على مدار الساعة

السيد رئيس الجمهورية، حان الوقت لإبعاد المفسدين والقضاء على الفساد!

29 مايو, 2020 - 21:11
محمد المنير - خبير أممي

في قراءة أولية لخطاب رئيس الجمهورية بمناسبة عيد الفطر، بات من الواضح أن الرجل بدأ في توضيح مقاربته للحكم و نهجه ونواياه.

من ناحية الشكل، يواصل الرئيس اعتماده على خطاب توافقي جامع وهو نفس الأسلوب والنهج الذي اعتمده خلال حملته الانتخابية، في قطيعة مع خطاب سلفه القائم خصوصا على الغطرسة و العدوانية. كما بدا جليا  أكثر هدوءا واتزانا، في توافق كبير مع قيم الموريتانيين القائمة على الاحترام وحفظ الكرامة الإنسانية. في حين كان محمد ولد عبد العزيز قد أدار البلاد من خلال معاملة دونية لمواطنيه، تتسم بالصلف والغرور والاحتقار و تأليب الناس وتحريضهم ودفعهم للفرقة والاقتتال واستخدام القوة لتصفية الحسابات.

 

في الوقت الحالي، لازالت المؤشرات تدل على تأرجح نهج رئيس الجمهورية الجديد بين الاستمرارية والقطيعة مع نهج سلفه، في خلطة منهجية عجيبة ومتنوعة لا يعلم أسرارها وخصائصها إلا هو، إلا ان الجميع يعي بأننا في لحظة وطنية تاريخية فارقة تتطلب القطع الواضح والتام والفوري مع الممارسات السابقة وإلا فإن المنظومة الحاكمة ستجد نفسها في انفصام تام مع متطلبات المرحلة و دوافعها التاريخية. 

 

من الواضح أن ولد الغزواني رجل توافقي يريد البناء على ما تركه سلفه أو حتى الاستمرار فيه، في الوقت الذي يتوقع فيه الرأي العام بوادر قوية للقطيعة مع النظام السابق، ليس فقط من حيث الممارسات، ولكن أيضًا من حيث اختيار من سيديرون البلاد في السنوات القادمة.
من المرجح أن يؤدي هذا التأخير في التغيير الضروري إلى صدام مع الرغبة الشعبية، أو حتى تولد موجات من الغضب والاحتجاج قد تقلل من مصداقية السلطة الجديدة و تعطل هامش الفعل والحركة لديها.

 

وما لفت انتباهي بشكل خاص في خطاب رئيس الجمهورية هو المقطع المتعلق بالإرادة الحازمة في محاربة الفساد. و أنا على قناعة تامة بأن الرئيس يدرك خطورة هذه الظاهرة وتأثيرها الكارثي على التنمية. 

و المؤشر الإيجابي المؤيد لإعلان نوايا الرئيس هو سماحه بتشكيل لجنة التحقيق البرلمانية، التي تمكنت من تعزيز صلاحياتها وتمديد ولايتها. ومع ذلك، إذا كان رئيس الجمهورية يرغب في التأكيد على صدق و مصداقية نواياه وإرسال إشارة قوية للداخل والخارج و التأكيد على أننا خرجنا من طور النوايا الحسنة، إلى مرحلة الفعل والاجراءات العملية، سيكون عليه بالضرورة، اتخاذ القرارين التاليين من  أجل تفعيل إجراءات مكافحة الفساد:

1. الإبعاد الفوري للمسؤولين الذين يُنظر إليهم على أنهم فاسدون أو رموز لنظام عزيز،  عن الدائرة المحيطة بالقرار. من المؤكد منذ البداية أن تركيبة الحكومة لم تكن مشجعة، لأنها أعادت إنتاج نفس المشهد السياسي السابق تقريبًا، مع استثناءات لا تذكر. ولهذا كانت هذه التركيبة أبعد ما تكون عن ترجمة خيار للتغيير الذي كان منتظرا ومتوقعا من قبل غالبية الشعب الموريتاني. لا يفهم أو يتفهم الرأي العام السبب وراء الإبقاء و "رسكلة" مثل هذه الشخصيات، التي تستمر في العمل في مواقع استراتيجية، على الرغم من شبهات الفساد المحيطة بها. خاصة انهم ليسوا بالضرورة من ذوي الكفاءات النادرة أو المهارات الاستثنائية، بل على العكس، فقد تم اختيار معظمهم من قبل عزيز، الذي كان (مثل أغلب الدكتاتوريين)، يبعد دائما أصحاب الذكاء والكفاءة والمهارة.

 

كل المؤشرات تدل على أن رئيس الجمهورية احتفظ برموز نظام سلفه لتعزيز سلطاته والحيلولة دون تعاونها مع الأخير الذي قد يشكل، مع الاموال والموارد التي تم نهبها، تهديداً لسلطته، في سياق محاولاته المتكررة للرجوع للمشهد السياسي. وهي بالتالي وسيلة ناجعة لتحجيم قدرتها وإبقائها تحت السيطرة. 

