على مدار الساعة

للإصلاح كلمة: تذكر الجميع بقوله تعالى: ﴿فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز﴾ (1)

29 مارس, 2020 - 00:55
بقلم الأستاذ / محمد بن البار

كلمة الإصلاح تدرك أن الإنسان الذي يؤمن بلقاء الله في الآخرة دائما ــ يضيف ما قيل في قضية المصير الأخروي ـ أنه من باب الموعظة.

 

والموعظة عندهم في الدنيا مثل التكوين أو التمرين أو التدريب على عمل الشيء قبل البداية في فعله إلا أنه على الجميع أن يعلم أن تكوينات أهل الدنيا وتمريناتهم ليست كمواعظ الله في القرآن: فالأولى قد لا يقع فعلها ـ إما بموت المتدرب أو تركه للفعل ـ أما مواعظ الله لعباده وتذكيره لهم في الدنيا بما سيفعل بهم في الآخرة واقع لا محالة.

 

فمثلا قوله تعالى: ﴿وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار﴾ إلى قوله تعالى ﴿هذا بلاغ للناس ولينذروا به﴾.

 

فهذا الإنذار واقع على الظالمين لا محالة فلا بد أن يشاهد هذا الإنسان كله ــ الظالم ـ مقرونا مع زميله الظالم في الأصفاد وسرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار لأن عذاب أي إنسان في الآخرة يراه كل إنسان سواء كان الرائي له في الجنة ليتنعم بنجاة الله له من ذلك العذاب كما قال صاحب الجنة لزملائه من أهل الجنة: اطلعوا معي على أهل النار لنرى زميلا لي كان في الدنيا ينكر البعث بعد الموت فاطلع الجميع على أهل النار فرأى زميله المنكر للبعث في سواء الجحيم فقال لزميله ما ترجمه لنا القرآن بدقة التعبير ﴿تالله إن كنت لتردين ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين (أي معك في النار)﴾.

  

فهذا المسلم تنعم برؤية قرينه السوئي يتعذب فحمد نعمة الله عليه على عدم وجوده معه في النار.

 

وإما إن كان الإنسان معذب فيرى قرينه المعذب معه في العذاب ليتعذب الجميع برؤية كل منهما لتعذيب الآخر كما قال تعالى ﴿ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون﴾.

 

ومناسبة إيراد هذه الآية وما تتضمن من دقة التعبير ومحاولة إيضاح معناها في هذا الظرف ليعلم الجميع أن إنهماك الدولة الآن في مكافحة وباء لم يصلها بعد ـ ونرجو من الله العلي القدير أن يجنبه لبلادنا ويوفقها لمعالجته الصحيحة وهي: أن تعمل ما يزحزح جميع شعبها بجميع طبقاته وألوانه ولغاته واهتماماته عن النار والعمل على ما يدخله جميع أوصافه المتقدمة الجنة.

 

والآن أعود للربط بين هذا الاهتمام بمكافحة هذا الفيروس القاتل وما ينتظر هذه الإنسانية من خطر إصابته بهذا الفيروس ومن خطر عدم التزحزح عن النار المتضمن عدم دخوله الجنة وعدم تزحزحه عن النار وبيس المصير.

 

فالمتأمل لتركيب بعض كلمات هذه الآية يجد أن المراد بها هو تلخيص جميع مصير هذه الدنيا من إنسان وأرض وسماء وحيوان وجمادات إلى آخره؛ كما أن نصف هذه الآية ملخص لما جاء في القرآن كله بالنسبة للنتيجة التي طلب من الإنسان في القرآن أن يحصل عليها.

 

فإذا راجعنا هذا التحرك لهذه الحكومة وما تريد أن تزرعه في قـلوب الناس من الرعب من خطورة هذا الفيروس وسخائها بالإنفاق من كل ما عندها؛ فسنجد أن المقارنة بين هذا الخوف من فيروسات الدنيا التي تصيب تارة وتترك وبين عدم التزحزح عن النار وعدم دخول الجنة بينهما تباين مطلق إلى ما لا نهاية فالصالحون الذين تتلقاهم الملائكة عند موتهم مباشرة بالبشرى الصادقة المحققة بقولهم: ﴿نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم﴾، وبين ما أعده الله لمن لم يتزحزح عن دخول النار ولم يدخل الجنة وقيل في شأنه ﴿النار يعرضون عليها غدوا وعشيا (في الدنيا) ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب﴾؛ وعند التحاجي أمام الله في سبب دخول النار يقول الجميع: ﴿إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد﴾ فسيجد المتأمل بونا بعيدا بين الفريقين.

