلة من ناحية تعزيز المشاركة ومواجهة المخاطر وتنفيذ الحلول.

 

المصادر:

1. https://www.tresor.economie.gouv.fr/Pays/MR/mauritanie-situation-economique-et-financiere.

2. ons.mr