على مدار الساعة

جائحة كرونا... وخلل المنظومة الاسلامية في السنغال!!!

3 أبريل, 2020 - 22:26
مختار كبي: رئيس التجمع الإسلامي السنغالي

إن ظهور عدوى كرونا في السنغال كشف عن عوراتنا الدينية وعللنا الفكرية، كما أظهر بجلاء مكامن الخلل في منظومتنا الإسلامية ومدى عجزها في اتخاذ التدابير اللازمة في النوازل والطوارئ الجائحة، والنظر بوعي في مآلات الأمور وتداعياتها.

 

فمنذ الوهلة الأولى من ظهور وباء كرونا لجأنا الى التفسير الأخلاقي له، مستندين الى الأحاديث الواردة في الطواعين وربطة بالانحرافات السلوكية التي تستوجب عقوبات السماء،معتقدين بانحصار الوباء في دائرة المنشأ غير مدركين بقوة ومفعول(العولمة) وتأثيراتها في كل المعطيات والحالات.

 

فلم نتوقع ما يمكن أن يحدث من تعميم العدوى في هذه القرية الكبيرة (العالم)نتيجة هذا التداخل والتفاعل والترابط غير المسبوق بين بني البشر.

 

فالتوجه مبكرا الى التدابير الوقائية الاستباقية للتقليل من مخاطر الإصابة وتأجيلها ودفع المجتمع نحو السلوك الإيجابي الوقائي لمواجهة الخطر.

 

بل تركنا الساحة خاليةلذوي البضائع المزجاة من الدجالين والمرتزقة باسم الدين، يروجون أباطيلهم للعامة زاعمين بحصانة موروثة لهذا البلد، وعناية إلهية لأبنائه الأحياء والتي ستصرف عنا البلاء حتما بمفعول سحري، غير معتبرين لا بالتاريخ القريب في هذا البلد ولا بالتاريخ البعيد مع الأمم الغابرة في مثل هذه الظروف.

 

ولم نأخذ الأمر مأخذ الجد الا بعد استفحال الوضع الصحي، وأجبر المسؤولين على اتخاذ التدابير الصارمة لكسر حلقة العدوى في المجتمع، وذلك بمنع التجمعات بكافة أشكالها الاجتماعية والدينية للوقاية من انتشار العدوى ومآلاته في الاقتصاد والأمن الوطني.

 

ومثل هذا القرار يجبر الإسلام أن يكون في قلب الاهتمام لأن الممارسات الشعائرية في الإسلام ترتبط بالجمع وتعتمد عليه في أكثر الوجوه وأن النصوص الشرعية تولي عناية قصوى للجماعة، ولأن المسجد متجذر في وجدان المسلم، الأمر الذي انعكس في تعاطي مراكز الفتوى في العالم الإسلامي مع هذه النازلة حين اقتضى الأمر الى النظر في وضعية (المسجد) في مثل هذا القرار فاشتد الجدل في المقارنة بين مقصد حفظ النفس وحفظ الدين وأيهما أولى بالمحافظة، ولم يكن في الأمر ما يدعو الى سلوك هذا المنحنى في الإفتاء لأن اغلاق المساجد ليس هدما للدين ولا تعطيلا للشعيرة، وإنما نقص من بعض كمالاتها وهو تعطيل جزئي احترازي ووقائي صونا للنفس من مخاطر تهدد وجودها بالكلية.

 

كما استدل آخرون في غير ما موضع للاستدلال من الآية: ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها... والآية تتحدث عن المنع العدواني التخريبي بينما الأمر بتعليق الجمع والجماعات في المساجد منع اجرائي وقائي تنظيمي ومصلحي لضرورة حياتية تقدر بقدرها، والذين يرجع اليهم لتقدير حجم الضرر والضروريات هم أهل الذكر المختصون وأهل الفقه والخبراء الذين لديهم القدرة على الاستنباط والتقدير والموازنة بين المصالح والمفاسد، ومن ثم اتخاذ التدابير لأخف الأضرار (ولو ردوه الى الرسول والى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم).

 

وهذه هي الحلقة المفقودة في منظومتنا الإسلامية في بلدنا، وينبغي السعي لإيجاده لأن الأمر لا يحتمل التأجيل لقيام مثل هذا الكيان المنشود للتبادل والتشاور واتخاذقرارات جمعية يطمئن اليها السواد الأعظم من أهل هذا البلد، ولو أجرينا مقارنة بسيطة في قضية اغلاق المساجد بين السنغال وساحل العاج، وكيف كان الارتياح والتوافق هنالك والارتباك والارتجال هاهنا لأدركنا أهمية وضرورة إقامة هيئة عليا تشرف على الشأن الإسلامي في السنغال، تتخذ القرارات والتدابير والفتاوى وتكون حلقة وصل بين المسلمين والسلطة الإدارية في القضايا الجامعة.

 

وإقامة هذا الكيان تلتزم إخلاء الساحة الإسلامية ومنابرها من هؤلاء الجهلة المتفوهين الذين يجهلون كل شيء ويتكلمون في كل شيء وجهلهم بالإسلام الذي يدعون الحديث باسمه أشد، وجزى الله الشيخ الريسوني إذ يقول: في أيام الشدة والرخاء لا بأس أن يتكلم الواعظ والخطباء وأما عند الفتن والمحن فالكلمة للفقهاء والخبراء.

 

لئلا نلدغ بالجحر مرات لابد من إصلاحات جذرية في المنظومة الدينية في البلاد، تبدأ بتجاوز الأداة الأسرية للشأن الإسلامي إلى إدارة كفاءات متنوعة تستشرف المستقبل وتسبق الأحداث وتضع الموجهات والحلول عند النوازل المستعصية استفادة من المعطيات العلمية والآليات الفقهية.

 

وختام هذا المسعى الإصلاحي التداعي بكل تجرد الى إقامة هيئة إسلامية عليا يتفق عليها الجميع، تحاور السلطة وتشاور وتقدم المقترحات لوضع حد من هذا التشرذم وهذا الفوضى المنظم باسم الإسلام، والإسلام منه بريء.