 

وعلى المتعاونين في الدنيا على غير ما يرضى الله إلى غير ذلك من ما نسمع نحن أهل الدنيا من المجاملات مع نبذ خطورة عمل أهل الدنيا على غير الطريق المستقيم واختيار مكانها مصير الأخلاء غير المتقين فليسمع كلامهما يوم التحاجي والتلاوم يوم القيامة ﴿الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين﴾.

 

وهذا التذكير بانهماك الجميع رئيسا ومرؤوسا في مكافحة هذا الوباء الفتاك ليس معناه الملاحظة المعترضة عليه أو المقـللة من شأنه لأن كل من كافح وتحرك وأعطى وامتثل أوامر السلطات في الموضوع فهذا أعظم القربات عند الله وأكثرها سببا للتزحزح عن النار وإدخال في الجنة إذا حصل كل ذلك بالنية القرآنية التي وصف الله أهلها في قوله ﴿والذين يوتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون﴾ لأنه يمثل إحياء الإنسان الذي يمثل إحياء الإنسانية كلها.

 

ولكن هذا التذكير منصب على أن كثيرا منا غافل عن ما تتضمنه هذه الكلمات في قوله تعالى ﴿فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز﴾.

 

فالمشاهد أننا نرى رؤساء المسلمين ووزراءهم وبرلماناتهم يتعاملون مع من لم يطلب من الله أن يزحزحه عن النار ويدخله الجنة؛ فيتعاملون مع الظلمة القـتلة المتمردين على الله وكأنهم يتجاهلون ما أعده الله لظلام أهل الدنيا وهم يسمعون القرآن يقول: ﴿وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون﴾ كما يسمعونه يقول للظالمين: ﴿أسمع بهم وأبصر يوم ياتوتنا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين﴾.

 

والآن سوف نكتب مقارنة بسيطة بين الخوف من الوباء الطارئ والذاهب ولو بعد حين وبين ما يجب على المسلم أن يكون خوفه دائما منه وهو وباء إذا نزل به ليس مفارقا له إلى أبد الآباد مع شدة العذاب المستمر في عدم التزحزح عن النار وعدم دخول الجنة الذي هو مكان حجزه أي وهو ﴿سقر وما أدريك ما سقر لا تبقي ولا تذر﴾.

 

فقوله تعالى ﴿فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز﴾ لا يشك أي ناطق بالعربية أن التزحزح هو التحرك بصعوبة ومحاولة البعد عن المكان غير المرغوب فيه؛ فكأن المسلم هنا عمله يدفعه إلى الدخول في النار وربه يذكر له من الأعمال الخفيفة التي تزحزحه بقوة توفيق الله عن هذا الدخول كما قال صلى الله عليه وسلم: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة"؛ و"من كان آخر كلامه لا إله إلا الله محمد رسول الله دخل الجنة"؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان على الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم"، وقوله تعالى: ﴿فمن ثـقـلت موازينه فأولئك هم المفلحون﴾؛ كما أن كل ناطق بالعربية يدرك أن لفظة (فمن) التي بدأت بها الآية لا تستـثـني رئيسا ولا مرؤوسا ولا رجل أعمال ولا فقير ولا ذكر ولا أنثى ولا لون من الجميع أي من كل ما يقال له الإنسان فالفعلان الرباعيان المستتر فاعلهما لأنه معروف لعدم أي شيء يشترك معه في الفعلين وهو الله جل جلاله فمنطوق الفعلين أن من لم يتزحزح عن النار ولم يدخل الجنة ليس من الذين نودوا بعد دخول الجنة بقوله تعالى ﴿ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون﴾.

 

وخلاصة هذا المقال (في الحلقة الأولى) أن هذا الوباء الذي استنفرت له الدولة جهودها وحجزت وحاصرت وأنفقت وخاطب رئيسها شعبه بما سيعينهم به وما عليهم هم أن يفعلوه من المساعدة خوفا من الوباء ـ فحسنا فعلت الدولة ورئيسها ومطلوب من شعبها الامتثال؛ ولكن بجانب ذلك ما دمنا نؤمن بلقاء الله في الآخرة؛ علينا أن نعلم جميعا الفرق الشاسع بين هذا الداء المشكوك في إصابته وعدم التيقن من ضر من مسه من الإنسان وبين ذلك الترهيب والترغيب الموجه للجميع من الحذر من فعل لا يستثنى أي أحد ولكنه إما أن ينكشف عن عذاب دائم لا طاقة لأي إنسان به أو نعيم مقيم لا صبر عنه للإنسان وكل هذا بني على وصف التعامل مع الله في هذه الحياة المحدود زمنها جدا ولا يستثني فيها أي معاملة مخالفة لأوامر الله سواء مع الأشخاص أو مع الدول أو مع الأعداء أو مع الأصدقاء والميزان دائما هو قوله تعالى ﴿فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز﴾.