على مدار الساعة

الرد المستنير على مغالطات خبراء التبرير

31 مايو, 2020 - 00:28
البشر السالم فال ابهيم - مهندس معلوماتية - gmbechir@gmail.com

الرد المستنير على مغالطات خبراء التبرير في نازلة صفقة رصيف الحاويات بميناء انواكشوط المستقل

 

لست كاتبا ولا ملما حتى بعلوم اللغة ولا التدوين للأسف، ولكنه الشعور بعبء مسؤولية السكوت على الباطل - حتى لا أكون شيطانا أخرص - هو ما دفعني لكتابة هذا التعليق لعله يساهم في إنارة الطريق لاكتشاف الحقيقة لكل الباحثين عنها.

 

ردا على ما ورد في المقال المنشور https://alakhbar.info/?q=node/25585 (مقال خبراء التبرير لصفقة أرايز) سأتناول مشروع رصيف الحاويات في ميناء نواكشوط من خلال المحاور التالية:

1. جدوائية المشروع:

لقد جاء في هذا المقال ما مفاده أن هذا المشروع معدوم الجدوائية وأن احتمال نجاحه ضعيف جدا، لذا شهد عزوف كل المستثمرين عنه باستثناء شركة أرايز ARISE والتي لولاها لبقي تنفيذ هذا المشروع الاستراتيجي حلما بعيد المنال.

 

ولعل هذا الطرح يمثل أكبر مغالطة وردت في هذا المقال، وذلك للأدلة البينة على عكس ذلك.

 

فمن ما يؤكد أهمية المشروع وجدوائيته الاقتصادية وجاذبيته للمستثمرين ما يلي:

- ليس سرا أن حجم البضائع المنقولة بحرا في الحاويات في تزايد مستمر بحيث تكاد الحاوية تصبح الوسيلة الوحيدة للشحن البحري؛

- من المعروف، من خلال التجربة، أن أرصفة الحاويات هي أنجع وسائل الشحن والتفريغ حول العالم، الشيء الذي يترتب عليه منطقيا ترشيد الموارد وفتح فرص كسب إرباح إضافية؛

- لقد أوصى البنك الدولي بإنجاز هذا المشروع مما يدعم جاذبيته التجارية؛

- حاول أحد كبار ملاك منشآت الموانئ (بولورى)، بطرق ملتوية خلال العشرية الماضية، الحصول على هذا المشروع، كما شهد على ذلك علنا السيد الرئيس السابق. فهل يا ترى كان هذا الخبير الفعلي - عكس خبراء التبرير لصفقة أرايز - غير محيط بكافة حيثيات ومقدرات هذا المشروع؟

- لقد اهتمت موانئ دبي قبيل انقلاب الرئيس السابق بمشروع رصيف الحاويات بميناء نواكشوط ولكن ذلك الاهتمام سرعان ما تحول إلى الجارة السنغال بسبب عدم الاستقرار السياسي وغياب الرؤية المؤسساتية لدى القائمين على الشأن العام بشكل عام. فهل كانت موانئ دبي لتهتم باستثمار غير مضمون النتائج أم أنهم لا يفهمون في مجال الموانئ؟

- لم يعرض المشروع في مناقصة دولية حتى ترفضه مواني دبي أو غيرها - حسب دعوى خبراء تبرير صفقة أرايز- فكيف حددوا يا ترى أن لا أحد يرغب في الاستثمار في هذا المشروع - اللهم إن كانوا خبراء "أولياء"؟

- كان هناك اهتمام وتنسيق ونقاش جاد بين إدارة الميناء والفاعلين الاقتصاديين لبناء شراكة لتنفيذ هذا المشروع بقدرات وطنية. فهل هؤلاء كلهم ليسوا خبراء في مجال الموانئ والنقل البحري؟

 

لا أحد في العالم يجهل كون المنشآت المينائية تمثل أكثر الاستثمارات جاذبية لرأس المال، لذا ترى دولا ومدنا وصلت درجات عليا من الرقي والازدهار بفضل موانئها (كوريا الجنوبية، سنغافورا، الدار البيضاء، انتوربن والقائمة تطول). لماذا يعتبر "خبراء تبرير صفقة أرايز" ميناء نواكشوط استثناء، هل غابت كل تلك الحقائق عنهم أم أنهم غيبوها عمدا عن القارئ؟

 

ثم إن السؤال البديهي الذي يطرح نفسه هو لماذا - والحال أن المشروع واعد اقتصاديا - لماذا لا تستثمر الدولة في إنجازه؟

 

2. تمويل المشروع:

يوهم صاحب مقال "خبراء تبرير صفقة أرايز" القُرَّاء أن الدولة عاجزة عن تمويل مشروع رصيف الحاويات لانعدام السيولة اللازمة لذلك أو لعجزها عن الحصول على التمويل أو هما معا!