 

إلا أن هذه الحسابات التكتيكية قد تكون قصيرة النظر وهي استراتيجية محفوفة بالمخاطر، اذ ينبغي على رئيس الجمهورية، على هذا الأساس، أن يستخلص الدروس من الطريقة التي أدار بها سيدي ولد الشيخ عبد الله علاقته مع ولد عبد العزيز  حيث سعى في البداية - حين كان تحت الضغط المستمر لعزيز - لإرضائه وتحييده من خلال تقديم العديد من عروض حسن النوايا تجاهه فيما كان بطيئًا جدا في إظهار الحزم اللازم والمناسب في وقته. وعندما تحرك للقيام بذلك، كان الوقت قد فات بالفعل. 

 

في ظل هذه الظروف يجب التخلص فورا من تأثيرات محمد ولد عبد العزيز لأنه مع مرور الوقت، سيكون من الصعب بل من شبه المستحيل القيام بذلك، بالنظر إلى احتمالات استنزاف وانخفاض الشعبية الناتجة عن ممارسة الحكم والأخطاء السياسية المحتملة التي قد ترتكبها المنظومة الحاكمة. وبالتالي، من الضروري إبعاد هؤلاء الأشخاص، عن طريق الاقالة والمتابعة القضائية إن أمكن، أو تعيينهم في مناصب شكلية دون سلطة على الأقل، في انتظار نتائج تقرير لجنة التحقيق البرلمانية.

 

2. إنشاء لجنة وطنية لاسترداد الأصول المنهوبة، في متابعة منهجية وعملية لأشغال لجنة التحقيق البرلمانية. ويمكن أن تبدأ هذه اللجنة بالنظر أولاً في أحدث قضايا الفساد. وينبغي أن تكون مسؤولة عن تنفيذ توصيات لجنة التحقيق والعمل على استعادة الأصول غير المشروعة، من خلال تتبع آثارها المشبوهة. و لتحقيق ذلك، يجب عليها إجراء تحريات إضافية، ومتابعة القضايا التي يتم تقديمها إلى العدالة، ومراقبة تنفيذ قرارات المحكمة. ولهذا الغرض، يمكنها الاستعانة بما يلزم من الخبراء والفنيين حسب الحاجة وان تتوفر لديها ميزانية كافية لتنفيذ مهامها بكفاءة ونجاعة.

 

ويمكن للجنة أيضًا، إذا مُنحت صلاحيات واضحة، الدخول في مفاوضات مع المتهمين باختلاس الموارد العامة أو التورط في أعمال فساد. والهدف من هذه المفاوضات هو تجنب المحاكمات الطويلة للغاية والمعقدة إجرائيا، والتي يمكن أن تكلف الكثير من الوقت والمال وتزيد من منسوب التوتر. تقوم الفكرة على أساس دفع المتهمين إلى إعادة جزء من الأموال التي تم كسبها بشكل غير مشروع، مقابل إسقاط المتابعات القانونية. يستجيب هذا الإجراء، بشكل جزئي، للهدف من هذه المحاكمات وهو تحقيق العدالة، إذ أن المتوقع من الإجراءات القضائية هو الاعتراف بالذنب أولاً، قبل التعويض عن الخطأ المرتكب. إلا أنه سيتم الحصول على هذا الاعتراف من خلال "حل وسط" يعترف فيه المشتبه بهم بوضوح بمسؤوليتهم عن الأفعال المرتكبة ويوافقون على إعادة جزء من الأموال التي تم الحصول عليها بطرق غير مشروعة.

 

يجب أن تتضمن هذه اللجنة شخصيات معتبرة من المجتمع المدني، محترمة ومعروفة باستقامتها ودقتها. ويمكن في هذا الإطار اقتراح شخصية مثل محمد محمود ولد محمد صالح الذي من الممكن ان يكون مرشحا جيدا لرئاسة اللجنة.

 

ختاما، يبدو أن الرئيس يواجه نظامًا راسخًا من الصعب جدًا اجتثاثه. ويبدو نهجه في الوقت الحالي، حكيمًا إلى حد ما، من حيث أنه لا يسعى إلى مواجهة مع  أتباع نظام عزيز، بل إلى فرض إيقاعه الخاص، مع تجنب إعطاء منافسيه "المعسكرين" في الانتظار، فرصة لزعزعة استقرار نظامه. إلا أن الكثير من الحيطة و الحذر قد يؤدي أيضا إلى التهور. ولهذا يجب على الرئيس الاستفادة من السياق الحالي للتوافق النسبي، الذي من غير المحتمل أن يستمر طويلاً، لاتخاذ الإجراءات اللازمة. ولا يجب ان تكون الوعود الممنوحة لولد عبد العزيز وأتباعه ضد مصالح الشعب الموريتاني وانتظاراته. اذ يتوقع الموريتانيون أن يكون الرئيس إصلاحيًا ويتخذ قرارات جريئة للقطيعة مع نهج سلفه وإذا لم يحدث ذلك، قد يؤدي إلى قطيعة الرأي العام مع الرئيس ونظامه.