على مدار الساعة

للإصلاح كلمة من وحي القرآن للتذكير في أيام رمضان (4)

10 مايو, 2020 - 03:52
بقلم الأستاذ / محمد بن البار

كلمة الإصلاح كتبت في حلقتها الثالثة الماضية أنها لم تطلع في القرآن علي أي إنسان في الدنيا مهما كانت علاقته بالله يمكنه أن ينفع أخاه في الآخرة، لكن في الدنيا يمكن أن يتعلم المسلم من أخيه المسلم أو يرشده إلى فعل العمل الصالح بالتوجيه إلى الصراط المستقيم.

 

وهذه الخصال هي التي طلب موسي عليه السلام من العبد الصالح الذي دله الله عليه ولم يسمه الله لأن الاسم لا يتعلق به عطاء الله، ولكن بعض الروايات قالت أن اسمه الخضر، وأول لقاء لموسي مع هذا العبد الصالح الذي أعطاه الله رحمة منه وعلمه من لدنه علما، قال له موسى: {هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا}، فلم يطلب منه إلا تعليم الرشد، فموسي يعلم أن هذا العلم الذي عند الرجل علمه الله جل جلاله وهو يريد أن يتعلمه منه، ولم يرد في القرآن في هذه القصة إلا أن موسي عندما هداه الله إلى مكان هذا الرجل والتقى معه وطلب منه ما طلب قال العبد الصالح لموسى أن ما يطلبه من عنده لا يُعلم إلا من الله، ولعلم العبد الصالح أن ما علمه الله هو من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وهو يعلم أن خلفية الفعل من علم الغيب فسوف لا يستطيع موسى الصبر على رؤية ما لا يعرف خلفيته، فقال العبد لموسى: {إنك لن تستطيع معي صبرا}، فظن موسى أولا أنه يستطيع أن يفهم الخلفية للفعل وعندما أدرك أن هذا الفعل من الأفعال التي لا يعرف خلفيتها إلا الله انتهت المعاهدة بينهما على استحالة صبر موسي علي رؤية ما لا يعرف خلفيته وتبرأ العبد الصالح من معرفة علم الغيب دون أن يكون الله هو الذي علمه إياه فقال: {وما فعلته عن أمري}، أي فعلته بأوامر الله، وقد بين الله لي إرادته بذلك الفعل الذي أمرني به، فموسى لم يتعلق بذات هذا العبد الصالح بعد ذلك.

 

ونظرا إلى أن من قرأ القرآن متدبرا فيه ومفكرا في فحواه يتضح له ما يلي:

أن هذا الإنسان الذي خلقه الله ونفخ فيه من روحه مخلوق كله على نمط واحد، وحدد له أجلا مسمي لكل واحد أيضا، وفي أثناء هذا العمر المعدود وضع على كل إنسان من يحصي عليه عمله بأمانة تامة وأن هذا الانسان أرسِل له رسول من عند الله بطريق مستقيم، وفيها وحي يتلى وفيه جميع ما هو مراد بهذا الإنسان وما عليه أن يفعل، وأن أمامه جنة أعدت لمن امتثل ما جاء به ذلك الرسول وفقا لما جاء في ذلك الوحي، وفي هذه الجنة ما وصفه الله من النعيم في ذلك الوحي المنزل، وأنه خلق له أيضا نارا أعدت لمن خالف أوامر الرسول الواضحة في الوحي الذي نزل به، وآخر هؤلاء الرسل هو محمد صلي الله عليه وسلم، والوحي الذي نزل عليه واضح، وقد بين فيه صلي الله عليه وسلم الطريق المستقيم الوحيد الذي يدعو هذا الإنسان إلى إتباعه وهي قوله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فترق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}، ودعا الرسول إلى طريقه هذه بما جاء في الوحي: {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}، فإذا استمعنا إلى الله مباشرة وهو يقول: {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا}، فهذا الخطاب موجه لكل شخص بمفرده فكلمة "من" التي أصلها للعموم وذلك ظهر في قوله تعالى: {وهو مؤمن} أن الخطاب لكل شخص بعينه.