 

لقد أنجزت توسعة الميناء الجنوبية بغلاف مالي بلغ 288 مليون دولار. علما أن الأعمال في هذه التوسعة كانت تتم في المياه العميقة مما يتطلب آليات متخصصة وإمكانات بحرية مكلفة إضافة إلى إنتاج الهياكل الخرسانية اللازمة وحملها من البر إلى أعماق البحر. زد على هذا أن التوسعة تضمنت إنشاء مصنع لتحلية مياه المحيط، رافعتين مينائيتين، عدة مخازن عملاقة، بناء رصيف متخصص للمواد البترولية وبناء مبنى من عدة طوابق لإدارة الميناء وكذا تعميق المراسي ومدخل البواخر (هذا حسب الاتفاق المبرم دون تعديل).

 

رغم أن هذه المبالغ حددت من طرف الشركة المنفذة ومع كل المعوقات والتعديلات التي يمكن الاستعلام عنها لدى الخبير الجزائري ممثل مكتب المراقبة الذي لم يتحمل المسار الذي أخذه تنفيذ المشروع، ليقدم استقالته من المهمة. حيث حل مكانه عجوز فرنسي ثمانيني العمر لا يقوى – حرفيا - على حمل ذراعه حيث كان يعلقه بمعلاق على كتفه. ولكم أن تتخيلوا مصير مهمة الرقابة!

 

عودا إلى الأرقام، أذكر أن الصناديق الخرسانية المستخدمة لبناء التوسعة المنجزة بلغ 58 صندوقا قدرت كلفة الواحد بحوالي 640000 دولار.

 

لو افترضنا جدلا أن نفس الصناديق الخرسانية ستستعمل لبناء رصيف الحاويات - علما أنه لا يتطلب تلك الأحجام الخرسانية لكونه رصيف على اليابسة - واعتبارا لعرض الصندوق الذي يساوي 13 متر تقريبا وطول الرصيف الذي يساوي حوالي 500 متر، فان عدد الصناديق المطلوبة لبناء هذا الرصيف يساوي 39 صندوقا خرسانيا.

 

بمعنى أن التكلفة الاجمالية للصناديق الخرسانية اللازمة لبناء الرصيف لا تتجاوز على أقصى تقدير 25 مليون دولار. لو أضفنا مبلغا جزافيا لتعميق الحوض مقداره 25 مليون دولار ومثل ذلك أو يزيد للتجهيزات الخ لنصل بالرقم إلى 100 مليون دولار. فهل عجزت قرائح أبناء وطننا أن توفر مبلغ 3,8 مليار أوقية قديمة لبناء مشروع بهذه الأهمية؟

 

حتى لو افترضنا جدلا ان تكلفة المشروع المعلنة من طرف أرايز (200 مليون دولار) منطقية، فكيف لبلد يحترم نفسه أن يعجز عن توفير مبلغ بهذا الحجم لإنجاز مشروع ذي أهمية سيادية واستراتيجية مدعوما بمردودية عالية؟

 

ليس الأمر عائدا إلى نقص الموارد مطلقا ولا في العجز عن استجلاب رأس المال لأن الرقم المالي للميناء نفسه يتجاوز عشرة مليارات أوقية قديمة سنويا. لذا فإن وضعيته المالية وحدها قادرة على ضمان استثمارات تتجاوز أضعاف ما يتطلب هذا المشروع. هذا إضافة إلى قدرتها على إقناع رجال الأعمال الوطنيين والدوليين للاستثمار في المشروع مع ضمان حماية المصلحة الوطنية.

 

وبهذه المناسبة فإننا نرجو من المسؤولين المعنيين نشر البيانات المالية التي تبين مدى قدرات ميناء نواكشوط المستقل على تسديد أي قرض أو مساهمة مالية فعالة لبناء مشروع بهذا الحجم المالي. وعندها يمكن لأي متعلم مسؤول جلب تلك التمويلات في وقت وجيز.

 

3. سيادة الدولة والقانون:

تعتبر سيادة الدولة خطا أحمر لا يجوز تجاوزه تحت أي ظرف ومهما كلف ذلك. فدولة لا تحترم سيادتها على منشآتها من خلال الترسانة القانونية المنظمة لكافة المجالات السيادية، وبالذات القانون المنشئ لميناء نواكشوط المستقل والمحدد لصلاحياته التي لا يجوز التلاعب بها ولا التنازل عنها إن أردنا لبلدنا التقدم والرخاء. إذ لا مجال لتنمية أصلا في وسط لا يحترم نظمه القانونية...

 

أما كون أرايز عقدت اتفاقا مع الوزارات ورئاسة الدولة في غياب تام - على ما يبدو - لأي دور للجهة المكلفة بتسيير الميناء فذاك إنما يدخل في قاعدة ما بني على باطل فهو باطل. وعلى كل مواطن شريف مكلف بتسيير الميناء أن يعيد الأمور إلى نصابها طبقا للقانون المعمول به في وطننا.

 

4. النتائج المرتقبة من صفقة "الوقت بدل الضائع":

لقد ورد في اتفاقية "العشرية" أن أرايز ستدفع للدولة مقابل كل حاوية صغيرة 50 دولار.

