على مدار الساعة

للإصلاح كلمة توضح أن موريتانيا إسلامية دستورية

16 أبريل, 2020 - 00:28
بقلم الأستاذ / محمد بن البار

كلمة الإصلاح حاولت عدة مرات أن لا تتدخل في شأن عمل اللجنة البرلمانية المحققة في العشرية الماضية بأي توجيه، إلا أن تدخل بعض الدستوريين في الموضوع على صفحات المواقع الالكترونية وبحثها عن دستورية التحقيق مع الرئيس وبقاء حصانته الرئاسية بعد انتهاء مأموريته الرئاسية وطيران هؤلاء الأشخاص كما عودنا بعض مثقفي موريتانيا إلي مناقشة ما يكتبه الأروبيون في دساتيرهم الوضعية العلمانية، حتى وصلوا إلى الاستعانة والاستغاثة برد قد قدمه "ميتران" مجاوبا به الرئيس الفرنسي "جسيكار دسيتان"، وهو تلاحقه لجنة برلمانية لمساءلته عن التسيير في زمنه كما عندنا بالضبط.

 

وهؤلاء الموريتانيين الذين ناقشوا الموضوع في دساتير الغرب لعلمهم مسبقا أن النصوص الدستورية يكتبها المشرعون مضغوطة العبارات لأنها تكتب في مواد محصورة، ولذا فقد كثر بحث ما يسمونه بفقهاء الدساتير لتلك المواد وتفكيك عباراتها حتي أصبح علماء الدستور أكثر إفتائهم في المسائل من بحوثهم من نصوص المواد نفسها، وبما أنه شاع اعتبار العمل بتلك البحوث نظرا إلى أنها من مصادر شرعية الدساتير كما يسمونه في غيابنا نحن المسلمين – لأن المشرع عندنا هو الله وحده كما قال تعالي لنبيه: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم} – ويلاحظ أن الله عبر بأهوائهم عن تتبع دينهم لأن دساتيرهم مبنية على أهوائهم، فالنصوص الدينية الصادرة كلها من الله سواء في التوراة أو الإنجيل والقرءان متطابقة لصدورها مباشرة من الله في العدالة العامة بين هذا الإنسان الذي خلقه الله وشرعها له، وهو المشرع الوحيد كما قال: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم...} إلى آخر التشريع للأنبياء الآخرين، وكما قال تعالى في آخر آية أخرى: {وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرءان}.

 

وقبل توضيح ما يهمنا في إسلام دستورية موريتانيا أبدأ بالقول أن ما دأب عليه الدستوريون الموريتانيون هو تصديقا لحديث النبي صلي الله عليه وسلم في شأن تفكير آخر هذه الأمة الإسلامية في زمنها بقوله على سبيل الذم: "ستتبعون سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر.. إلى قوله: حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه"، وأوضح في آخر الحديث أنهم اليهود والنصارى بالضبط.

 

ومن هنا أعود إلى دستورنا الموريتاني لنوضح إسلاميته التي لم يبدأ أصحابنا بالبحث فيها مع علمهم أن المشرعين الوضعيين جعلوا الدساتير هي أقوى نص قانون في الدولة، وكل لفظ فيها مهيمن على جميع القوانين الصادرة من الدولة.

 

ومن المعلوم أن الدستور يبدأ بديباجته وهي أقوى من مضمون المواد المسطرة بعدها، فاسمعوا أيها الموريتانيون ما يقوله لكم دستوركم الذي يحاول البعض أن يكون إسلاميا في نصوصه بالنظر إلى خلفية الشعب الاسلامية كله ولله الحمد – لأن الدستور مقنن لخلفيات الشعب المصوت كله عليه – ولكن في التطبيق يرحل القضاة والمحامون ومن يلف ذلك اللف بأفكارهم إلى دساتير العالم ووقائع تقاضيه ليأتينا من خارج إسلامية دستورنا ما يجعل الموريتانيين كأنهم أبناء الدنيا فقط مع قراءتهم في كتابهم المحفوظ لتطبيق جميع نصوصه لقوله تعالى: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون}.

 

فالفقرة الثانية من الديباجة أيضا: كما يعلن – والضمير يعود للشعب – اتكالا منه على العلي القدير تمسكه بالدين الإسلامي الحنيف.

 

وهنا عرف الدستور الجزئين تبعا للقرءان المنزل من الله في قوله تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام}، وذلك لحصر جميع ما يصدر من المسلم سواء كان تشريع أحكام أم أداء عبادة إلى آخره، في ما جاء في أصل دستورنا وهو القرآن كما توضح ذلك فقرات الديباجة الأخرى حيث تقول بالحرف: "حرصا منه – والضمير دائما للشعب – على خلق الظروف الثابتة لنمو اجتماعي ينسجم ويحترم أحكام الدين الإسلامي المصدر الوحيد للقانون".

 

أيها الدستوريون الموريتانيون، أيها القضاة والمحامون والبرلمانيون، أين المفر في الآخرة عن استجوابكم أنتم القريب عندما يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون، فالمفر إلى نصوص الله في دستوره: {ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين}.