 

وبناء علي وضوح جميع القرآن على هذا النمط فإن كل عاقل هداه الله يدرك ما يلي:

أولا: جميع ما قاله الله في القرآن أنه واقع أو سيقع في الدنيا وقع كما هو سواء من كيفية تسلسل الإنسان إلى قضية الموت من غير أن يعلم متى الموت وأين تأتي؟ ومعنى ذلك أن ما قاله الله في الدنيا وشاهدناه طبقا لما قاله تعالى في كتابه {الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} فكذلك سوف نشاهد ما قاله الله عن مصيرنا بعد الموت، فالله يقول لنا بعد الموت: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون} والزعم في اللغة العربية القول بغير دليل كما قال تعالى: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن}، ويقول تعالى: {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون}، هذه الآيات محكمات لأنها إخبارا من الله والخبر من الله لا ينسخ ولا يكون كذبا، ومن هنا سوف أطرح هذا الاستشكال وأريد به التوجيه فقط لما يمكن أن يركن إليه عقل في الدنيا قرأ القرآن وفهم ما فيه من مصير كل إنسان يوم القيامة وانفراد ذلك المصير بإرادة الله وحده، والاستشكال هو أننا نشاهد كثيرا من الموريتانيين اتبعوا أركان الإسلام كما هي: الشهادتان – الصلاة – الزكاة – الصوم – الحج، ولكن الأذكار والنوافل والاعتقادات الخاصة بالأشخاص غير المعصومين اتخذوا فيها منحى آخر، وهو أولا إعطاء اسم خاص لطريق العبادة بهذه الأذكار وما بعدها، فكل طائفة من المسلمين عبادتها لها وضعوا لها اسما خاصا مضافة إلي شخص، وذلك الاسم المضاف إليه الأذكار صاحبه قد توفي، فإذا كان النبي صلي الله عليه وسلم قد توفي كما ذكر القرآن وفاته الدنيوية عن ظاهر الدنيا، فيجب اعتقاد أنه الآن حي في قبره، فشهداء المؤمنين نهانا الله أن نقول إلا أنهم أحياء يرزقون ولا سيما خاتم النبيئين فقد كلم صلى الله عليه وسلم كثيرا من الأنبياء بعد موتهم في ليلة الإسراء، فكان من المفروض أن لا يوجد ذكر ولا نافلة ولا تكرار اسم من أسماء الله الحسنى إلا وطبقا لما صح عن النبي صلي الله عليه وسلم في الجميع، ومتابعة لفعله بالضبط مثل الصلاة والصوم إلى آخره، ويكون فعل الذكر وما بعده مضافا للنبي صلي الله عليه وسلم والجميع متفق على أنه صادر منه، ومن ذلك أن لا توجد عقيدة في غير المعصوم إلا وتكون مطابقة لقوله تعالى: {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} وقوله صلي الله عليه وسلم: "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتي ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب.. " إلى آخر الحديث، فالله يقول أمرا عاما للجميع: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون}، وأولياء هنا نكرة لا تتبعوا من دون ما أنزل إليكم أي ولي غير ما بلغه إليكم النبي صلي الله عليه وسلم، فطبقا لاستقراء الآيات القرآنية أظن أن أكثر أمن مضمون للإنسان يوم القيامة أن يأتي إلى الله وقلبه سليم مثل قلب إبراهيم عليه السلام الذي قال الله إنه أتاه بقلب سليم ولذا يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: {ثم أوحينا إليك أن ابتع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين}، فلا توجد عبادة عندها أي مسمى لا ذكرها ولا نوافلها ولا تضاف لشخص غير معصوم يمكن الركون للانتفاع بها يوم القيامة، بل كل العبادات قد بلغها الرسول صلي الله عليه وسلم ومضافة إلى الله جل جلاله، فمثلا لا يمكن كون أي شخص توفي بعد النبي صلي الله عليه وسلم أن تنتقل إليه نسبة الأذكار أو النوافل ويدعي ذلك بورد فلان، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يفارق الدنيا حتى ترك وردا كاملا دام عليه من ذكر وقيام ليل وتهجد حتي تفطرت قدماه وكان لسانه دائما رطبا بالذكر، هذا نقل عنه نقلا صحيحا كما ينقل عنه كل الأحكام الأخرى مثل الإيمان والإسلام والإحسان، فكما أن أحاديث النبي صلي الله عليه وسلم جاءت مبينة لتفاصيل ما جاء في القرآن فكذلك الأذكار والنوافل وعبادة الله بذكر أسمائه الحسنى جاءت أيضا صحيحة ومفصلة ومنسوبة للنبي صلي الله عليه وسلم.

 

ومن الحزم بمكان أنه عندما يرحل المسلم من هذه الدنيا وحده كما نشاهده أن لا يكون عنده أمل إلا في فعل ما أمره الله به عن طريق النبي صلي الله عليه وسلم ليطمأن بذلك قلبه كما قال تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين ءامنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مئاب}.

 

وعلى العموم فكم من آية وكم من حديث صحيح ترشد هذا الإنسان أنه بعد هذه الدنيا لا ولي له ولا ناصر بعد موته وإلى النهاية إلا عمله الصالح الخالص لله وحده لا شريك له يقول تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} ويقول تعالى: {من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا} وفي الأخير: أي شيء أوضح من قوله تعالى: {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة ابراهيم حنيفا} وقوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}.