 

لنعد قليلا إلى الصف الثاني ابتدائي! فلو افترضنا أن مجموع الحاويات الصغيرة المارة عبر ميناء نواكشوط يساوي 100000 - علما أن هذا الرقم قد تم تجاوزه منذ عدة سنين - فإن مجموع ما ستحصل عليه الدولة من أرايز مقابل تلك الحاويات هو 50x100000=5000000 دولار اي ما يساوي تقريبا 1900000000 (مليار واحد و تسع مائة مليون) أوقية قديمة سنويا!

 

وللمقارنة فإن الرقم المالي le chiffre d’affaire للميناء يتجاوز عشرة مليارات أوقية هذا مع بدائية الخدمات الحالية للفاعلين الاقتصاديين (في ظل غياب رصيف للحاويات) وسوء التسيير. فما بلك لو تحسنت الوسائل (بوجود رصيف للحاويات) وطبقت آليات للحكامة الرشيدة؟

 

اما الرسوم المترتبة على استيراد المحروقات فقد تنازلت عنها الدولة دون أي مصوغ منطقي - حسب تقديري - إذ لا ينتظر أي استثمار من طرف أرايز لبناء مرفأ نفطي متخصص ومناسب، بل إنها ستستعمل نفس المرفإ الحالي عكس ما كان مبرمجا في إطار توسعة الميناء.

 

إن هذه الأرقام والأدلة لا تدع مجالا للشك في أننا سلمنا منشآتنا بدون مقابل لجهات أجنبية خصوصية لا تعتمد إلا منطق الأرباح والعمليات ذات المردودية العالية والتي يمكن للقارئ الكريم التأكد من ممارساتها عبر الإعلام الإقليمي والدولي.

 

أما ما ينتظر من توظيف دائم لخمس مائة عامل فإني أتوقع أن يكون العدد أكبر ولكنه من جنسية هندية... فهل يعقل أن تقدم شركة هندية وظائف لعمال موريتانيين!؟ إن المنطق السليم يأبى ذلك!

 

أما كوننا سنحصل على منشأة مينائية عصرية فليعذرني صاحب المقال فهو و"خبراء تبرير صفقة أرايز" بعيدون كل البعد عن الاختصاص إذ لا يخفى على مراقب - أحرى خبير - سهولة إنجاز هذا المشروع من الناحية الفنية والمالية. حيث لا يحتاج بناء الرصيف إلى العمل في أعماق البحر الذي يشكل تحديا تقنيا مكلفا. أما الردم وصب الخرسانة في قوالب فذاك أمر يتقنه "ماصوهات موريتني"!

 

5. الثقة بالنفس:

لقد ورد في مقال "خبراء أرايز" ذكر تجارب الدول الإفريقية في تسيير منشآتها المينائية! أقول مع الاحترام التام لتلك الدول الشقيقة إنها وللأسف الشديد ليست مثلا يحتذى به في الحكامة الرشيدة ولا في استقلالية اتخاذ القرارات ومع ذلك فتلك الدول بدأت تشهد صحوة ضد الفساد ونهب أموالها من طرف الشركات الأجنبية (كما حصل في الكامرون مع بولورى).

 

بالمقابل، لقد أثبت الموريتانيون قدرتهم على رفع أصعب التحديات التقنية أيام تأميم ميفرما حيث لم يبق فرنسي واحد في اسنيم ليستلمها ما لا يزيد عن الثلاثين مهندسا وتقنيا موريتانيا تم اكتتابهم ليحلوا محل مآت الفرنسيين لضمان تشغيل الشركة العملاقة بأيادي وطنية. وهو ما تحقق وبشكل أفضل مما كانت عليه!

 

فكيف يعقل أننا نحتاج بعد عشرات السنين من تأميم ميفارما إلى من يسير لنا منشأة بهذا الحجم من الصغر كرصيف للحاويات!؟ أم هل يعقل أننا عجزنا عن إيجاد تمويل بهذه الضآلة لتنفيذ مشروع سيادي واعد!؟

 

إن وطننا ليزخر بالكفاءات والخبرات التي لو تم استغلالها بالشكل المناسب لما كنا في هذه الحال من الهوان. فلا يحول دون تنفيذ هذا المشروع أو غيره وبقدرات وطنية إلا الإرادة الصادقة للقائمين على الشأن العام وسيادة القانون.

 

لذا فإن دعوة صاحب مقال "خبراء تبرير صفقة أرايز" إلى الاقتداء بالتجارب الافريقية في الحكامة الرشيدة مردود عليه لأننا في غنى عنه ولأنه يتنافى ومصلحة وطننا.

 

وأخيرا أهيب بكل غيور على وطننا أن يحكم ضميره وأن يسعى إلى إحقاق الحق وتطبيق القانون دون ظلم لأي كان حتى نسترد بعضا مما خسرت دولتنا في شتى المجالات وخاصة السيادية منها.