 

ومن هنا نرحل بالشعب الموريتاني وجميع قضاياه من رئيسه إلى مرؤوسه إلى مواد القانون الجنائي الوحيد المعمول به الآن في موريتانيا ذاهبين مع الدستور الذي وجهنا إلي فرعه الأول القانون الجنائي، لنعود إلى وضعيتنا الدستورية الحالية على ضوء الشريعة الإسلامية بعد توضيح إسلامية الدستور وجميع تبعات ذلك بعد أن علمنا أن مصدره الوحيد هو إما النصوص المدونة فيه، وإما مصادر تلك النصوص الإسلامية المعروفة بأنها الكتاب والسنة والإجماع والقياس.

 

فالكتاب يقول فيه تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}، ولا خيانة (عظمي) غير المحصنة أكبر من خيانة الأمانة، ولا سيما من رئيس لشعبه الذي لا يمكن مساءلته له ما دام رئيسا.

 

أما السنة فلا خيانة (عظمي) أيضا أكبر دليلها من قوله صلي الله عليه وسلم (من غشنا فليس منا) وقوله صلي الله عليه وسلم: (ما من راع يسترعيه الله رعية يموت عنها يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة).

 

أما الاجماع: فهذا الدستور المصادق عليه من الشعب كله ينص من بين مواده مساواة جميع المواطنين أمام القانون ولا سيما أن الحق العام في أملاك الدولة يدخل فيه أموال اليتامى والمحتاجين إلى آخره.

 

أما القياس: ففي صدر الإسلام استدعى أمير المؤمنين على رضي الله عنه من طرف قاضيه المعين من طرفه ليجلس أمام خصمه اليهودي وبجنبه متساويين أمام القاضي، وعندما كناه القاضي بأبي الحسن ولم يفعلها لخصمه غضب علي لهذه الخصوصية له طلبا لتحقيق العدالة.

 

أما قضية الحصانة وبقائها خاصة بدون أي نص فلا أعرف من أين أتي بها فقهاء الدستور والمحامون، فجميع مميزات الرئيس التي ينص عليها الدستور ذهبت عنه، وهي لا تضر أي مواطن مثل ضمانه للحوزة الترابية وضمان السكينة والهدوء إلى آخر ما جاء في الباب الخاص بالسلطة التنفيذية، وليس في الدستور يخصه إلا أنه بعد مأموريتين لا يحق له الرئاسة بعد ذلك بدون أي نص يشير إلى حصانته، والحصانة مبدأها خرق لروح الدستور لأنها هي حصانة عن متابعة الإجرام وهذا مخالف للشريعة الإسلامية، ومخالف للعرف العام لحقوق الإنسان الذي أجرم في حقه، فالنائب كانت عنده حصانة فهل ما زالت عنده؟ فبعد مأموريته لا يستدعي إذا ارتكب جريمة في أثناء الجلسة العادية للبرلمان إلى آخر تلك الحصانات؟.

 

فالرئيس العسكري إذا كان ضابطا وبقي له اعتبار داخل الجيش فذلك خاص بنظام الجيش العسكري، وملخص هذا المقال أنه فقط يلفت نظر الدستوريين الذين تكلموا في هذه القضية إلى أن أي واحد منهم لم يلفت نظره أن دستورنا بإسلاميته المنصوصة فيه مقطوع نهائيا عن دساتير الدول الأخرى، ومنقطع كذلك عن الرجوع إلى مصادر تلك الدساتير في العالم، وما يقال له غرض المشرع لا يرجع إليه في دستورنا، لأن المشرع هنا ملزم بالشريعة الإسلامية وتلك ليست قلبية فقط، لا مكان لها في التطبيق الخارجي، فذلك يقول فيه المولى عز وجل: {أفتومنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} إلى آخر الآيات.

 

وكذلك الحصانة لا نص فيها بعد انتهاء المأمورية الثانية إلى آخر ما تقدم وما لا نص فيه لا يلتفت إليه.

 

وهذا المقال لا يعني أن كاتبه يعرف شيئا عن أصل هذه القضايا، بل يتكلم عن التوجيه فقط للقضايا ، ولينبه الموريتانيين أنه مع الأسف يعاملون هذا الدستور معاملتهم للغة العربية المتروك العمل بمادتها الدستورية للأثير فقط، ومعدومة في الرسميات في المكاتب، فعناوين شكلياتها في المكاتب كأنها إبل ضالة واردة علي غير مالكها، تمد رقابها للشراب وتذاد عنه، ولسان حالها يقول إنها مثل غنم بنات شعيب: لا تسقي حتى يصدر رعاء الفرنسية، ورئيس الدولة الذي هو راعي الدستور إذا لم يكن شيخا كبيرا مثل شعيب فهو متواطئ مع أصحاب المكاتب على إهانة العربية داخل مكاتبهم ولم تجد العربية كليم ليسقيها فكأن الله يعنيهم في قوله لنبيه صلي الله عليه وسلم: {وكذب به قومك وهو الحق} وقوله تعالي {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون}.